بتحول من الكتلة الأوروبية في اتجاه أخرى أسيوية، تحاول مصر مؤخرًا تعزيز استراتيجيتها لـ"مبادلة الديون"، التي تعتمد عليها في سبيل تخفيف وطأة الدين الخارجي، والذي ارتفع إلى 165.361 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام الحالي. ذلك بزيادة قدرها 1.5% تعادل 2.43 مليار دولار، مقارنةً بالربع الأخير من 2022 عندما سجل 162.928 مليار دولار، وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري.
اتفقت مصر والصين، على هامش منتدى الحزام والطريق ببكين الذي حضره الدكتور مصطفى مدبولي أخيرًا، على برنامج لمبادلة الديون مع القاهرة -للمرة الأولى في تاريخها. وهي خطوة تأتي بعد طرح مصر سندات "باندا" بقيمة 3.5 مليار يوان صيني، أي ما يعادل أكثر من 478 مليون دولار، التي جعلت مصر أول دولة في الشرق الأوسط وإفريقيا تصدر تلك النوعية من السندات.
إسقاط 5% من ديون مصر
تقول سهر الدماطى، نائب رئيس بنك مصر سابقًا، في تصريحاتها لـ"فكر تاني": "حصة الصين من إجمالي الدين الخارجي لمصر حوالي 8.5 مليار دولار (حوالي 5% من إجمالي الدين الخارجي لمصر)، والاتفاق على مبادلة الديون يعني عدم دفع مصر هذا المبلغ المستحق عليها وتحويله لاستثمارات تنموية صينية".

اقرأ أيضًا: مبادرة إسقاط الديون الأفريقية
يأتي القرار الصيني في خضم أزمة عملة صعبة تعاني منها مصر، دفعت الدولار للارتفاع إلى مستوى 44 جنيهًا السبت الماضي، قبل أن يتراجع إلى 42 جنيهًا، ما فاقم أزمة القائمة الطويلة من استحقاقات الديون للخارج المقررة في الربع الأخير من العام الحالي.
قائمة طويلة للديون
من المقرر أن تسدد مصر خلال شهري نوفمبر وديسمبر المقبلين 1.45 مليار دولار، فضلًا عن مبلغ مستحق لصندوق النقد خلال 2024 يصل إلى نحو 6.46 مليار دولار، ينقسم بين 36 شريحة؛ ما بين فوائد وأقساط تمويلات، و5.3 مليار دولار في 2025.
من المزمع أيضًا أن تسدد مصر 2.7 مليار دولار في 2026، و1.8 مليار دولار في 2027، و1.05 مليار دولار في 2028، ونحو 692 مليون دولار في 2029، ونحو 204 ملايين دولار في 2030، و201 مليون دولار في 2031، وفي 2032 ستسدد آخر دفعة بنحو 198 مليون دولار.
ضرورة تقليل التعامل بالدولار
في 30 سبتمبر الماضي، أبرم البنكان المركزيان بمصر والإمارات اتفاقية لمبادلة العملات المحلية، تتضمن تبادل السلع والبضائع بنحو خمسة مليارات درهم إماراتي و42 مليار جنيه مصري، ليكون هذا المبلغ وفقًا لسعر الصرف السائد في وقت محدد، وليس السعر في سوق الصرف، أي لا يتأثر بتخفيض أو ارتفاع الجنيه أو الدرهم.
اقرأ أيضًا: هل تخفيض قيمة الجنيه يحل الأزمة؟.. كتالوج صندوق النقد لا يتغير
وسبق لمصر والصين توقيع اتفاقية لمبادلة العملات بقيمة 18 مليار يوان (ما يعادل 2.6 مليار دولار) عام 2016. وهي خطوة ساهمت في زيادة التبادل التجاري بينهما، خاصة في ظل حجم الواردات المصرية الكبيرة من المنتجات الصينية، التي بلغت 14.4 مليار دولار في 2022، مقابل صادرات مصرية بقيمة 1.85 مليار دولار فقط.
هنا، تشير "الدماطي" إلى مبادلة العملات كإحدى وسائل تقليل عبء الديون والفوائد وتقليل الاعتماد على التعامل بالدولار.
وتضيف: "الاتفاق مع الصين والإمارات يؤكد أن مصر تحاول تخفيض التعامل بالدولار الأمريكي"، لافتةً إلى أن مبادلة العملة يوفر 10 مليارات دولار كانت تسددها مصر لخدمة الدين أو التبادل التجاري على المدى القصير، متوقعة أن تزيد مصر جهودها في هذا الاتجاه، خاصة مع دول تحالف البريكس.
