تخفيض جديد لائتمان مصر.. اقتصاد يتضرر وضغط سياسي يتواصل

خفضت وكالة  "فيتش" التصنيف الائتماني لمصر بالعملة الأجنبية على المدى الطويل، من مستوى  "B" إلى مستوى "B-" لتكمل سلسلة الخفض الذي انتهجتها الوكالات الثلاث الكبرى منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بحجة تزايد ضغوط التمويل على البلاد.

كانت وكالة "ستاندرد آند بورز" خفضت التصنيف السيادي طويل الأجل لمصر من "B" إلى "B-" في أكتوبر الماضي. وكذلك الحال مع وكالة "موديز" التي نزلت بالتصنيف الائتماني لمصر من "B3" إلى "Caa1" في الشهر ذاته، مع نظرة مستقبلية مستقرة.

لماذا تراجع التصنيف؟

يلعب التصنيف الائتماني دورًا مهمًا في قرارات المستثمرين وثقتهم في اقتصاد بعينه. وكذلك، تكلفة استدانة الدولة المعنية من الأسواق المالية. فكلما ارتفعت الدرجة زادت قدرات الدولة على الاقتراض بسعر رخيص. وإشكالية التصنيف المستجد لمصر أنه المرحلة الأخيرة ما قبل "سي" التي تعني جدارة ائتمانية عالية المخاطر.

أرجعت "فيتش" قراراها إلى ما اعتبرته "بطء التقدم في الإصلاحات المتخذة من قبل الحكومة المصرية، ومن بينها مرونة سعر الصرف وقيود التمويل الخارجي"، في وقت يتزايد فيه سداد الديون الحكومية الخارجية. لكنها عادت وأكدت وجود توقعات مستقبلية مستقرة، بسبب برنامج الخصخصة الذي تخفف الدولة حدة معناه لدى الشعب بتسميته "طروحات".

أرجعت "فيتش" قراراها إلى ما اعتبرته بطء التقدم في الإصلاحات الاقتصادية بمصر
أرجعت "فيتش" قراراها إلى ما اعتبرته بطء التقدم في الإصلاحات الاقتصادية بمصر

كانت مصر أبدت تحفظًا على فكرة تخفيض الجنيه. وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي معلقًا بأنه مع وقف التعويم "لو أنه سيؤثر على المصريين، حتى لو تعارض مع مطالب صندوق النقد".

اقرأ أيضًا: الحرب في غزة.. تهديد جديد يواجه الاقتصاد المصري المأزوم

وأرجعت وكالة "موديز" أرجعت تخفيضها التصنيف الائتماني لمصر إلى تراجع قدرة البلاد على تحمل الديون، مع استمرار نقص النقد الأجنبي في مواجهة زيادة مدفوعات خدمة الدين العام الخارجي خلال العامين المقبلين.

المالية ترد على التصنيف الأخير

ردت وزارة المالية على تقرير "فيتش"، في بيان أمس، حيث ذكرت أن مصر يمكنها الحصول على نحو 5 مليارات دولار سنويًا بشروط ميسرة من البنوك التنموية متعددة الأطراف.

وزير المالية محمد معيط
وزير المالية محمد معيط

وتحدث الوزير محمد معيط عن مصادر توفير الاحتياجات التمويلية الخارجية حتى نهاية العام المالي الحالي، وقدرها بـ 4 مليارات دولار، مع عودتها مجددًا للأسواق اليابانية، وتنفيذ الإصدار الدولي الثاني من سندات الساموراي اليابانية بقيمة 75 مليار ين ياباني، تعادل نحو نصف مليار دولار، بتسعير متميز للعائد الدوري بمعدل 1.5% سنويًا، بأجل 5 سنوات.

وأشار أيضًا إلى إصدار سندات دولية مستدامة بسوق المالية الصينية "الباندا"، التي تخصص لتمويل مشروعات بنحو 3.5 مليار يوان صيني، بما يعادل نحو نصف مليار دولار. وأوضح أن مصر سددت 52 مليار دولار التزامات خارجية خلال العامين الماضيين، رغم التحديات الاقتصادية العالمية بالغة القسوة.

التصنيف والشبهة السياسية

بعض الخبراء المصريون يرون أن تصنيف الوكالات يتسم بشيء من التحيز ضد مصر. يقول خالد الشافعي، مدير مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية: "وكالات التصنيف أداة يعتمد عليها بعض المستثمرين قبل اتخاذ قرار الاستثمار، أو ضخ أموال في أي منطقة بالعالم.. صحيح أن الاقتصاد المصري يواجه بعض المشكلات، لكنه ليس بالقتامة التي تصورها تلك الوكالات".

خالد الشافعي مدير مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية
خالد الشافعي مدير مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية

وهذا يدفع "الشافعي" إلى الشك بأن تقارير وكالات التصنيف في الفترة الأخيرة تحمل شُبهة سياسية بسب تواترها في ظل الحرب على غزة، وتركيزها على نقطة الديون، رغم أن مصر لم تتخلف يومًا عن سدادها. الأمر الذي يرى فيه شيئًا من الضغط على مصر للقبول بمطالب أمريكية سياسية لا تزال القاهرة ترفضها.

في تقريرها، ذكرت وكالة "فيتش" الحرب بين إسرائيل وحماس باتت تشكل مخاطر سلبية كبيرة على السياحة في مصر (أحد الموارد الأربعة لاحتواء احتياجات التمويل).

لم تأت "فيتش" بجديد، فـ"ستاندرد أند بورز" أشارت إليها أيضًا في تقريرها الأخير. ذكرت أن مصر تواجه تحديات اقتصادية أدت إلى سلسلة من تخفيضات قيمة العملة، وتضخم قياسي مع ارتفاع تكاليف الواردات الأساسية عقب الحرب الروسية الأوكرانية، وتحدثت أيضًا عن التأخير المتكرر في تنفيذ الإصلاحات النقدية والهيكلية في البلاد.

يقول الشافعي: "طلب تخفيض الجنيه جاي في وقت الدولة تطرح فيه بعض الأصول المملوكة لها.. من مصلحة المشتري تخفيض سعر الجنيه.. علشان يشتري بسعر أقل".

لغة هادئة.. توقف الهجوم

يقول محمد شعراوي، ‏الخبير بشركة "بايونيرز" القابضة: "بعد تقرير موديز بتخفيض التصنيف الائتماني لمصر في بداية شهر أكتوبر، وأيضًا تخفيض تصنيف البنوك المصرية، وإصرار رئيسة صندوق النقد الدولي على تخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار، جاء تقرير ستاندرد آند بورز بتخفيض تصنيف مصر الائتماني إلى B- وبعدين تقرير فيتش الدولي".

اقرأ أيضًا: بلومبرج: هذا مخرج مصر الوحيد من أزمة "تهجير الفلسطينيين"
تصر رئيسة صندوق النقد الدولي على تخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار
تصر رئيسة صندوق النقد الدولي على تخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار

ويضيف: "الموضوع خرج عن إطار تقارير اقتصادية دولية يجب أخذها في عين الاعتبار، لأن الواضح جدًا أن الهدف من الضغط الاقتصادي على مصر هذه التقارير الدولية هو في الأساس ضغط سياسي لإجبارها على حل المشكلة الفلسطينية بفتح معبر رفح أمام أهل غزة مقابل تسوية المشكلات الاقتصادية الداخلية".

تقع المقار الأساسية للوكالات الثلاث في الولايات المتحدة التي تحظى بأفضل تصنيف ائتماني بشكل مستمر، نادرًا ما يتم تخفيضه حتى في أشد الأزمات الاقتصادية. كذلك يوجد تضارب مصالح في تقديم وكالات التصنيف الائتماني تقييمًا مستقلًا وحاجتها إلى أرباح تجارية، حيث تصنف تلك الوكالات على أنها شركات هادفة للربح وتهيمن على إيراداتها رسوم إصدار التصنيف التي تتحملها الجهة المصدرة.

أرقام لا تحسبها الوكالات

بحسب وزارة المالية، جذبت مصر تدفقات استثمارية أجنبية بقيمة 10 مليارات دولار العام الماضي. ومن المتوقع تسجيل 12 مليارًا أخرى خلال العام المالي الحالي، مع التوسع في تنفيذ برنامج "الطروحات الحكومية". كما سجلت قناة السويس إيرادات 10 مليارات دولار في العام المالي الماضي. ومن المستهدف أن تزيد إلى 12 مليار دولار.

اتسم رد وزارة المالية على تقرير "فيتش" بالهدوء على عكس التقارير السابقة التي كان الرد فيها أكثر حدة ويحمل تلميحات بتجاهل الإصلاحات الاقتصادية للبلاد.

يقول أحمد كجوك، نائب الوزير للسياسات المالية والتطوير المؤسسي، إن الحكومة تخارجت من عدد من الأنشطة الاقتصادية بقيمة 2.5 مليار دولار، ضمن برنامج "الطروحات" خلال الربع الأول من العام المالي الحالي. وهذا يساعد في زيادة تدفقات النقد الأجنبي، لتغطية احتياجات الاقتصاد المصري.

رغم ذلك، فإن تصنيف الوكالات الثلاث في غاية الأهمية؛ إذا ما أخذنا في الاعتبار أن "ستاندر آند بورز" و"موديز" تستحوذان على تصنيف أكثر من 80% من إصدارات الدين حول العالم سواء للشركات أو البنوك. وبإضافة "فيتش" التي تعتبر أقل منهما سمعة، تصبح للوكالات الثلاث نسبة تتراوح بين 90% و95% من سوق إصدارات الديون بالعالم، وتخفيضها لتصنيف مصر من شأنه أن يزيد المخاطر بالنسبة للمستثمرين الذين سيطالبون بفائدة أعلى على السندات الحكومية المصرية.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة