تصدّق ولو بـ"كتاب خارجي".. حيل الأهالي لتعليم غير مكلف

"ياريت من دلوقتي أي أسرة مقتدرة تعرف تشتري كتاب خارجي لولادها بالفعل تحافظ عليه.. ميقطعوش الكتب أو يرموها أو يقلوا عليها بطاطس بعد ما ولادهم يخلصوا امتحانات.. يحاولوا يوصوا ولادهم يحافظوا على الكتب على قد ما يقدروا طول السنة الدراسية.. وبعد الدراسة يطلعوها صدقة لله لحد مش مقتدر يستفيد منها السنة اللي بعدها".

قالت "هيام عباس" وهي أم لطفلين في مرحلتين دراسيتين مختلفتين، معلقة على أزمة ارتفاع أسعار الكتب الدراسية الخارجية التي تضاعفت متأثرة بالأزمة الاقتصادية التي تعانيها مصر في السنوات الأخيرة، والتي دفعت للتساؤل حول أبعاد الأزمة وأسباب هجر الطلاب للكتاب المدرسي.

كتاب المدرسة.. حبيس الأدراج

تعاني العلاقة بين الطالب والكتاب المدرسي أزمة ثقة كبيرة، يقول خبراء علم النفس التربوي إنها تعود لسنوات، لأسباب قصور في الكتاب المدرسي، الذي كان يخلو من التبسيط والتوضيح ولا يستخدم عناصر جذب تجعل عملية التعليم ممتعة لدى الطالب. الأمر الذي كوّن مع مرور الوقت نظرة سلبية نحو الكتاب المدرسي لصالح الكتاب الخارجي، الذي شجع الإقبال عليه تهافت معلمي الدروس الخصوصية عليه واعتمادهم إياه كمصدر للتدريبات والاختبارات.

الإقبال على الكتاب الخارجي دفع برلمانيون للسؤال عن الأسباب
الإقبال على الكتاب الخارجي دفع برلمانيون للسؤال عن الأسباب

وهي الأزمة التي أشار إليها أيضًا بعض نواب البرلمان، في أغسطس الماضي، حين تقدم النائب محمد عبدالله زين الدين، بسؤال برلماني للمستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس المجلس، موجه لرئيس مجلس الوزراء، ووزير التربية والتعليم والتعليم الفني، بشأن أسباب لجوء الطلاب وأولياء الأمور للكتب الخارجية وهجرة كتب الوزارة.

ويلفت "زين الدين" إلى ما تتكبده الحكومة من مليارات الجنيهات المهدرة على طباعة كتاب ينتهي الحال به إلى الأدراج. موضحًا أنه وفقًا للتقديرات بلغ إجمالي تكلفة المناقصة لطباعة الكتاب للعام الدارسي 2022/2023 نحو 1.550 مليار جنيه. متسائلًا: "لماذا لا تستعين وزارة التربية والتعليم بخبراء الكتب الخارجية في تطوير مناهج الوزارة على النحو الذي يؤدي لاعتماد الطلاب عليها".

"المُرتجع" لإدراك غير الممكن

"الأسعار وصلت لـ 3 أضعاف والكتاب اللي كنت بجيبه بـ 30 بقى بـ 80 وكل سنة يزيد سعر كتاب بطريقة غريبة.. هو احنا ناقصين الكتب كمان".

في مقابل بعض الكتب الخارجية لمساعدة طفليها "في تحصيل دراسي جيد"، اضطرت "آيار عبد الكريم" لدفع مبلغ 2700 جنيه مصري. تقول: "2700 جنيه في كتب لطفل في الصف السادس الابتدائي، وطفلة في تانية ابتدائي.. هو ده معقول؟.. احنا ماشين في الدنيا بقوة الدفع؛ في الأكل والشرب وكمان التعليم".

اقرأ أيضًا.. في "الفجالة".. حتى حقيبة المدرسة القديمة مطالبة بتحمل الأسعار

"احنا بقينا بنتعامل بملاعيب شيحة (شخصية تراثية مملوكية تجيد التنكر والاحتيال) مع الحياة عامة.. بندور على حيل نوفر بيها كتاب خارجي غير مكلف".

"رضوى سامي" ومجموعة من قريناتها عبر إحدى مجموعات "الماميز" على "واتساب" اتفقن على شراء المرتجع من الكتب الخارجية. تقول: "نبحث عن العائد من كتب العام الماضي وأماكن بيعها بأسعار مخفضة ونتغلب على أزمتنا".

