واصل البنك المركزي محاصرة بطاقات الخصم المباشر بالخارج، ووجه غالبية البنوك العاملة بالسوق المصرية إلى قصر استخدامها على السوق المحلية، في قرار جديد بعد عدة أشهر من وضعه حدًا أقصى لسحب النقد الأجنبي عبرها.
تصدر البنوك تلك البطاقات بالجنيه المصري، لكنها تسمح لحامليها بالشراء من خارج مصر أو السحب النقدي بعملة الدولة التي يتواجدون فيها، على أن تتم التسوية عبر نظام سويفت عالمي مقابل خصم عمولة على إتاحة الخدمة "لعميل يشتري من الخارج بما يعادل قيمة الجنيه ويتولى البنك الذي يصدر بطاقته الدفع بالدولار".
خلال اليومين الماضيين، تلقى عملاء البنوك الحاملين لتلك النوعية من البطاقات رسائل على الهواتف المحمولة بتوقف استخدامها دون إعلان رسمي من البنوك أو البنك المركزي المصري، الذي أصدر تلك التوجيهات دون أن يتم تحديد مدى زمني لامتداد تطبيق القرار.
تأتي هذه التوجيهات بعد عشرة أشهر من وضع المركزي سقفًا أعلى لسحب النقد الأجنبي باستخدام تلك البطاقات، علاوة على حظره طلب تدبير العملة لأغراض السفر للخارج من دون مغادرة البلاد، ومطالبته البنوك بالتأكد من تلك النقطة بسبب إساءة استعمال تلك البطاقات في أغراض الشراء والسياحة.
وأوضح مسؤول مصرفي - فضل عدم ذكر اسمه- أن البنك رصد على مدار الشهور الأخيرة تزايدًا ملحوظًا بعدد حاملي بطاقات الخصم والائتمان الخاصة، وإساءة استخدامها بشكل واضح، سواء من الذين يستخدمونها لتوفير العملة الصعبة من الخارج رغم عدم مغادرتهم البلاد مطلقًا، أو الذين يستخدمونها بشكل لا يتناسب مع طبيعة الاستخدامات المعتاد.
ضغط العملة الصعبة
يضيف المسؤول المصرفي، في تصريحه لمنصة "فكر تاني": "هذه البطاقات أصبحت بابًا خلفيًا للضغط على سعر صرف الدولار، لذا حاول البنك المركزي تجنب التوقف التام والفوري لها بتقليل الحدود القصوى للسحب من ماكينات الصراف الآلي من خارج مصر.. الخطوة دي حدت شوية لكن إساءة استخدامها لسه موجود".
كانت البنوك قد أجرت محاولة أخرى لتقليص استخدام البطاقات خارج مصر عبر وقف البطاقات المدفوعة مقدمًا في تعاملات السحب النقدي والمشتريات، وبررت القرار حينها باستحالة التأكد من هوية مستخدميها لصدورها دون حساب بنكي.
قرار يضر الشركات الناشئة
قوبل قرار الوقف الأخير بمخاوف واسعة بين مستخدمي تلك البطاقات، خاصة من الشركات التكنولوجية والناشئة التي يعتمد نشاطها على دفع أموال في تحديثات البرامج، حسبما يقول عمر فاروق، مؤسس شركة هرقليون التي تم تدشينها عام 2021 ومتخصصة في خدمات التسويق وتدشين المواقع على الإنترنت والألعاب الرقمية.
يضيف فاروق: "بنوك أوقفت الدفع إلكتروني بالعملة الصعبة لحسابات الشركات وجايلي إشعار بده من شوية، يعني على سبيل المثال لا الحصر، لو بتستخدم Hosting أو Domains فمش هتقدر تدفع نظير الخدمات دي وغيرها كتير.. بمعنى تاني، أي شركة مصرية طبيعية بتستخدم كارد الحساب بتاعها في الدفع الإلكتروني عشان تشغل خدماتها، هيتعملها عزل تام عن العالم الخارجي في نطاق المدفوعات".
اقرأ أيضًا: هل تخفيض قيمة الجنيه يحل الأزمة؟.. كتالوج صندوق النقد لا يتغير
يتابع: "بحكم إن الخدمات اللي بنحتاجها للتشغيل كلها حلول ونظم برمجية بتحتم علينا الدفع بالعملة الصعبة وبشكل إلكتروني يعني مش خيار - فالقرار ده كفيل إنه يعمل شلل تام لكل الـ Tools الأساسية اللي بنستخدمها في إنجاز الشغل لعملائنا.. قطاع البرمجيات في مصر سواء على مستوى الأفراد أو الشركات مش قليل، ولو بندفع X نظير الـ Tools فاحنا بندخل قدامها 5X على الأقل عملة صعبة للبلد برضه".
وفقًا لآخر بيانات البنك المركزي، فإن عدد بطاقات الخصم المباشر ارتفعت في البنوك المصرية لتسجل 21.55 مليون بطاقة بنهاية ديسمبر 2021، مقابل 17.32 مليون بطاقة بنهاية ديسمبر 2019، لكن البنك أكد أنه خلال الـ6 أشهر الأخيرة من 2021 ارتفعت بنحو 1.4 مليون بطاقة.
هل للوقف ضرورة اقتصادية؟
يرى "فاروق" أن وقف هذه البطاقات يحمل ضررًا كبيرًا على الاقتصاد. يقول: "بصراحة مش فاهم اللي بياخد قرارات التضييق المالي العظيمة دي بيكون دارس أثرها على القطاع الخاص الناشئ ولا لأ، خصوصًا إنك بتوقف الدفع الدولي لحسابات شركات مش أفراد! على العموم احنا عملنا حسابنا وخدنا خطوة استباقية ودفعنا الـ Tools بتاعتنا سنة قدام، وخلال السنة دي هنوجه كل جهودنا للانتقال بالبيزنس إلى الإمارات أو السعودية، لأن واضح إن الوضع ده لا نافع ولا ناوي يتظبط".
استقطبت السعودية بالفعل عددًا من رواد الأعمال المصريين في ظل خطة لاستقطاب الشباب وأصحاب الأفكار، فضلاً عن الدعم الذي وفره رجال أعمال سعوديين لشركات مصرية ناشئة في جولاتها التمويلية خلال السنوات الأخيرة، وتكرر الأمر مع الإمارات ااتي استضطبت شركات مصرية مثل شركة النقل "سويفل".
يقول محمد شكري، من رواد الأعمال، إن القرار سيحمل انعكاسًا على مستوى الأسعار في السوق: "لأن مدفوعات Booking أو Amazon وغيرها كتير جدًا بالدولار، والرسالة التي وردت لحملة بطاقات الخصم تقتصر على البطاقات المصرية فقط ولم تشمل Master card ولو القرار اتطبق على Master Card سيحصل استغلال من شركات كتير جدًا، والحاجة اللي كانت بتدفع بـ 10 جنيه هتبقى بـ 20".
تشمل التأثيرات جميع القطاعات، فبحسب محمود كامل، ممثل، فإن القرار سيصل للترفيه، قائلاً: مش هتعرف تدفع اشتراكNetflix ، مش هتعرف تدفع اشتراك شاهد، مش هتعرف تشتري أي باقة أو اشتراك لـ PlayStation ، ومش هتعرف تدفع أي حاجة خاصة بمساحات التخزين لـApple iCloud، ومش هتعرف تعمل أي إعلانات لشغلك الشخصي على أي منصة تواصل اجتماعي".
اقرأ ايضًا: "بنحوش خضار بدل الفلوس".. أزمة الأسعار تُغيب "طبق السلطة" عن موائد المصريين
بطاقات الخصم المباشر.. استخدام سيئ
للدكتورة سهر الدماطي، الخبيرة المصرفية، رأي مغاير. تقول: "فيه ناس أخدت البطاقات واستخدمتها في شراء ذهب وأجهزة موبايل مرتفعة واستفادت من فرق السعر يعني يحاسب على البضاعة بتاعته بـ 31 جنيه بسعر الدولار الرسمي ويبيع المنتج بسعر الدولار في السوق السواء بـ 39 جنيه".
تضيف: "البطاقات دي أسيئ استخدامها في توقيت البلد تعاني من أزمة عملة صعبة.. ده مش أول قرار من نوعه وحصل قبل كده في 2015 و2016.. الكروت دي حطت بعض البنوك في موقف بايخ مع البنوك الأجنبية.. ووقفها طبيعي في ظل سعي الدولة لتوفير العملة الصعبة للسلع الأساسية والاستراتيجية".