الأقليات| “جندريًا”.. المفهوم واللغة

تحدثنا في المقال السابق بشكل سريع يتناسب مع المساحة حول القوانين والمعاهدات الدولية. وأعدها بمثابة مفاتيح بحثية لمن أراد أن يتعرف أكثر على القانون الدولي. ومجرد استعراض خفيف لمن يهتم بمعرفة الداخل المحلي بشكل أكبر وفقط لإضفاء خلفية تشريعية أكثر متانة وعدل وإن كان لا زال القانون الدولي -بلا شك- يحتاج لكثير من التعديلات والتحسينات وهو الأمر الذي يحدث باستمرار، وإن كان يشوبه بالطبع كأي أمر آخر حسابات القوة والسلطة من جهة ومن جهة ثانية إجراءات بيروقراطية ومراحل معقدة وطويلة للتعديل الجذري في بعض الأحيان.

إلا وإن ذكر كل هذا للإنصاف لكنه لا يقلل من أهمية الإسناد إليه خاصة وأن القانون المحلي -المصري- يفتقر لأساسيات وضع قانون يتصف بالعدل بدءً من العملية التشريعية ومجالس النواب لافتقارهم لمعايير الاختيار الديمقراطية بالأساس. مما يجعلني لا أعول عليه في القياس وأحتاج للمعيار الدولي للمقاربة والمقارنة فيما يخص ملف الأقليات خصيصًا وأغلب الملفات الحقوقية.

وإن كان لا مهرب من استخدامه بالطبع في تحليل الوضع الداخلي وفهمه. وأثر هضم حقوق تلك الفئات وإن كانوا أقلية “سلطة أو عددًا” على اختلال النظام والعدل المجتمعي ككل.

الأقليات “جندريًا”.. وقوالب اللغة

تعريب مصطلحات أجنبية أمر شائع في الممارسات الحقوقية وإن كنت لا أشعر بالراحة لذلك الأمر إذ أن كل مصطلح أجنبي له مرادف أصيل في اللغة العربية بل ربما يحمل المعنى بشكل أكثر بلاغة بطبيعة اللغة. لكن أظن أن هنا المشكلة. تلك المفاهيم والمعاني ليست غربية إنما إنسانية. لكن لا ننكر إن تحويل تلك المعاني والمفاهيم لعلوم كان في الغالب على يد الثقافات الغربية. وهنا اتخذ المعنى والمفهوم الطابع الغربي فأصبح أشد غربة عن اللغة العربية وأصبح تحويله كامل للفظة عربية تحمل نفس المعنى صعب. بالإضافة إلى ن أكثر الباحثين والدارسين في تلك العلوم يتلقون دراستهم باللغات الغربية فحينما يعودون للكتابة عن الشأن الشرقي يواجهون مشكلة في التعريب. تعريبًا يحمل المفهوم كاملًا دون إسقاط قطرة. وهو الأمر الذي واجهته نفسي وأنا أحاول أن أتسق مع مبادئي الخاصة بأهمية اللغة وما تضفيه من معنى وأثر في حد ذاتها على الكلمة.

فعلى سبيل المثال…

هل تشعر بفارق إذا قلت لك “المشاكل الخاصة بالنوع الاجتماعي” عن إذا قلت “المشاكل الجندرية” في حالة أنك تجهل المفهومين بالأساس حتى. ما الأثر الذي تركته في نفسك استخدام لفظة غريبة في الثانية عن الأولى.

في كثير من الأحيان تٌضفي طابع “خاطئ” إن الموضوع “مستورد” أو أنه بعيد ثقافيًا عنا أو حتى متعارض معنا. مما يجذب في الغالب موقف معادي داخليًا حتى من قبل أن يفهم المفهوم

لذلك أحيانا أشعر أن إيجاد مصطلحات عربية مشابهة تحمل المفهوم العلمي للمصطلح الغربي كاملًا وتشييع استخدامه مهم جدًا خاصة من أجل العمل على “الدعاية” أو الدعم لتلك القضايا الحساسة.

ورغم هذا فأنا هنا فضلت استخدام كلمة جندر رغم شعور الغضاضة للأسباب التي قدمتها سابقًا إلا أنه وللأسباب نفسها فإن مفهومها بالعربية الفصحى ليس شائع كفاية كبديلها المعرب. لذلك ارتأيت أنه ربما هنا يمكنني استخدام المعربة مع توضيح معناها والمقابل الفصيح لها.

مفهوم كلمة “جندر” والمقابل العربي ومفهومه

 كلمة الجندر تشير إلى الصفات الاجتماعية والثقافية والسلوكيات التي تُرتبط بالجنس (الذكوري والأنثوي) في مجتمع معين. هذه الصفات تشمل المفاهيم المرتبطة بالهوية الجنسية والتوزيع الاجتماعي للأدوار والممارسات والتوقعات المتعلقة بالجنسين. من كافة التفاصيل الصغيرة كالملبس وتسريحة الشعر وطريقة الجلوس والمشي انتهاءً بالأمور الكبيرة المتعلقة بوصول النساء للسلطة والأعمال المخصصة للرجال وأخرى للنساء وغيرها.

كذلك فإن المفهوم الجندري يمكن أن يؤثر على كيفية توزيع الفرص والموارد في المجتمع، ويمكن أن يؤثر أيضًا على توجيهات السياسات والثقافة. وبطبيعة الحال يؤثر على الديناميات المرتبطة بكل هذا سواء داخل الأسرة أو المجتمع والدولة ككل.

وهناك عدة دراسات تحلل كيف تؤثر العوامل الاجتماعية، مثل الثقافة والتربية والاقتصاد، في شكل وتجربة الجنسانية وكيف يمكن تحويل هذه الديناميات لتحقيق المساواة والعدالة بين الجنسين. لمن يرغب في التوسع أكثر في تلك النقطة.

والمقابل اللغوي في العربية لكلمة “gender” حرفيًا هو “الجنس” إلا أنه هنا لن يعطي نفس المعنى لذلك تم ترجمته إلى “النوع الاجتماعي” وهو المصطلح المقابل لكلمة جندر. ويقصد به نفس تعريف الجندر ويمكن توضيحه تفصيلًا بشكل معرب لغويًا وثقافيًا بالتالي:

النوع الاجتماعي (أو الجنس) يشير إلى الصفات والدور المجتمعي المتوقع من أفراد معينين بناءً على جنسهم البيولوجي. بمعنى آخر، يشمل النوع الاجتماعي السلوكيات والتوقعات التي ترتبط بالجنس البيولوجي للفرد.

مثلاً، في الثقافات المختلفة، يمكن أن تكون هناك توقعات معينة بشأن كيف يجب على الرجال والنساء أن تتصرف أو تظهر بشكل ما في المجتمع. ومن المهم أن نلاحظ أن هذه الصفات والتوقعات ليست ثابتة وقائمة على التحولات داخل المدينة الواحدة، كما أنها دائمة التغير عبر الزمن.

من ناحية أخرى، الجنس يشير إلى التصنيف البيولوجي الذي يستند إلى الخصائص الجسدية والتشريحية مثل الأعضاء التناسلية والهرمونات. تُقسم الجنسانية التقليدية إلى ذكر وأنثى، لكن هناك أيضًا حالات طبية تجعل بعض الأشخاص يتمتعون بخصائص جنسية متنوعة أو تفضيلات جنسية مختلفة أوسع من التصنيف التقليدي “مجتمع الميم”.

وانتهاءً إلى هنا فإننا في الجزء القادم سنتناول العلاقة بين الأقليات و”الجندر” أو النوع الاجتماعي بعد أن وضحنا هنا وفي المقال السابق مفهوم الكلمتين سندخل إلى الدستور المصري والأقليات الجندرية الموجودة في مصر. ومن ثم نتقدم أكثر في القوانين تحليلًا وتوضيحًا.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة