على هامش حرب غزة| “بي بي سي” والتحقيق مع صحفييها العرب.. “انحياز” على حساب المهنة والقضية

على هامش الحرب التي يخوضها الاحتلال الإسرائيلي ضد غزة ردًا على عملية “طوفان الأقصى”، تصاعدت الأصوات الغاضبة بشأن إجراءات “تعسفية” اتخذتها هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي“، ضد صحفيين مصريين ولبنانيين في مكتبيها القاهرة وبيروت. واتخذت الهيئة قرارًا بإحالة الصحفيين العرب إلى التحقيق العاجل؛ ما أدى إلى توجيه اتهامات واسعة ل بي بي سي بخصوص عدم التزامها الحياد المهني.

الصحفيون الذين يواجهون تحقيقًا يتعلق برفضهم الحرب الذي يقوم بها الاحتلال، من القاهرة: الإعلامي محمود شليب، والمراسلة سالي نبيل، وسلمى خطاب، والصحفي في القسم الرياضي عمرو فكري، والصحفية المستقلة آية حسام التي أوقفت “بي بي سي” التعامل معها، بالإضافة إلى الصحفيتين سناء الخوري وندى عبدالصمد من لبنان، واللتين دعمتا المقاومة عبر تغريدات على صفحاتهما الشخصية على منصة تويتر “x”، دون التحيز لطرف الاحتلال والذي باتت تدعمه كثير من المنصات والمواقع الإعلامية والصحفية الدولية. الحياد المهني.

في السابع من أكتوبر الجاري، بدأت عمليات عسكرية متبادلة بين كتائب المقاومة الفلسطينية “حماس”، وقوات الاحتلال الإسرائيلي؛ على إثر عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها المقاومة واستهدفت عدد من المناطق الواقعة تحت سيطرة سلطة الاحتلال في الداخل الفلسطيني؛ الأمر الذي أشعل فتيل الحرب بين القوتين، وأجبر الاحتلال على تنفيذ عملية موسعة (السيوف الحديدية)، تستهدف -وفقًا لمجريات الأحداث-، إبادة جماعية لشعب غزة وتدميرها.

ماذا عن الحياد في التغطية؟

الحياد، الذي يعد نقطة أساسية في الجدل الدائر، هو من بين المبادئ المدرجة في المبادئ التوجيهية التحريرية لهيئة الإذاعة البريطانية -حسب موقعها الرسمي-، والذي وفقًا له فإن:” بي بي سي ملتزمة بتحقيق الحياد الواجب في جميع منتجاتها. وهذا الالتزام أساسي لسمعتنا وقيمنا وثقة الجماهير”. ووفقا لميثاقها المعلن، فإن هذا يعني أن مهمتها هي “العمل من أجل المصلحة العامة” من خلال توفير محتوى “محايد وعالي الجودة ومميز”.

ردًا على هذا الإجراءات، صرح المتحدث باسم الهيئة في وقت لاحق، تعليقًا على الإجراءات: “نحن نحقق بشكل عاجل في هذا الأمر، ونتعامل مع الادعاءات المتعلقة بانتهاكات إرشاداتنا التحريرية ووسائل التواصل الاجتماعى بمنتهى الجدية، وإذا وجدنا انتهاكات فسنتحرك، بما في ذلك اتخاذ إجراءات تأديبية”، وذلك بناء على تحقيق أجراه القسم العربي التابع للجنة الدقة في إعداد التقارير والتحليلات في الشرق الأوسط، يدعى “تحيز الصحفيين المذكورين ضد الاحتلال”.

اقرأ أيضًا: “حرب إبادة جماعية”.. غزاويون: الاحتلال يحول القطاع إلى مدينة أشباح

التقرير الذي أجراه القسم العربي بالهيئة، وجاء بالأساس ردًا على شكاوى من خارج الهيئة، تضمن تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي للصحفيين، منها ما كتبه محمود شليب، وهو صحفي بارز بالهيئة، في تدوينة على تويتر: “أمامي على قناة الجزيرة، يقف من يسمون بالمدنيين مسلحين إلى جانب الشرطة ويطلقون النار لأنه ليس لديهم أي مدنيين بين الشباب وهذا ما لا يعرفه الجاهلون في كثير من الأحيان. أنا مع محاربتهم”. بينما آية حسام، نشرت في تغريدة أن “الصهيوني يجب أن يعرف أنه سيعيش كلص ومغتصب، وكل عضو في الكيان الصهيوني خدم في الجيش في مرحلة ما من حياته، سواء كانوا رجالا أو نساء”. وأُجبر الصحفيون على إزالة جميع المنشورات، لكن أحد المراسلين أعجب – وضع “لايك ” بتدوينة يبدو أنها تصف “حماس” بأنهم “مقاتلون من أجل الحرية”، ما لم يرق للهيئة واعتبرته انحيازًا.

