لا تزال أزمة العاملين بصناعة الدراما في مصر على تفاقمها، الذي أرجعه عاملون في المجال إلى احتكار إنتاج الأعمال الدرامية في مصر ومن ثم فرض سياسات لا تتوافق مع أهمية المجال ومتطلبات العاملين فيه، ومن بينهم شعبة هندسة الصوت بنقابة المهن السينمائية، التي أكد آخر بياناتها، استمرار اتحاد منتجي مصر (تأسس في أغسطس الماضي ويضم 18 شركة بينها المتحدة للخدمات الإعلامية)، تجاهل ما تم الاتفاق عليه بشأن إلغاء قرار فرض شرائح محددة لأجور العاملين بالقطاع الفني.
أزمة الأجور.. كيف بدأت؟
بدأت الأزمة مع تشكيل اتحاد منتجي مصر، وتسريب جدول لتصنيف العاملين بمجال الدراما، إلى فئات (A) و(B) و(C)، بناءً على الشهرة والخبرة، مع وضع حد أعلى لسقف أجورهم. وهو الأمر الذي نفاه -لاحقًا- نائب رئيس مجلس إدارة الشركة المتحدة محمد سعدي، موضحًا أن "هذه اللائحة ليست حقيقية وغير رسمية، ولم تصدر عن الشركة".
وهو ما لم يقنع كثيرين من العاملين في المجال، خاصة مع إعلان شعبة مهندسي الصوت بنقابة السينمائيين، في بيان أصدرته أغسطس الماضي، بدء تطبيق اللائحة الجديدة فعليًا على أحد مهندسي الصوت، أفاد بتخفيض أجره رغم مرور ثلاثة أسابيع على بدء تصوير أحد الأعمال الفنية، حيث قيل له إن التخفيض يأتي التزامًا بقرار "اتحاد منتجي مصر".
رد "المهن السينمائية"
وفي بيان صدر في سبتمبر، أعلنت نقابة المهن السينمائية أن اجتماعًا نظمته الشركة المتحدة داخل مقرها، بحضور أعضاء اتحاد المنتجين ونقابة المهن التمثيلية، أكدت فيه الاتفاق على "عدم الاعتداد بأي لوائح جرى تداولها مؤخرًا، خاصة أنها لم تصدر عن أي جهة رسمية ولا أساس لها من الصحة، وتهدف إلى إثارة البلبلة وإشعال الفتنة بين أفراد الأسرة الفنية المصرية".
ووفق البيان، خلص الاجتماع إلى ضرورة وضع ضوابط لآليات حاكمة للعملية الإنتاجية، بما يضمن جودة العمل والارتقاء بالمحتوى، مع التأكيد على أهمية استمرار اللقاءات التشاورية العاجلة بين نقيب المهن السينمائية ونقيب المهن التمثيلية، وبعض ممثلي الشُعب المختلفة بها، للتنسيق فيما بينهم بما يضمن حقوق المهن الفنية المختلفة.
شعبة هندسة الصوت: التسويف يفاقم الأزمة
بعد ما يقرب من شهرين على اشتعال الأزمة، أعلنت شعبة هندسة الصوت بالنقابة، وقف التفاوض مع شعبة الإنتاج بالنقابة، لعدم الوصول إلى اتفاق مُرضي و"ادعاء الأخيرة العكس".
وذكرت، في بيان الأحد الماضي، أن مجلس شعبة الإنتاج استخدم معها التسويف في حل أزمتها، وأنها في مقابل ذلك دعت ممثلين شركات الإنتاج عن طريق النقابة للجلوس على طاولة لطرح المشكلة وتقديم حلول عملية لها، مشيرةً إلى اثنين فقط من المنتجين الفنيين حضروا الاجتماع الأخير "وكأنهم ممثلين عن المنتجين جميعًا غير مكترثين بحجم المشكلة الحقيقي وأهمية الحل، بما يؤثر على الصناعة ككل",
وكذلك، أشار بيان الشعبة إلى ما أشيع من قبل مجلس شعبة الإنتاج لمديرى الإنتاج بأن المشكلة انتهت بالاتفاق على مبدأ العرض والطلب، والذي كان بطبيعة الحال يطبق في سوابق الأمور، وهو الذي أدى إلى الفوضى الحالية فى سوق العمل، وفق البيان، الذي لفت أيضًا إلى نشر محضر اجتماع مجلسي شعبة هندسة الصوت والإنتاج في النقابة وبنوده التي تم اقتراحها للنقاش على أنها بنود اتفاق، مقتطف منها ما يلمح لفكرتهم فقط، في محاولة لفرض الامر الواقع، الأمر الذي واجهته الشعبة بعدد من القرارات، تضمنت:
1 - إيقاف التفاوض مع مسؤولي شعبة الإنتاج بالنقابة، وتوجيه الدعوة لاتحاد المنتجين والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية للجلوس على طاولة مفاوضات بصفتهم ومسؤولياتهم الأساسيه كجهات شرعية صاحبة الحق الوحيد في تحديد مسؤولياتها دون وسيط.
2- استمرار وقف التعاقدات لأجل غير مسمى لحين الانتهاء من وضع حل جذري مع الجهات الإنتاجية لهذه المشكلة.
ومن جانبه، أصر رئيس شعبة الإنتاج بنقابة المهن السينمائية المنتج أشرف عبد المعبود، لـ"فكر تاني"، على أنه "وفقًا لمحضر الاجتماع الذي عقد الأسبوع الماضي تم التوافق على مبدأ العرض والطلب دون تحديد حد أدنى بعد نقاشات استمرت مدة 4 ساعات".
الاحتكار الذي أضر بالسوق
أحد العاملين في شعبة الجرافيك بالنقابة -فضل عدم ذكر اسمه- أرجع الأزمة كلها إلى احتكار سوق العمل الفني في مصر خلال السنوات الأخيرة. يقول في تصريحاته لـ "فكر تاني": "الشركة المتحدة استحوذت على كل القنوات مما أدى لخلل في سوق الإنتاج وبقت هي فقط من ينشر وينتج وهي فقط من تصدر أجور لكل العاملين وبالتالي متحكمين في الأمر برمته".
ويضيف: "فيما مضى كان هناك أكثر من أحد ينتج وبالتالي كان هناك مبدأ التنافسية والتنوع، وعندما بدأ الاحتكار تدنت الأجور بشكل غير مسبوق. إذا فكر أحد في الإنتاج بعيدًا عن المتحدة فلن يستطيع الترويج ولا بيع منتجه الفني.. لقد بات الحصول على عمل فني واحد الآن في ظل وضع السوق الحالي إنجاز كبير".
تقول سمر محفوظ، إحدى العاملات في مجال الإنتاج السينمائي منذ ثمان سنوات، لـ"فكر تاني": "كنا معتادين قبل شهر رمضان بخمسة أشهر، أن يكون هناك مثل سارينة إنذار للانطلاق في تصوير المسلسلات والأفلام الخاصة بعيد الفطر.. كان بيبقى موسم حركة وضغط عمل كبير.. احنا دلوقتي في نهاية شهر أكتوبر ولم نتلق أيّ عروض لمسلسلات أو أفلام، أتوقع أن ينخفض عدد المسلسلات هذا العام بنسب تصل لـ 50% وهذا كله بسبب الاحتكار".
حرب على صناعة الدراما
ويرى المخرج الكبير يسري نصر الله أن "تنظيم موضوع الأجور بيتم بالاتفاق مع كل المعنيين بالأمر، ويخضع للتفاوض زي أي حاجة ف الدنيا، مش بيتاخد من طرف واحد والأطراف الثانية عليها الرضوخ (حالة مهندس الصوت اللي مرة واحدة بيتم الإخلال بعقده، ويتخفض أجره بعد تلات أسابيع، دي سابقة خطيرة ودلالاتها مقبضة جدًا)".
وأضاف نصر الله في منشور عبر حسابه بـ"فيسبوك": "المجال كله بتتردد فيه إشاعات رهيبة عن إن المطروح هو العودة لأجور 2019 إللي معناه تخفيض أجور العاملين لأقل من النص. ماظنش إن الطريقة (الكتيمي) اللي بتتم بيها الأمور دلوقتي عواقبها ح تكون سليمة".