"أوقات كتير أكون بعمل أي نشاط في الشغل أو في البيت أو حتي خارجة مع أصحابي أو بحضر حفلة أو ندوة أو ما شابه، ولما ييجي حد يسألني على تفصيلة خاصة بأي من هذه الأنشطة ألاقي نفسي مش فاكرة ومش عارفة أحدد بالظبط الإجابة وازاي الأفكار دخلت علي بعضها"
"وبشكل أبسط، ممكن أكون أنا أو غيري قاعدين مثلا في اجتماع شغل ودماغنا مش هنا خالص، سرحانين في حاجة تانية خلتنا مستفادناش من اللي أحنا بنعمله بشكل واقعي"
"أو مثلا أكون بصلي لكن دماغي في حتة تانية لدرجة إني أنسي انا في أنهي ركعة... والأمثلة كتيرررر علي الموضوع ده، وإذا بحثنا داخلنا سنجد أغلبنا يعاني من هذا الأمر
يدور في ذهني كل ما كتبته بالأعلى، أطرح الأسئلة على نفسي، أبحث عن تحليل، وأسأل:" ألم نلاحظ أحيانا أن هناك أشياء حدثت حولنا ولكننا لا نتذكرها أو لا نستطيع تذكر بعض التفاصيل بها، وكأننا لم نكن حاضرين"
اليقظة الذهنية Mindfulness هي القدرة على الانتباه إلى اللحظة الحالية والوعي الكامل للحاضر دون حكم أو تقييم، وهي عملية تركيز الانتباه على الأفكار والمشاعر، أسلوب للتفكير والتصرف يركز على الحاضر بدلاً من الماضي أو المستقبل.
تمنحنا اليقظة الذهنية الوصول إلى حالة من السلام الداخلي عن طريق تقبلنا لذاتنا دون شروط أو إطلاق الأحكام علي اللحظة الراهنة، لأن تقبلها كما هي هو المطلوب.
نحن كبشر غير أحرار بل إننا سجناء لمشاعرنا والحوارات الداخلية التي تسري داخلنا مسرى الدم في العروق، وهذه التصرفات تُبعدنا كثيرًا عن الحاضر، فلا نصبح واعين باللحظة الراهنة كما يجب، بل سجناء ما يدور داخلنا.
نجد أنفسنا في غالب الأمر منشغلون بمهمة معينة يجب علينا إنجازها، أو التفكير في كيفية توفير دخل مادي لأمر معين، أو كيف أرتب هذا الأمر ليصبح مناسب لي وللآخرين، أو يأخذني تفكيري لكلمة قيلت لي وتسببت في غضبي فتظل هذه الكلمة تدور في عقلي أغلب يومي، كل هذه الأفكار تُنسينا ما يدور حولنا وتجعلنا سجناء لها، فإذا كنا واعين لأهمية ممارسة اليقظة الذهنية فإنها تُعيدنا من جديد إلى "الآن" وتساعدنا على التحكم في مشاعرنا وبالتالي ردود أفعالنا.
أول من تحدث عن اليقظة الذهنية Mindfulness، بوذا غوتاما مؤسس البوذية، الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد كان بوذا غوتاما أول من أدرك أهمية اليقظة الذهنية في تحقيق التنوير أي الوعي بالذات وبالواقع.
وعلى الرغم من أن اليقظة الذهنية أو الـ Mindfulness مطبقة وشائعة الانتشار في ثقافة الشرق الأقصى منذ آلاف السنين، غير أنه لم يتم الاعتراف بها في الطب الحديث إلا خلال سبعينات القرن الماضي، ومن حينها شهد هذا المفهوم تطورًا واسعًا وقفزة كبيرة.
حتى أنه في يومنا هذا، يتم علاج الكثير من الأمراض الجسدية والنفسية باستخدام تقنيات اليقظة الذهنية والتي أصبح يُطلق عليها: "العلاج المعرفي القائم على اليقظة" أو "Mindfulness-Based Cognitive Therapy" ومن هذه الأمراض والمشاكل، التوتر والقلق الإرهاق الآلام المزمنة وبعض من أنواع السرطانات.
ومن أشهر علماء النفس الذين درسوا اليقظة الذهنية:
جون كاباتزين عالم نفس أمريكي، مؤسس مركز اليقظة في جامعة جورجتاون، واشنطن.
مارك ويليام عالم نفس أمريكي، مؤسس برنامج الإحساس بالوعي في جامعة بنسلفانيا.
مايكل براون عالم نفس أمريكي، مؤسس برنامج اليقظة الذهنية لجامعة هارفارد.
ماذا تفعل اليقظة الذهنية داخلنا؟
اليقظة الذهنية هي إحدي المباديء الأربعة الأساسية التي تستخدم في مدرسة العلاج الجدلي السلوكي، وهي إحدي المدارس العلاجية الهامة في علم النفس، وهي وليدة أفكار الطبيبة النفسية مارشا لينهان، أستاذة علم النفس في جامعة واشنطن.
اليقظة الذهنية مهارة يمكن اكتسابها بالممارسة، ولكن عند التمكن منها سألاحظ الفرق في صحتي النفسية والعقلية، وسنجد أنفسنا عند الممارسة يشرد ذهننا إلي أفكار وأماكن مختلفة، علينا هنا أن نستحضر عقلنا مرة أخرى إلى الوقت الحاضر بما فيه وهكذا حتي نعتاد.
ألم نشعر في بعض الأوقات ببعض الآلام المختلفة، وعندما اندمجنا دون وعي في أمر آخر اكتشفنا أن الألم زال دون أن نشعر، هذا من أفعال ونتائج اليقظة الذهنية.
فاليقظة الذهنية لها العديد من الفوائد الصحية مثل تحسين الصحة النفسية لأنها تساعد في تقليل التوتر والقلق والاكتئاب. وتحسين الصحة الجسدية لأنها تساعد في تقليل الألم والالتهاب والأعراض الأخرى للأمراض المزمنة. كذلك تساعد اليقظة الذهنية في تحسين التركيز والذاكرة واتخاذ القرار. بالإضافة إلى تحسين العلاقات والتواصل والوعي الذاتي وفهم الآخرين.
أدوات ممارستها
نحتاج لممارسة اليقظة الذهنية والاستمتاع بها الي ممارسة تمارين التأمل كالتالي: التنفس العميق لمدة دقيقة مع الاستمرار يوميًا، وعلينا العثور على مكان هادئ يمكن الاسترخاء فيه مع غلق العين، والتركيز علي التنفس بالعد 10 أنفاس، ثم البدء من جديد، وعند تشتت الانتباه والانشغال بأفكار أو مشاعر أخرى نكون لطفاء مع أنفسنا ونحرص علي العودة من جديد للتنفس العميق.
وهناك تمر ين: الحواس الخمسة من خلال تركيز الانتباه على الخطوات التالية:
5 أشياء يمكن رؤيتها.
4 أشياء يمكن سماعها.
3 أشياء يمكن لمسها.
شيئان يمكن شمهما.
شيء واحد يمكنك تذوقه.
كذلك يمكن عمل هذه التمارين البسيطة بشكل دوري:
- عندما نقوم بغسل أسنانا، نركز على هذه العملية ونشعر بها في جميع مراحلها.
- في كل مرة نتناول فيها الطعام، نحاول تناوله ببطء والتركيز في مذاقات الأكل وألوانه المختلفة.
- حينما نتواجد في الزحام أثناء الذهاب أو العودة من العمل، نجرب التركيز مثلا على عملية التنفس، أو الألوان التي نراها، أو كم سيدة تمشي في الشارع، وهكذا......
تمارين اليقظة كثيرة وسهلة ويمكن القيام بها في المنزل والعمل والشارع، الهام في الأمر هو الالتزام بها حتي تأتي بالنتيجة الإيجابية علي حياتنا ويجب أن نعي أن الوصول إلى مراحل متقدمة منها يحتاج لكثير من الصبر والتمرين. إنها ليست مهارة سريعة يمكن اكتسابها بين يوم وليلة، لذا علينا أخذ الوقت الكافي في ممارسة هذه التمارين، والاستمتاع بالتجربة الجديدة المميزة، لأنها في الواقع مهارة حياتية لها عظيم الأثر على حياتنا الشخصية والمهنية.