"طفلتي تشاهد مواقع إباحية" بهذه العبارة صدمتني صديقتي وهي تحكي عن ما اكتشفته عن ابنتها التي تبلغ 12عاما فقط. كان من الصعب أن أجعلها تهدأ وهي في غمرة البكاء والانفعال ولكن كان لابد أن أجعلها تكمل حديثها حتى نستطيع أن نفكر. سألتها كيف عرفت ذلك، قالت: " لم يكن الأمر ليخطر في بالي حتى لاحظت أنها تغلق الهاتف سريعا كلما اقتربت منها، تمسكه دائمًا في وضعية لا تسمح لأحد بأن يرى الشاشة، غير أنها تغلقه بكلمة مرور لا يعرفها غيرها، بدأت أراقبها جيداً حتى رأيت انعكاس الموقع في زجاج نظارتها"
كانت مشاعرها مزيج من الألم والخوف والضياع، كأن العالم انهار من حولها، هذه مشاعر طبيعية للأم المحبة التي تحرص طوال حياتها على رعاية أطفالها وتبذل الوقت والجهد لتربيتهم بشكل صحيح وتحارب لإبعادهم عن أي خطر أو خطأ. تتباين طرق التربية بين منزل وآخر تبعا لعقلية الوالدين، منهم من يتبع نهج أهله ومنهم من يقرأ في التربية الحديثة وغيرهم ينشيء أبناءه على التربية الدينية.
اقرأ أيضًا: الأب "مش محفظة وبُع بُع"
وإن اختلفت طرق التربية إلا أن جميعهم يتفقون على أساسيات في المسموح والممنوع، بماذا نتحدث وما لانتحدث عنه مع أطفالنا في سن صغيرة، وإن اختلفوا في أشياء عدة، لكن الحديث عن الجنس وماهية العلاقة الجنسية من الممنوعات المحرمات عند الجميع.
لم يكن الأمر صعبًا في جيلنا، كان يكفي أن يخالطنا ذوينا بمن يختارون ويراقبوننا ونحن نلعب أمامهم، يتحكمون في ما نشاهد على التلفاز، يشترون الكتب التي نقرأها، كان ذلك قبل أن تتحكم بنا التكنولوجيا كالماريونيت وتتوغل في كل شيء يحيط بنا.
جيل أبنائنا هو الجيل الذي يصعب فيه التحكم والسيطرة والرقابة الدائمة، جيل يحب التحدي والاكتشاف والمعرفة ويملك الأدوات التي تساعده على ذلك، يفوقوننا سرعة وذكاء وسعة حيلة، مواكبةً لعصرهم.
بالطبع نصحتها بالذهاب إلى متخصص في مثل هذه الأمور، فالصدمة دائما تجعلنا لا نحسن التفكير أو التصرف، وعدم المعرفة تدفعنا إلى سلك طرق غير صحيحة لحل المشكلات، وبعد بحث طويل عثرنا على أخصائي نفسي تعديل سلوك أطفال "ك.ح" وذهبنا إليه وحدنا من دون الطفلة.
حكت له صديقتي، باكية، عن حرصها الشديد في تربية ابنتها و تساؤلاتها عن الخطأ الذي فعلته حتى تقوم طفلتها بهذا الفعل الشنيع، وبعد أن استمع إليها فاجئنا الطبيب بعدد كبير من الإحصائيات المثبتة التي كانت صادمة قليلاً، أبرزها أن واحد من كل عشرة مستخدمين للمواقع الإباحية على مستوى العالم هو طفل بعمر العشر سنوات، وأن مصر تحتل المرتبة الأولى في قائمة الدول الأطول مدة في مشاهدة الفيديوهات الإباحية.
وعلى الرغم من رعب العلم عن الإباحية الموجود لدى الأهالي حول أطفالهم، إلا أن الدراسات أثبتت أن نسبة "إدمان الإباحية" عند الأولاد الذين تم تثقيفهم عنها أقل كثيرا مقارنة بالذين لم يتم التحدث إليهم بشأنها.
أخطاء يقع فيها الأهل
هدأت قليلاً بعد كلامه وبدأت تنصت وأنا كذلك، فاستطرد الطبيب قائلاً: أكبر خطأ أنك كأم أو أب تعتقدون أنكم مسؤولون عن كل شيء، لكن أبنائكم يحتاجون إلى الوقوع في الخطأ كي يتعلموا وتبنى شخصيتهم، ودوركم هو أن تكونوا موجودين لأجلهم وتتعلموا كيف تساعدوهم.