وفي هذا الصدد، علق الإعلامي عمر بطيشة على التغطية المنحازة التي تقدمها هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” وتحويلها عددًا من الصحفيين والإعلاميين المنتسبين لها للتحقيق، بسبب دعمهم للقضية الفلسطينية ودفاعهم عن فصائل المقاومة، قائلاً إن “ما تقدمه هو استمرار لترسيخ الصورة المغلفة بالسواد للهيئة، واستمرارًا لسياستها المتحيزة ضد قضايا العرب وفلسطين تحديدًا منذ الأمد”.

ليست المرة الأولى

جاري لينيكر
جاري لينيكر

في وقت سابق من شهر مارس الماضي، وحسب صحيفة “بريكنج” اللندنية، تورطت الهيئة في جدل حول حيادها، بسبب انتقادات مقدم البرامج الرياضية “جاري لينيكر”، لسياسة اللجوء التي تتبعها الحكومة. ظهر الخلاف بعد أن نشر لينيكر تغريدة، رداً على رسالة وزير الداخلية حول إيقاف قوارب المهاجرين، مشيرًا إلى أن البلاد تستقبل عددًا أقل بكثير من اللاجئين مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى. وكتب على موقع X: “إنها مجرد سياسة قاسية للغاية موجهة إلى الأشخاص الأكثر ضعفاً بلغة لا تختلف عن تلك التي استخدمتها ألمانيا النازية في الثلاثينيات”. وتعرضت تعليقاته لانتقادات واسعة.

وفي أبريل الماضي، نشر موقع “ميدل إيست آي” اللندني مقالا للصحفي “جوناثان كوك” ينتقد تغطية الهيئة التي قامت بها في حادث اقتحام قوات الاحتلال المسجد الأقصى والاعتداء على المصلين فيه، متهمًا إياها بأنها “تعطي غطاء لعنف الاحتلال وتساعد عليه”. وقال “إن الهيئة تستخدم مرة أخرى “الحيادية” المشكوك فيها وتقف مع القمع”. وأضاف أن “بي بي سي اختارت الوقوف في السياسة التحريرية والتغطية الإخبارية على مدى عقود مع المضطهد، وفي كل الأحيان لم تلتزم بالنزاهة. وبدلًا من ذلك، اختارت مؤسسة البث الرسمية وبشكل منتظم لغة ومصطلحات أثرت على المستمعين والمشاهدين وخدعتهم. وضاعفت الممارسة الصحافية السيئة بحذف أجزاء من السياق خوفًا من تقديم كيان الاحتلال في صورة سيئة”.

تاليًا، وفي يونيو الماضي، قدمت الهيئة اعتذارًا رسميًا بشأن تساؤلات صحفية وجهتها مذيعة القناة “أنجانا جدجيل” إلى رئيس وزراء الاحتلال السابق “نفتالي بينيت”، حيث تساءلت حول مقتل أطفال في مدينة جنين على يد قوات الاحتلال، وما إذا كانوا سعداء بذلك، ليجيب عليها: “كل الفلسطينيين الذين قتلوا إرهابيين”. وفي أعقاب المقابلة شنت حملة على المذيعة، واتهموها بالانحياز وخرق قواعد القناة الخاصة بالحياد وقدموا شكوى رسمية إلى المحطة، مما اضطرها فيما بعد إلى تقديم اعتذار رسمي.

سريعًا، أصدرت بي بي سي بيانًا رسميًا اعتذرت فيه عن المقابلة، فيما غرد مجلس المندوبين اليهود البريطانيين عبر تويتر حول اعتذار القناة، وكتب “يسعدني أن هيئة الإذاعة البريطانية قد اعتذرت عن اللغة غير المقبولة بوضوح والتي استخدمت في مقابلتها مع نفتالي بينيت. بعد أن كتبت إلى المدير العام بشأن هذا الأمر اليوم، أقدر استجابة المؤسسة السريعة”.