استطاعت "رضوى" وهي أم لطفلين في المرحلة الابتدائية أن تحصل على كتاب خارجي في اللغة العربية بـ 50 جنيهًا بدلًا من 120 جنيه. تضيف: "الفرق في الطبعة سنة واحدة بس، والكتاب جديد خالص.. ده فرق معايا في التكلفة الإجمالية للكُتب الخارجية لأولادي.. كُتب المرتجع دي اختراع".

وجدت "رضوى" في سور الأزبكية الذي يوفر كتاب خارجي قديم بسعر معقول
وجدت "رضوى" في سور الأزبكية الذي يوفر كتاب خارجي قديم بسعر معقول

وجدت "رضوى" في سور الأزبكية ضالتها: "جبت لابني من هناك كتاب (الماث) بكيسه.. فيه اختلافات بسيطة بين نسخ السنة دي والسنة اللي فاتت، بس المنهج نفسه.. عيبها الوحيد إن أحيانًا بيتم تغيير المنهج زي ما حصل مع سنة رابعة ابتدائي اللي اضطروا يشتروا كتب جديدة في كل المواد".

"أغلب المدرسين ما بقاش عندهم طاقة ولا وقت يشرحوا كويس في الفصل والأمهات بيضطروا يا إما يشتروا كتب خارجية ويذاكروا لولادهم في البيت أو يدوهم دروس خصوصية، والغريب إن أغلب المدرسين اللي بيدوا درس خصوصي بيكسلوا يعملوا ملزمة وبيطلبوا كتاب خارجي"، تقول "رضوى".

خصم النقابات وسوق الكتب القديمة

استفادت "نادية مبروك" من خدمات نقابتها "الصحفيين"، واشترت الكتب الخارجية اللازمة لأطفالها بخصم قدره 20%، وفرته النقابة لأعضائها هذا العام.

"الكتب الخارجية لبنتي كان سعرها قبل الخصم 1500 جنيه.. أغلب الكتب بتتراوح بين 180 إلى 200 للكتاب الواحد، والفروقات في الأسعار كبيرة أوي عن السنة اللي فاتت.. أنا فاكرة إن كتب بنتي عمرها ما كانت بتعدي ألف جنيه"؛ تقول "نادية"، التي اضطرت مع موجة ارتفاع أسعار الكتب الخارجية إلى شراء الكتب المستعملة من سوق للكتب القديمة بمنطقة شبرا الخيمة.

تغلبت "نادية" على أزمتها مؤقتًا حتى اصطدمت أيضًا بتغيير المناهج الذي اضطرها إلى شراء كتب جديدة بأسعار باهظة. 

مجموعات تبادل الكتاب الخارجي

في ظل الأزمة الاقتصادية التي طالت أسعار أغلب المنتجات والسلع في مصر، نشطت عبر مواقع التواصل الاجتماعي مجموعات مخصصة لتبادل الكتب الدراسية الخارجية المستعملة بين أولياء الأمور.

وفي حين تتبرع بعض الأمهات بكتب أطفالهن المستعملة لأبناء أسر غير قادرة وأمهات معيلات؛ فإن أخريات يعرضنها للبيع بنصف الثمن عبر تلك المجموعات، كما فعلت "مايسة ممدوح" الأم لثلاثة أطفال أكبرهم في الصف الثاني الثانوي وأصغرهم في الصف الثاني الابتدائي.

اقرأ أيضًا: "اللانش بوكس".. وجبة المدرسة تلتهم من أخفوا فقرهم خلف الأبواب

"كنت بعمل كده لكن مع الغلا اللي عايشينه دلوقتي ما قدرتش أشتري كتب خارجية لولادي كلهم.. اشتريت للبنت الوسطى بس، واعتمدت مع الكبير على ملازم مراجعات المدرسين الخصوصيين والأصغر بيستخدم فقط كتب وزارة التربية والتعليم"؛ تقول "مايسة.. الكتاب اللي كنت بشتريه لبنتي السنة اللي فاتت بـ68 جنيه السنة دي بقى بـ150 جنيه، وإجمالي سعر الكتب الخارجية اللي اشتريتها لبنتي السنة دي بـ730 جنيه، وما عرفتش أجيب لأخواتها"؛ تقول "مايسة".

تصدق ولو بكتاب

تصوير الكتاب الخارجي وتحميل نسخ إلكترونية بصيغة "PDF" أيضًا أحد الحلول التي يلجأ إليها بعض الأهالي غير المقتدرين ماديًا هذا العام، كما تحكي "هيام عباس". تقول: "شوفت كذا حد منزل لينكات تحميل الكتب الخارجية بي. دي. إف بعد ما سعر الكتب زاد، وبغض النظر عن الخلاف الداير إذا كان ده حلال ولا حرام".

وتوضح "هيام" أن أسعار الكتب الخارجية لم تعد في متناول يد الجميع لأن "ظروف الناس بقت صعبة ومحدش عارف الحال ده هيستمر لحد إمتى؟"، مضيفة أن "سور الأزبكية كمان موجود فيه الكتب الخارجية المستعملة بتاعة السنة اللي فاتت بنص التمن أو أقل وبتبقى بحالة كويسة لكل السنين الدراسية لغاية تالتة ثانوي".

مبادرة الكتاب القديم

كتب المرتجع حيلة لجأ إليها الأهالي لتوفير الكتاب الخارجي
كتب المرتجع حيلة لجأ إليها الأهالي لتوفير الكتاب الخارجي

"شيرين عادل" التي تمتلك مكتبة لبيع الكتب الخارجية والمستلزمات الدراسية اتجهت بدورها هذا العام إلى شراء كتب المرتجع ونسخ المعلم التجريبية من سور الأزبكية، ومن ثم عرضها للبيع في مكتبتها والتسويق لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهو الأمر الذي لاقى رواجًا في ظل ارتفاع الأسعار الكبير.

"ببيع كتب مرتجع الشركة ونسخ المعلم المجانية بسعر أرخص كتير من الكتب الجديدة طبعة السنة دي، فيه كتب بتبدأ من 10 أو عشرين جنيه زي كتاب  التربية الدينية الإسلامية وكتاب اكتشف للصفوف الأولى في المرحلة الابتدائية، وكتاب اللغة العربية للابتدائي بـسعر يتراوح بين 20 إلى 30 جنيه والرياضيات بـ65 جنيه والإنجليزي بين 60 إلى 75 جنيه، أما كتب الماث والعلوم والإنجليزي للإعدادي والثانوي سعرها بيتراوح بين 85 إلى 120 جنيه"؛ تقول "شيرين".

أزمة الدولار والحرب الأوكرانية

وفي وقت يتهم البعض أصحاب دور الطباعة والتجار بمحاولة التربح من الأزمة، يعزي محمد عصام، مدير دار الثراء للطباعة والتوريدات الورقية وغرفة الطباعة والتغليف، ارتفاع أسعار الكتب بشكل عام والكتب المدرسية الخارجية بشكل خاص إلى اعتماد مصر على استيراد الورق ومستلزمات الطباعة والأحبار من الخارج، وارتباط ذلك بسعر الدولار.

ويشير إلى تضاعف سعر الورق منذ تعويم الجنيه بنحو 300%، والذي زاد خلال العام الجاري بنحو 40%، في وقت تضاعفت أسعار الأحبار بنحو ضعفين، وزادت أسعار ماكينات الطباعة التصويرية بنحو أربعة أضعاف.

ويوضح "عصام" أن طباعة الكتب الخارجية تحتاج إلى ورق كوشيه، الذي ارتفع سعره بشكل كبير، وهو ما يضطر دور النشر لرفع أسعار الكتب، موضحًا أن العديد من أولياء الأمور باتوا يلجؤون لتصوير الكتب الخارجية لتقليل التكلفة إلى نحو النصف تقريبًا.

ويوضح نديم إلياس، رئيس غرفة الطباعة والتغليف، أن الأسعار العالمية للورق ارتفعت على مستوى العالم بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، بسبب ارتفاع أسعار المحروقات والغاز الطبيعي الذي تستخدمه مصانع أوروبا في تصنيع الورق وكذلك الأمر بالنسبة إلى مستلزمات الطباعة والأحبار، وأيضًا ارتفاع تكاليف الشحن والنقل من آسيا وأوروبا إلى مصر.

وفي ظل انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار زادت التكلفة، وأدى نقص العملة الصعبة اللازمة للاستيراد لنقص مستلزمات الطباعة من أحبار وألواح للطباعة، وهو ما انعكس على المطابع ودور النشر التي تستورد غالبية مستلزماتها وورقها من الخارج، باستثناء كميات محدودة تنتجها محليًا شركة إدفو لصناعة الورق، وكل ذلك انعكس على سعر الكتاب الدراسي، مشيرًا إلى سعر الورق العالمي الذي قد ينخفض إذا لم يحدث تعويم جديد.

ويتراوح سعر طن الورق عالميًا بين 1050 و1100 دولار، ويعد توفير الدولار اللازم للاستيراد وزيادة سعره فى السوق الموازية عقبة أمام مستورديه، ما يؤدي لرفع تكلفة الاستيراد.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة