"أجريت أشعة على نفقتي الخاصة، وذهبت إلى المستشفى الأقرب من مكان سكني، لكن نقص المستلزمات أحالني إلى القاهرة. هناك، وبعد أن أخذت دوري في قسم الطوارئ، قيل لي: سوف نتصل بك لاحقًا".
تأخرت الاستجابة الطبية لحالة "نادي سيد" -16 عامًا- بعد تشخيصه بكسر في مفصل الفخذ، رغم تحويله من مستشفى أطفيح المركزي بالجيزة إلى أحد مستشفيات القاهرة في أول أكتوبر الجاري. وهو أمر يرجعه مسؤولي المستشفيات الحكومية إلى النقص الحاد في مستلزمات جراحات العظام بنسب مختلفة منذ 6 أشهر تقريبًا، حيث يكون الإجراء المتبع لمواجهة الأزمة إدراج المرضى على قوائم الانتظار لحين توافر احتياجات الجراحة من مستلزمات.
"مفصل للمستشفى كل شهرين"
يقول د.عمرو دويدار - أخصائي عظام - إن "المفاصل على وجه التحديد من بين باقي المستلزمات تعاني نقصًا شديدًا منذ يونيو الماضي"، لافتًا إلى أن توفرها يكون في أضيق الحدود.
ويضيف في حديثه لمنصة "فكر تاني": "المستشفى الذي كانت تخصص له 10 مفاصل شهريًا، يخصص له حاليًا مفصلًا كل شهرين، ما يضر أشد الضرر بالمرضى من الحالات الطارئة".

في أغسطس الماضي، أفرجت مصلحة الجمارك عن 183 شحنة من المستلزمات الطبية المحتجزة بالموانيء، بما يعادل قيمته 37 مليون دولار، حسب تصريحات محمد إسماعيل رئيس الشعبة العامة للمستلزمات الطبية بغرفة القاهرة.
وأمام هذا النقص الشديد في مستلزمات العظام، وتحديدًا المفاصل، والأطراف الصناعية، لا يجد المرضى سبيلًا إلا القبول بالأمر الواقع، وتجرع الآلام، أو اللجوء إلى إرسال استغاثات لمجلس الوزراء عبر منصات التواصل الاجتماعي.
على نفقة الدولة أو كرسي متحرك
خلال الربع الأول من عام 2023، استجابت اللجنة الطبية العليا والاستغاثات بمجلس الوزراء لنحو 1703 استغاثة طبية، من بينها 117 حالة أطراف صناعية، وأجهزة تعويضية لذوي الهمم، وفق د.حسام المصري المستشار الطبي لمجلس الوزراء.
ويضيف في تقرير صادر عن مجلس الوزراء إن اللجنة تكثف عملها من خلال استخراج قرارات علاج على نفقة الدولة مباشرة من رئيس مجلس الوزراء، أو من خلال المجالس الطبية المتخصصة، بعد تلقي التقارير الطبية الخاصة بالمرضى من المستشفيات الحكومية، العسكرية أو الجامعية.
يحكي "م.رشاد" -الباحث لدى إحدى الجمعيات بمستشفيات القاهرة، والمتخصص في استصدار قرارات العلاج على نفقة الدولة- رحلة مريض العظام من الكشف إلى الجراحة. فيقول لـ"فكر تاني": "يحول المريض أولًا إلى قسم الطوارئ، أويجري كشفًا بإحدى العيادات الخارجية، وبعدها يترقب موعد إجراء الجراحة سواء تغيير مفصل، أو تركيب طرف صناعي".
"حجزت بأحد مستشفيات التأمين الصحي بالقاهرة من أجل إجراء تغيير وتركيب مفصل في الفخذ، لكن شيئًا لم يحدث رغم مضي ما يقرب من شهر على احتجازي".
"ن.س" مسن تجاوز الستين من عمره ينتظر جراحة لازمة لحالته منذ 25 مايو الماضي: "بعد تأكيد الأطباء على حاجتي إلى مفصل ثنائي القطبين -إسمنتي-، وهو أحد المفاصل اللازمة لهذه الجراحة، ورغم أنني دفعت خلال سنوات عملي التأمين الصحي مقتطعًا من راتبي، إلا أنني خرجت في النهاية على كرسي متحرك، لحين وصول المفصل".
ويخشى "ن.س" من تفاقم آثار الألم لعدم قدرته على الحركة، والتي قد تسبب مضاعفات أخرى في جسده.
يقول د.عمرو دويدار -أخصائي عظام- إن أزمة نقص المستلزمات الخاصة بالعظام جادة، ووصلت حتى إلى الشرائح، والمسامير اللازمة لعلاج الكسور، بما يضع المرضى أمام معضلة كبيرة وآلام صعبة التحمل أو دفع مبالغ طائلة للمستشفيات الخاصة.

يتحمل المرضى في المستشفيات الحكومية 30% من نفقات المستلزمات، إلى جانب الأشعة والمناظير. بينما تصل تكلفة استبدال كامل لمفصل الفخذ في المستشفيات الخاصة إلى نحو 100 ألف جنيه.
ويرى محمد إسماعيل، رئيس الشعبة العامة للمستلزمات الطبية بالقاهرة، في حديثه لـ"فكر تاني"، إن هذه الأزمة بحاجة إلى تدخل من رئيس الوزراء. فيقول: "الأزمة ستنفرج فور صدور قرار رئيس الوزراء بتخصيص نحو 150 مليون دولار لاستيراد المستلزمات الطبية، وضخ هذه الشحنات في المستشفيات لإنقاذ المرضى العالقين في غرف انتظار الجراحة".
اقرأ أيضًا: وقف بطاقات الخصم المباشر.. شركات تهدد بالهروب ومصرفيون يحذرون من تفاقم الأزمة
320 مصنعًا لا تسد العجز
تمتلك مصر نحو 320 مصنعًا للمستلزمات الطبية معظمها حاصل على شهادة "الأيزو"، ورغم إعلانات متكررة عن قرب تحقيق الاكتفاء الذاتي، إلا أن أزمات المستلزمات لا تزال قائمة.
وهو أمر يرجعه رئيس شعبة المستلزمات الطبية إلى الدولار. وكان قد ذكر في مايو الماضي أن ثمة تكدس لما يقرب من 183 شحنة من المستلزمات الطبية بالموانئ، والمطارات بسبب أزمة الدولار، لافتًا إلى أن ذلك تسبب في نقص كبير بمخزون المستشفيات الحكومية، وهيئة التأمين الصحي الشامل.
وحذر من مضاعفات كبيرة قد تصيب المرضى حال عدم تدبير النقد الأجنبي اللازم لاستيراد المواد الخام، ومستلزمات الإنتاج.
ويرجع محمد فؤاد، رئيس المركز المصري للحق في الدواء، أزمة نقص المستلزمات الطبية إلى استيراد مصر ما يقرب من 95% من احتياجاتها، في ظل وجود أزمة حقيقية في النقد الأجنبي.
ويضيف لـ"فكر تاني": "إن أزمة المستلزمات الطبية أشد من أزمة الدواء"، لافتًا إلى أن الأدوية لها تسعيرة إجبارية ملزمة للشركات، عكس المستلزمات التي تخضع للعرض، والطلب، ويحتاج الإفراج عنها من الجمارك إلى عملة أجنبية غير متوفرة.
طلب إحاطة لتوطين صناعة المستلزمات
وسبق أن تقدمت النائبة إيريني سعيد، عضو لجنة الشؤون الصحية بمجلس النواب، بطلب إحاطة موجه إلى وزير التجارة، والصناعة في يونيو الماضي، بشأن اقتراح تبني مشروع قومي لتوطين صناعة المستلزمات الطبية.
وتقول "إيريني": "إن هذا كان أبرز أطروحاتها خلال مشاركتها في جلسات الحوار الوطني، كمحاولة لحل أزمة نقص المستلزمات الطبية بالمستشفيات، لافتة إلى أن التصنيع المحلي لا يكفي لسد احتياجات السوق".
وتستطرد في حديثها لـ"فكر تاني": "وزير الصحة أقر عقب زيارة ميدانية لأحد المستشفيات الحكومية بالنقص الواضح في المستلزمات الطبية، ولا بد من البحث عن حلول لإنهاء الأزمة".
وتشير "عضو لجنة الصحة بمجلس النواب" إلى أن أطروحاتها بلجنة الصحة بالحوار الوطني تطرقت إلى ضرورة منح البنك المركزي أولوية من أذونات الاستيراد لصالح المستلزمات الطبية، لافتة إلى أن لديها مرضى يعانون من كسر المفاصل، ويحتاجون إلى لجراحات تغيير مفاصل، لكنهم مؤجلون منذ نحو أربعة أشهر"، على حد قولها.