إدانة صحفية وحقوقية

المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أدان قرار هيئة “بي بي سي”، التحقيق مع صحفييها العرب في مكتبي القاهرة (تم إيقافهم مؤقتًا عن العمل) وبيروت، بدعوى “نشاطهم المتحيز لفلسطين على مواقع التواصل”. وأبدى تخوفه من استخدام إدارة القناة هذا الإجراء في محاولة لتصفية الحسابات مع عدد من صحفييها بسبب نشاطهم النقابي للدفاع عن الحقوق المالية لزملائهم، في ظل السياسات العنصرية للهيئة البريطانية في التمييز في الأجور ضدهم، مقارنة بزملائهم في مكاتب أخرى حول العالم.

وكان مكتب هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” بالقاهرة شهد في أوقات سابقة 3 إضرابات عن العمل نفذها صحفيون بالمكتب بشأن مطالبهم للمساواة بزملائهم في الأجور، قبل انتهاء الأزمة مؤخرا بعد سلسلة من المفاوضات اختتمها نقيب الصحفيين المصريين خالد البلشي، سبتمبر الماضي، مع الإدارة. انتهت إلى تحقيق اتفاق رضائي بشأن أجور الصحفيين والعاملين في مكتب الهيئة بالقاهرة.

تعليقًا، يقول محمود كامل -مقرر لجنة الحريات ووكيل نقابة الصحفيين-، إن ما حدث يعد انتهاكًا واضحًا بحق حرية الرأي والتعبير، وبحق الصحفيين وحريتهم فيما يتداولونه على صفحاتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، مضيفًا: “إذا كانت بي بي سي ترفع شعار المهنية وتضع مواثيق للنشر، فإنهم خالفوا كل ذلك بعد أن تجاهلوا حرب الإبادة التي تتعرض لها غزة، وخاصة النساء والأطفال؛ ما يعد دليلًا واضحًا على سياستهم”. نافيًا أن يكون هناك أية شكاوى مشابهة من صحفيين مصريين عرضت على مجلس النقابة الحالي، موضحًا: “نتحدث هنا عن صحفيين يدعمون موقف إنساني ولا يعبرون عن رأي سياسي”. وأشار كامل إلى مؤتمر لرصد الانتهاكات وما نشر في وسائل الإعلام، عقد أمس الإثنين في نقابة الصحفيين المصرية، والذي لم يحضره ممثلين عن “بي بي سي”، سواء للتغطية أو تكذيب الاتهامات بشأنهم.

وبحسب تصريحات كامل لمنصة “فَكَر تاني”، وجه نقيب الصحفيين خالد البلشي، رسالة شديدة اللهجة إلى مكتب “بي بي سي” في القاهرة، حول الانتهاكات ضد الصحفيين، كما صرح إنه سيخاطب مكتب لندن للاعتراض على الانتهاكات التي صدرت بشأن الصحفيين في مكتبي القاهرة وبيروت، مشيرًا إلى أن ثلاثة من الصحفيين الذين أحيلوا للتحقيق من مكتب القاهرة هم من قيادات الإضراب الأخير الذي قاده صحفيو مكتب “بي بي سي”، معلقًا: “هذه ليست مصادفة، إنها رسالة واضحة عبر إحالتهم للتحقيق في مسألة غير منطقية”. وكان صحفيو “بي بي سي” القاهرة  خاضوا إضرابًا عن العمل في أغسطس الماضي، احتجاجا على سياسات مالية وصفوها بالـ”تمييزية”، مطالبين بزيادة رواتبهم بما يتوافق مع التحديات الاقتصادية التي تعيشها مصر.

فيما رفض النقيب خالد البلشي الإجراءات التي وصفها بالتعسفية التي لاحقت الصحفيين قائلًا: “إنه أمر هزلي”. مشددًا على أن “تلك الممارسات تعد مصادرة على حق التعبير، وأنها جاءت كجزء من سياق عام سافر من الاحتلال ضد فلسطين وهذا جزء من تغطية جرائم المحتل”.

وأضاف البلشي لـ “فكر تاتي” أن “التحقيق الآن مقابل “لايك” على منشورات بدعوة لمخالفتها للمعايير. تكرر ذلك مع عدد من الزملاء هم أعضاء نقابة الصحفيين، وأشعر بشيء خاطئ، خاصة وأن البداية كانت حينما اشتكى صحفي بالتليجراف من أن صحفيين البي بي سي منحازين لفلسطين، وهو ما استغله الاحتلال لتقديم شكوى بحقهم في الهيئة، للتحقيق معهم”. مؤكدًا أنه تواصل مع الجهات ذات الصلة وأولها مكتب القاهرة، وأيضًا نقابة الصحفيين الفلسطينيين والاتحاد الدولي للصحفيين، ووصف ما حدث بالانتهاك، مطالبا بوقف التحقيق.

 

 

 

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة