"الموافقة الاستيرادية للسيارة موديل 2015 جاءت بعد حوالي شهرين من الدفع.. أعدت تحميل مستند الإقامة مرات.. طول الفترة دي كنت في حالة قلق، خاصة وأن البعض يحاول إفشال مبادرة سيارات المغتربين بأي وسيلة ويروج شائعات حولها.. مكنتش قادر في نفس الوقت أبعت حد يطمن في وزارة المالية".
لم يغادر القلق رأس محمد أحمد، مصري يعمل بالخارج، لشهرين كاملين اصطدم فيهما ببيروقراطية مصرية متأصلة، بعدما حول وديعة دولارية للمشاركة في مبادرة سيارات المغتربين، والتي لم تصل موافقتها الاستيرادية له كما هو المقرر طيلة 60 يومًا، ظل خلالها يجوب صفحات وزارتي المالية والهجرة على منصات التواصل سائلًا، دون رد يبدد مخاوفه بشأن "تحويشة الغربة".
رغم إطلاق الحكومة مبادرة لتسهيل إدخال سيارات المصريين بالخارج منذ عام تقريبًا، لا يزال الراغبون أو المشاركون فيها، يشكون بطء استجابة المسؤولين عن المبادرة لتساؤلاتهم واستفساراتهم والمشكلات التي يصادفونها.
تعقيدات بيروقراطية تحول دون استفادتهم من المبادرة التي قد تعين الدولة في أزمتها وتوفر على أصحابها "مبلغ محترم".
يسأل "محمد أحمد": "هل مع تعديل السيارة بالبيانات الفعلية وقت شحنها هاخد نفس الوقت ولا الأمور هتكون أسرع؟". لم يصله رد على هذا أيضًا.
سؤال التجديد والبيروقراطية
مساء الأحد، وافق مجلس النواب على مشروع قانون مقدم من مجلس الوزراء المصري بإعادة العمل بمبادرة استيراد السيارات -أوقف العمل بها في مايو الماضي- للمصريين العاملين بالخارج، ممن لم يستفيدوا منها في المرة الأولى، وذلك لمدة 3 أشهر من تاريخ إصدار القانون، مع إمكانية تمديده ثلاثة أشهر أخرى.
موافقة جاءت رغم الاعتراضات على أداء القائمين عليها وما لم يتحقق من مستهدفاتها، يبرره الخبراء بالحاجة إلى العملة الصعبة. خاصة مع عدم نجاح النسخة الأولى من المبادرة، التي امتدت من أكتوبر 2022 حتى مايو 2023، وحققت حصيلة لا تتجاوز 900 مليون دولار فقط، حسبما أعلنت وزارة المالية، رغم أنها استهدفت وقت تدشينها 2.5 مليار دولار.
اقرأ أيضًا: هل تخفيض قيمة الجنيه يحل الأزمة؟.. كتالوج صندوق النقد لا يتغير
تجيز المبادرة لكل مصري له إقامة قانونية سارية بالخارج إدخال سيارة مُعفاة من الضرائب والرسوم مقابل وديعة في البنك المركزي بالعملة الأجنبية لمدة 5 سنوات، تسترد بعدها بالجنيه المصري بسعر صرف وقت الاسترداد.
تكرر الأمر هذه المرة مع جوزيف حواس، مصري مقيم في هولندا. يقول عبر إحدى صفحات التواصل الاجتماعي: "معايا جنسية هولندية ومصرية.. سؤالي: هل ليا حق أنزل عربية ولا لا حسب شروط المبادرة؟.. ولا لازم يبقي معايا جنسية مصرية وفيها إقامة؟ عشان أنا حامل جنسية البلد اللي هانزل منها العربية؟".
خبراء: هذا سبب تعطل المستهدفات
وجه "حواس" سؤاله منذ عدة أيام إلى الصفحة الرسمية للمبادرة على منصات التواصل، دون استجابة أيضًا، فغير السؤال عله يلقى إجابة: "الوديعة بتبقي باسمي ولا اسم العربية؟"، ليفتح غياب الرد العديد من التساؤلات حول آليات التواصل التي تتبعها الحكومة في تنفيذ مبادرتها ومن ثم تسهيل ادخار المغتربين لمركبات للسوق المحلية مقابل وديعة دولارية بالبنوك.