كذلك من الخطأ أن تخلطوا بين فعل الطفل ومقياس نجاحكم وفشلكم في التربية، لأن عقلكم سيترجم أن هذا الطفل هو خيبة أملكم الكبيرة والشوكة التي كسرت ظهركم وتبدأ سلسلة من الأفكار السلبية عن نفسكم وعن الطفل في التحكم في مزاجكم وتصرفاتكم، مما سينعكس على طريقة تعاملكم مع الطفل بشكل صحيح.
لذلك من الضروري أن تفرقوا بعقلكم بين كُره الفعل وكُره الفاعل، ولا أحكم أبدا على طفلي بصلاحه أو فساده من هذا الفعل، لأن القيام بهذا الفعل لايعني بالضرورة الاستمرارية فيه ولا يعني على الإطلاق أن طفلي شخص سيء.
كما أن الأطفال فضوليون بطبعهم، ويستكشف الطفل جسده وأعضاءه التناسلية من سن صغيرة، وهذه المناطق تحتوى على أعلى نسبة من نهايات الخلايا العصبية الحسية، ولكن كونه طفل لا يعرف معنى الاستثارة فهذا لا ينفي أنها مناطق حساسة وستشعره ملامستها بالدغدغة.
بعض الحلول المبدئية
بسؤاله ما العمل الآن، أخبرنا بأننا بالفعل قمنا بالخطوة الأولى الصحيحة وهي زيارة مختص، يلي ذلك عدد من الخطوات أبرزها الآتي:
- التعرف على المصدر: إذا اكتشفت أن أحد أطفالك يرى محتوى إباحي من الضروري أن تعرفي كيف وصل إليه هذا المحتوى حتى يمكنك أن توقفي المصدر نفسه، قد يكون المصدر شخصا أكبر يتحرش به ويخبره عن هذه الأشياء، أو يكون إعلانات تنبثق أثناء فتح تطبيق ما على الهاتف، قد تكون صوراً أو محتوى مقروء من خلال لعبة إلكترونية، وهذه واحدة من أكثر الطرق شيوعاً، خاصة وأن أشهر هذه الألعاب المعدة خصيصا للأطفال يلعبها أشخاص من دول مختلفة وتمكنهم من التحدث سوياً في محادثات خاصة، فلا يوجد أي مانع من أن ينتحل مجهول مريض شخص طفل ويلعب مع الأطفال ويحادثهم محادثات جنسية ويصادقهم أيضا، لذلك يجب مراقبة هاتف الطفل جيداً دون أن ينتبه لذلك ونحظر أي شيء أو شخص لا نعرفه.
- صادقي طفلك: الحب والخوف قلما يجتمعان في قلب طفل، فإن خاف الطفل صمت وانغلق على نفسه، وإن أحس بالراحة والحب وأنه مسموع سيركض إليك ليخبرك بكل جديد اكتشفه. لذلك من الضروري أن توجدي مساحة للحوار الهاديء بينك وبين طفلك، دون أن يفكر في عقاب سيؤلمه أو أنه قد يندم إن تحدث إليك هذا سيسهل عليك أن تعرفي متى وكيف ولماذا بدأ هذا الأمر.
- منع المحتوى الإباحي من الوصول: للأسف لا يجب أن يمتلك الأطفال أقل من عشر سنوات أي هاتف أو جهاز يمكنهم من تصفح الانترنت، لكن التحكم في هذا شبه مستحيل أمام رغبتهم في تقليد أقرانهم، لذلك توجد العديد من الوسائل والتطبيقات التي تجعلنا نتحكم في المحتوى الذي يشاهدونه، كما يمكننا استخدام أدوات التطبيقات لعدم ظهور أي محتوى إباحي في الإعلانات التي تظهر لهم، وسيفيد الاتصال بشركة الإنترنت التابعة لهاتفك المنزلي وتطلبي منهم منع أي محتوى إباحي أو غير مرغوب فيه.
- تحدثي عن الجنس: إذا رأيت طفلك يبحث عن المواد الإباحية ليكتشف عن الجنس، يمكنك البحث عن مصادر للمعلومات التي تناسب عمره/ها للتوعية حول هذا الأمر، يوجد كثير منها سواء على الإنترنت أو في المكتبات، مع تنبيهك الدائم أن هذا ليس الوقت المناسب للمعرفة أكثر أو لتجربة هذا الأمر.
- راقبي دوائر الأصدقاء: دائما يقلد الأطفال بعضهم ويؤثرون في بعض، ولأن البيوت مختلفة كما ذكرنا في الكثير من الأشياء فمن الضروري أن تراقبي أصدقاء أطفالك وتنشئي علاقة وطيدة مع ذويهم، حتى يمكنك تفادي أي مشكلة قد يقعون فيها وتحاولون جميعا التفكير في الشكل الأمثل لحلها.