في الثامن والعشرين من أكتوبر الجاري، خرج الناطق باسم "كتائب القسام"، الذراع العسكري لحركة المقاومة حماس، والمعروف إعلاميًا باسم "أبو عبيدة"، بكلمة مصورة شديدة اللهجة حملت عددًا من الرسائل الموجهة؛ أبرزها إلى حكام الدول العربية الذين حثهم على تفعيل مجهوداتهم لإيصال المساعدات الإنسانية والطبية الضرورية للفلسطينيين داخل قطاع غزة المحاصر منذ بدء الحرب الأخيرة بين صفوف المقاومة الفلسطينية بقيادة "حماس" وبين جيش الاحتلال في السابع من أكتوبر الجاري.
اقرأ أيضًا: "لو لم تكن لاخترعناها".. أمريكا تنزع "رداء الأخلاقيات" دومًا لإسرائيل
أيضًا، طرح "أبو عبيدة" -في متن حديثه- تحذيرًا شديد اللهجة إلى الاحتلال. فقال: "زمن انكسار الصهيونية قد بدأ، ولعنة العقد الثامن ستحل عليهم. وليرجعوا إلى توراتهم وتلمودهم ليقرأوا ذلك جيدًا. ولينتظروا أوان ذلتهم بفارغ الصبر"، مثيرًا تساؤلات ملايين المتابعين الذين لم يعرفوا ماذا يعني مصطلح العقد الثامن الذي أشار إليه الناطق الإعلامي للمقاومة، ولم استخدمه في ذلك التوقيت بالتحديد؟
لعنة العقد الثامن
راهن الكيان الصهيوني منذ تأسيسه على محاولاته لمحو ذاكرة الأجيال الفلسطينية، لكنه فشل فشلًا ذريعًا، تواصل مع استمرار المقاومة في حمل ذاكرة الأمة، بدءًا من جيل أول أطلق رصاصة المقاومة الأولى في العام 1965، مرورًا بالجيل الثاني الذي فجّر انتفاضتين الأولى بالحجارة في العام 1987، والثانية مسلحة في العام 2000، ثم الجيل الثالث الحالي الذي أشعل فتيل حرب الصواريخ والأنفاق والانتفاضة الثالثة في الضفة الغربية ثم الحرب الأخيرة في غزة.
المميز في آخر أجيال المقاومة هو استخدام أساليب الحرب النفسية المضادة، بدءًا من استخدام كارت الأسرى وحسن معاملتهم وإعلان نية تحريرهم لو توافرت الظروف، وصولًا إلى استخدام المصطلح الأخير الذي أثار تساؤلات عدة حول المملكة العبرية التي كُتب تلموديًا وتوراتيًا انتهاؤها في عقدها الثامن.
يتحدث الحاخام اليهودي، شمعون بن يوحاي -وهو أحد أبرز الحاخامات التاريخيين لليهود عاش في القرن الثاني الميلادي، في كتابه "الزوهار"، عن نبوءة زوال مملكة إسرائيل. فيذكر أنهم "يأتون من أرضٍ بعيدة إلى جبل إسرائيل العالي، ينقضون على الهيكل ويطفئون الأنوار، يعبرون فلسطين ناشرين الدمار الكامل ولا تخلص إسرائيل، وكل من يتلو اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا يقتل، وسيهرب بنو إسرائيل حتى سهل أريحا ثم يأتي أبناء آشور (العراقيين) فيدمرون إسرائيل".
وقد عبّر جيل من المستوطنين الإسرائيليين عن إيمانهم بالنبوءة؛ حيث كتب الباحثان مائير بن شاحر وعوزي ديان، في مقال في صحيفة هآرتس في العام 2020، عن قلقهما إزاء دخول إسرائيل العقد الثامن، مؤكدين أن هذا الأمر مقلق، وترتفع فيها مستوى المخاطرة، محذرين من التفكك العنيف الذي سيصيب الكيان.
العقد الثامن في تاريخ الشعوب
أزمة العقد الثامن عرفتها بلاد أخرى في العصر الحديث؛ سجلتها الولايات المتحدة بحرب أهلية أغرقتها في الفوضى بعد 85 عامًا من تأسيسها. وكذلك عانت جمهورية فرنسا الثالثة، التي تأسست في العام 1871، من تنافس داخلي أدى إلى الاستسلام لألمانيا النازية في العام 1940، وغيرت إيطاليا النظام وأصبحت فاشية في عقدها الثامن في العام 1860. كما تفكك الاتحاد السوفييتي بعد نحو 70 عامًا من تأسيسه.
وفي تقرير نشرته في 2021، أشارت صحيفة "معاريف" إلى لعنة العقد الثامن إسرائيليًا، بالحديث عن بدء التفكك داخل المجتمع المحلي. خاصة بعد تصاعد أزمة كورونا التي كثفت الخلافات على الهوية بين العرب والمستوطنين من أعراق مختلفة.
اقرأ أيضًا: إسرائيل ونهاية العالم
ووفقًا لما ذكرته "معاريف"، اتُهم المتدينون اليهود والعرب بنشر الفيروس القاتل، واُتهم المتظاهرون في احتجاجات واسعة نشبت وقتئذ، بتعمد إحداث عدوى جماعية لضباط الشرطة والمدنيين، ووصفت عملية التطعيم الناجحة بأنها محاولة لاختطاف الانتخابات، وأن تلك الأزمات ما هي إلا مقدمة حقيقية للعنة العقد الثامن.
العقد الثامن يهوديًا
وفق التاريخ اليهودي، تأسست مملكتان لليهود في فترتين زمنيتين مختلفتين قبل تأسيس المملكة الحالية أو ما يعرف بكيان الاحتلال الإسرائيلي عربيًا؛ الأولى مملكة شاؤول ثم الملك داوود وابنه سليمان، وضمت في طياتها كل قبائل الأسباط الإسرائيليين، والتي انهارت في عقدها الثامن، بعد أن دبت الخلافات والأطماع بينهم، لتنقسم إلى مملكتين: شمالية (يسرائيل) وأخرى جنوبية (يهوذا)؛ انتهت الأولى فيما عرف بالسبي الآشوري، فيما سقطت الثانية بالسبي البابلي.
أما المملكة الثانية والتي تعرف بـ"الحشمونائيم"، فاستمرت لتنهار أيضًا في عقدها الثامن على يد الغزو الروماني.
وهو ما يؤكده الباحث المختص في التاريخ الوسيط أمجد عزت. لكنه ينفي رواية سقوط المملكتين بعد ثمانين عامًا من تأسيسهما. يقول لـ"فكر تاني": "هذه خرافة ابتدعها بعض ممن لا يقرأون سطور التاريخ والتلمود جيدًا. فوفق المراجع التاريخية وأهمها كتاب تاريخ اليهود لتيطس فلافيوس وأسفار صموئيل الأول والثاني والملوك الأول والثاني. وقد استمرت المملكة الأولى قبل الانقسام حوالي 120 عامًا، ووصلت فترة حكم الملك شاؤول إلى 43 عامًا، ثم الملك داوود 40 عامًا، يليه الملك سليمان ما يقارب من 40 عامًا.
ومن بعدها، انقسمت المملكة كما ذكر في التاريخ اليهودي إلى شمالية وجنوبية انتهيتا بالسبي الآشوري والبابلي، وفق "عزت"، الذي يضيف أن المملكة الثانية أيضًا لم تنته بعد ثمانين عامًا. إذ بدأت في العام 148 قبل الميلاد وانتهت في عام 70 ميلادية بالغزو الروماني، وذلك بعد انقضاء معاهدة الصداقة بين الروم واليهود والتي بموجبها توفرت سبل حماية لليهود وممتلكاتهم؛ ما ينفي رواية العقد الثامن من الأساس، وفق الباحث.
وقد كشفت صحيفة "تايم أوف يسرائيل" في تقرير لها، عن هوية الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة، قائلة إنه فلسطيني شاب يدعى حذيفة كحلوت، مظهرة أن المجتمع لن يتأثر بالتهديدات التي لوح بها في كلمته الأخيرة. فيما تصاعدت التغريدات التي تظهر قلق مستوطنين ويهود حول العالم، متحدثة عن نبوءة العقد الثامن، فيما يبدو أنه قلق متزايد من إمكانية تحققها وسقوط مملكتهم الثالثة.