تسهيل إجراءات المبادرة. هذا ما تستهدفه المبادرة في الأساس ومن ثم ضخ مزيد من عملة صعبة مصر في حاجة ماسة إليها. فهل يستجيب القائمون عليها؟
يقول خالد سعد، الأمين العام لرابطة مصنعي السيارات: "تجديد المبادرة جاء بسبب عجز الكثير من المصريين بالخارج من الاستفادة منها في المرة الأولى".
كما يطالب بزيادة الامتيازات للمغتربين في دول الخليج، مضيفًا: "غالبية المغتربين يقيمون بدول الخليج. يجب منحهم امتيازات مثل المقيمين بالدول الأوروبية، من أجل تحقيق مستهدفات الوزارة".
إجابات غائبة لاستفسارات معلقة
بجولة سريعة على صفحات المصريين بالخارج على منصات "السوشيال ميديا"، يظهر حجم الاستفسارات الكبيرة لدى المغتربين. استفسارات في صميم عمل المبادرة، تقلق الراغبين في المشاركة حول مشكلات مستقبلية يريدون إجابات عليها.
تقول هدى عمار عبر حسابها بـ "فيسبوك": "عايزة أنزل عربية من إنجلترا. ممكن أعرف ايه الإجراءات وموضوع الدريكسيون يمين يبقى مناسب بمصر ولا لا؟".
يحظر قانون المرور المصري ترخيص السيارات التي تكون فيها عجلة القيادة جهة اليمين "الدركسيون"، كما لا يمكن إرسال السيارات التي تحتوى على أجهزة اتصال متطورة لا يمكن نزعها أو أن نزعها قد يؤثر على عمل السيارة.
بعض المصريين لديهم تساؤلات بسيطة لا تحتاج سوى متابعة مستمرة من المسؤولين عن المبادرة، مثل رزق إيزاك، المصري الذي يعيش في الولايات المتحدة، ويتساءل عن كيفية فتح حساب بنكي بالعملة المصرية من أمريكا، أو أمير فتحي الذي يريد معرف كيفية وتكلفة إجراء توكيل في السفارة، أو عاطف شنودة الذي يريد فقط معرفة "ايه ارخص وديعة لحجز سيارة حتى يستقر على موديل معين".
يقول محمد فوزي: "تركت عملي ولي إقامة خاصة على عائلتي بس الحساب البنكي مش شغال حاليًا.. هل ينفع اشترك بالمبادرة.. بمعنى هل لازم يكون الحساب البنكي باسمي ولا ممكن أحد الأقارب".
أما عمرو محمد، مصري مقيم بالخارج، فيشكو طول الإجراءات: "كل بيانات السيارة موجودة في التطبيق اللي بناء عليه خدوا الوديعة.. لو المسؤولين حطوا جميع البيانات المطلوبة ودفعنا التخليص ولو مثلًا 500 دولار، وتشحن وأنت دافع كل حاجة أون لاين وتنزل بعد مدة يحددوها تستلم ورقك وعربيتك هيكون أفضل بدل المرمطة دي".
القلق على المبالغ المحولة
وشهد ميناء السويس تكدسًا للسيارات بعد عيد الأضحى الماضي حينما نزل آلاف المصريين بسياراتهم من الخليج عبر الشحن من الموانئ السعودية، ولم يستطع رجال الجمارك حينها التعامل مع تلك الكمية دفعة واحدة.
يقول محمود سليمان: "الإخطار بقبول الوديعة تأخر قبل أسبوع من نهاية المبادرة الأولى في مايو الماضي.. قعدت أسبوع في قلق من رجوع الوديعة مخصوم منها رسوم التحويل.. الحكومة مطالبة بإثبات الثقة للمصريين بالخارج، خاصة وأن فيه قطاع من المتشكيين في المبادرات الحكومية".
هذا الاستفسار رد عليه الدكتور محمد معيط وزير المالية، في مارس الماضي. قال إن "ودائع المصريين بالخارج المستفيدين من مبادرة تيسير استيراد السيارات التزام على الخزانة العامة". وأكد أن وزارة المالية تسدد هذه الودائع للمصريين بالخارج في المواعيد المقررة بسعر الصرف وقت استحقاقها، ومن يريد سحب المبالغ المحولة من حسابه لصالح وزارة المالية، والخروج من المبادرة بعد مرور سنة من تاريخ الموافقة الاستيرادية، يتقدم بطلب على المنصة الإلكترونية، وسيحصل عليها بسعر الصرف وقت الاسترداد خلال 3 أشهر. بينما لفت إلى أن هناك "سند استحقاق" من وزارة المالية على الخزانة العامة للمواطنين المقيمين بالخارج بقيمة المبالغ المحولة لحساب وزارة المالية بالبنك المركزي.
تعديلات مطلوبة لتحقيق المستهدف
منحت اتفاقيات مصر مع بعض الدول التي تعطي "زيرو" جمارك بين الطرفين، امتياز للمقيم الذي يعيش بالدول الأوروبية، بينما المصري الذي يقيم بدولة أخرى خارج الاتحاد الأوروبي كان يدفع 100% من الجمارك والضرائب قبل أن تخفضها وزارة المالية إلى 30%، في حين تتحمل الدولة 70%.
يقول سعد، في حديثه لمنصة "فكر تاني": "ضروري مد فترة الحجز من 6 أشهر إلى عام؛ لإتاحة الوقت والفرصة أمام المغتربين الراغبين.. المبادرة الأولى شهدت إقبالًا معقولًا، لكن آثار الجديدة هتظهر في عام 2024 لأن الكثير من الطلبات التي تم تسجيلها في المبادرة بالفعل لم يتم تنشيطها وإدخال السيارات".
اقرأ أيضًا: «فورين بوليسي»: هل يستطيع السيسي حل الأزمة الاقتصادية بمساعدة صندوق النقد؟!
تضمنت المبادرة الأولى بعض البنود الصعبة منها: اشتراط أن تكون أموال الوديعة موجودة في الحساب البنكي قبل التحويل بأكثر من 3 أشهر، وهو شرط عطل الكثير من الطلبات قبل أن يتم التجاوز عنه في المبادرة الجديدة.
وزيرة شؤون الهجرة: احنا كمان بنخسر
وبحسب السفيرة سها الجندي، وزيرة الدولة لشؤون الهجرة والمصريين في الخارج، فإن "المبادرة كان المفروض أن تحقق أقصى طموحات المصريين في الخارج، وتم إجراء تعديلات عليها من أجل ضمان تحقيق مستهدفاتها، وتوفير العملة الصعبة، بالإضافة إلى ضرب ظاهرة الأوفر برايس في أسعار السيارات".
لكن الأمين العام لرابطة مصنعي السيارات لا يتفق مع الحديث عن تأثير المبادرة على ظاهرة الأوفر برايس، يقول: "صحيح وفرت المبادرة بعض السيارات في السوق وخففت بعض الضغط على السوق المحلية التي تعاني من نقص الموديلات والمخزون لديها بإدخال موديلات جديدة، لكنها لم تؤثر على السعر لاستمرار الركود بسبب ارتفاع الأسعار المستمر محليًا".
تقول الوزيرة في تبرير إقرار المبادرة: "توفير العملة الصعبة أصبح أحد أهم أولويات الدولة المصرية وكل دول العالم أيضًا حتى أمريكا التي رفعت سعر الفائدة أكثر من مرة عشان ماعندهمش دولارات وعندهم 4 بنوك أفلست".
كما تشير إلى أنه "بعد صدور قرار استيراد سيارات المصريين بالخارج بثلاثة أيام، وجدنا استغلال غير طبيعي وكبير من بعض التجار، الذين حاولوا استيراد السيارات من الخارج لتحقيق مكاسب إضافية.. رصدنا أعداد مهولة من الدولارات بتخرج بره مصر بدلًا من جلب الدولارات من الخارج.. بقوا يبعتوا للطلاب في الخارج يقولوا خدوا الفلوس وهاتولنا العربية لحد عندنا ونبيعها في مصر.. إحنا حبينا نساعد المصريين وكنا فاكرين العملية هيبقى احنا الاتنين كسبانين طلعت لا.. احنا كمان بنخسر".