ووافق تحالف بريكس، الذي يضم 6 دول بينها الصين وروسيا والهند، في أغسطس الماضي، على انضمام 6 دول جديدة للتحالف اعتبارًا من يناير المقبل. وتم قبول عضوية مصر والإمارات والسعودية والأرجنتين وإيران وإثيوبيا.

ووسط الإعلان عن اتفاق مبادلة الديون، تم الاتفاق بين مصر والصين على أن تضح الأخيرة استثمارات بأكثر من 15 مليار دولار في إنتاج الوقود الأخضر والتصنيع، إضافة إلى تقديم تمويلات ميسرة لإنشاء المرحلتين الثالثة والرابعة من مشروع القطار الكهربائي الخفيف.
الانتقال إلى الكتلة الأسيوية
سبق لمصر أن استخدمت أسلوب مبادلة الديون مع إيطاليا منذ عام 2001، وألمانيا من عام 2011، مقابل تنفيذ مشروعات تنموية لتعزيز جهود الدولة في تحقيق التنمية الشاملة. وأخيرًا، أعلنت إيطاليا إسقاط 100 مليون دولار من ديونها المُستحقة على مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، على أن يتم تخصيص 75 مليون دولار منها لتطوير 6 صوامع تكنولوجية متطورة لتخزين الحبوب.
كما يعمل برنامج مبادلة الديون الإيطالية على تطوير 6 صوامع حديثة لتخزين الحبوب في مصر في مقدمتها صومعة منيا القمح بالشرقية، أما ألمانيا فاتجهت منذ 2012 نحو مساندة التعليم وخصصت 41مليون يورو في إطار برنامج "مبادلة الديون" لصالح تلك الأنشطة"، قبل أن تغير دفتها نحو المشروعات التنموية بعدما وقع بنك التنمية الألماني اتفاقية مبادلة ديون بقيمة 54مليون يورو مع وزارتي التعاون الدولي والكهرباء والطاقة لإعفاء مصر من سداد ديون تبلغ قيمتها 54مليون يورو لدعم التحول إلى الطاقة الخضراء في مصر.
تقول الدكتورة هدى الملاح، مدير عام المركز الدولي للاستشارات ودراسات الجدوى الاقتصادية: "تفاصيل الاتفاقيات مع الصين: تسقط الصين ديونًا مستحقة علينا مقابل مشروعات تنموية تعملها في مصر. لم يصرحوا بعد بأماكن هذه الاستثمارات الجديدة؛ هل بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس أم بأماكن أخرى. لكنها خطوة مهمة؛ لأن مع انتقال الصناعة الصينية إلى مصر لن نستورد سلعًا كثيرة، وبالتالي نسد احتياجات السوق المحلي ونوفر تدفقات دولارية".
المشروعات الصينية الجديدة
إلى جانب المبلغ الخاص بمبادلة الديون، وقعت7 شركات صينية اتفاقيات ومذكرات تفاهم لاستثمار 15.5 مليار دولار في مصر في مشروعات إنشاء مصنع للهيدروجين الأخضر باستثمارات 6.75 مليار دولار، ومجمع لإنتاج كلوريد البوتاسيوم باستثمارات 8 مليارات دولار، و3 مصانع لإنتاج أنابيب الحديد والزجاج المصقول، بقيمة 755 مليون دولار، إضافة إلى توسعات مصنع لإنتاج الكابلات الضوئية بقيمة 18 مليون دولار.
تضيف "الملاح" في تصريحاتها لـ"فكر تاني": "تفاصيل الاتفاقية هي التي ستحدد ما هو القادم. الصين تفتح مصانعها الجديدة بمهندسيها، ما يعني انتقال الخبرة إلى العمالة المصرية. مثل هذه المبادرات تسهم في تطوير الاقتصاد المصري، هذا ما أتوقعه خلال السنوات الخمس المقبلة".
وبحسب الخبراء، فإن مصر يمكنها الاستفادة من برامج مبادلة الديون بقوة، خاصة وأن هناك توجه عالمي حاليًا تسعى من خلاله الدول المدينة لتخفيض الأعباء. فالإكوادور استطاعت تقليل ديونها ببرامج لتدابير إنقاذ الحياة البرية. كما نجحت الأرجنتين في إرجاء 15.4 مليار دولار أمريكي من أقساط الفائدة المستحقة عليها في عملية مبادلة الديون.