رأي| العبور الجنسي بين الدولة والحوار الوطني

عندما أصبح واقع المواطن المصري أكثر تعقيدًا ويأسًا من قبل، فكان من الضروري الدعوة إلى تأسيس مجلس جديد تكون وظيفته مشاركة خطابات مختلفة بين فئات الشعب. بناءً على رؤية الدولة لأهمية تناول المجلس الموضوعات التي تهم المواطن المصري عن طريق ممثلين عن فئات الشعب فأصبحت هذه الفكرة نواة لمجلس جديد للحوار الوطني. مَثَل الحوار دعوة للتواصل الفعال بين جميع أطياف المجتمع وقواه السياسية، الاقتصادية، والمجتمعية، وسماع وجهات النظر المختلفة وخلق فرص تبادل الرؤى والمقترحات للوصول بمساحات مشتركة نحو الجمهورية الجديدة. ومن أهدافه:

١- الكشف عن كوادر مؤهلة في كل النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

٢- ضمان حياة كريمة تليق بالمواطن المصري والنقاش حول آليات تحقيقها في جميع المجالات.

٣- دعوة أطياف المجتمع المختلفة للتحاور والجلوس على طاولة واحدة.

٤- دعم جهود التوافق عن طريق بناء جسور الثقة والاحترام متبادل.

لعل الحوار الوطني سيحقق أهدافه عن طريق دمج كل فئات الشعب لتحقيق مناخ ديمقراطي عادل، وبالرغم من ذلك، يظل مجتمع العابرين والعابرات جنسيًا مهمشًا لا صوت له مغضوب عليهم مما يدور في الحوار الوطني. ومن المربك أن يرى أعضاء مجلس الحوار الوطني النظر في مراجعة أوضاع المسجونين والمحبوسين احتياطيًا والممنوعين من السفر من غير المُدانين أو المتهمين باستخدام العنف أو التحريض عليه وتعديل أحكام الحبس الاحتياطي بالشكل الذي لا يسمح بأن يتحول هذا الإجراء الاحترازي في أصله وهدفه إلى نوع من أنواع العقوبات التي توقع بدون أحكام قضائية، ولا ينطبق على العابرين والعابرات جنسياً الذين غالبًا ما يتم حبسهم على ذمة قضايا نشر الفسق والفجور أو الدعارة ويزج بهم إلى زنازين لا تطابق هويتهم الجندرية مما يعرضهم إلى العنف والتحرش الجنسي بداخلها. ولكن الظروف التي تم وصفها مشابهة تمامًا فيما يخص الحبس الاحتياطي، فهم لم يستخدموا العنف ولم يحرضوا عليه.

لإعادة النظر في ذلك، يجب أولاََ تسهيل عملية استخراج بطاقات الهوية وتسريع وتيرتها. ومن هذا المنطلق فمشاركة العابرين جنسيًا في الحياة السياسية ودمجهم في الحوار الوطني قد يفتح أذهان المسئولين على قضايا أخرى تستحق التطرق إليها. على الأغلب مشاركة العابرين جنسيًا في الحوار الوطني ستؤتى ثمارها عند تقديمهم اقتراحات لتطوير منظومة الحبس الاحتياطي وتعديل الإجراءات فيما يخصهم.

يوصي مجلس الحوار الوطني كل القوى الفاعلة في الحياة السياسية المصرية من المؤيدين والمعارضين والمستقلين بالنظر في عملية الانتخابات الرئاسية المقبلة ويصفها باستحقاق يدعم مسار دولة القانون المدنية الديمقراطية الحديثة. من وجهة نظر شخصية فالاستحقاق الأكبر الذي سيعود على الدولة بكل الخيرات هو دمج الأقليات لاسيما الجندرية. إذا كان القانون ينظم الحياة الاجتماعية فلابد من دمج الطوائف الكائنة بالمجتمع وذلك تحقيقًا لقوانين الديمقراطية الحديثة. قد يساعد وجود الأقليات الجندرية في سن قوانين تعترف بالنوع الاجتماعي وتنظر في الأحوال الشخصية والمدنية للعابرين جنسيًا. هذه القوانين ستكون أكثر مصداقية وشفافية وإنصافاًَ فهي تدعم فئات على دراية بالأحوال الشائكة حولهم.

من أهداف الحوار الوطني، الالتزام الكامل من كافة الأطراف السياسية والمجتمعية بالاستمرار في نبذ ومكافحة قوى الإرهاب ممن مارسوا العنف وحاولوا توظيف الدين في العمل السياسي دون أي إشارة إلى العنف الممنهج المستمر كل يوم ضد الأقليات الجندرية كالنساء والعابرات والعابرين جنسيًا. فحتى عندما لوحظ توجه الحوار الوطني نحو ذلك بسبب الانتخابات الرئاسية، لم يُفتح باب لتأمين مشاركة العابرين جنسيًا في العملية الانتخابية.

الدستور المصري يكفل حق الجميع في المشاركة الانتخابية ولكنه في الأساس دستور لا يعترف بالنوع الاجتماعي فلا يتم تنظيم حياة العابرين جنسيًا عن طريقه. إذا كان للجميع الحق في المشاركة في الحياة السياسية فيجب أولاََ تسهيل استخراج الأوراق والهويات الرسمية.

فيما ورد في بيان الحوار الوطني في صفحته على فيس بوك: “وهذا هو واجب حال وعاجل على الجميع، أن يتم التوافق على أن أي إصلاح اقتصادي أو جهد تنموي، إنما يهدفان إلى تحسين مستوي معيشة المصريين يومًا وراء يوم وعامًا وراء عام، مع اتخاذ القرارات الاقتصادية الكفيلة بتحسين المعيشة ويضمن الحياة الكريمة ويحقق العدالة الاجتماعية.” هنا قد تذهب الأذهان إلى مجتمع العابرين جنسيًا فهم مصريون ذوو قضية تزداد تعقيداً يوماًَ بعد يوم مما يؤدى إلى إهدار طاقات هؤلاء أو تسربهم من منظومة العمل الرسمية والتعليم مما يعيق مسيرتهم الشخصية وتحولهم إلى طاقات مهدرة. عند بذل مسئولي الحوار الوطني جهود مضنية نحو تحسين ظروف المعيشة عن طريق الإصلاحات الاقتصادية والجهود التنموية فيجب أولاََ البحث عن الأقليات التي هُمشَت وتم اقصائها ثم وضع خطة شاملة لدمجهم مرة أخرى. ولتحقيق العدالة الاجتماعية فمن الضروري إلحاق العابرين والعابرات جنسيًا بمنظومة التأمين الصحي لما يواجهونه من قلة دخل قد لا تمكنهم أحيانًا من الاستمرار في تلقى العلاج. ضمان الصحة ووفرة الدخل لا يجب النظر إليهما كرفاهية، بل أساسيات وأقل الحقوق التي يجب ضمانها للأفراد.

أثناء كل محاولة تقوم بها الدولة لتحسين أوضاع مواطنيها، لابد من الالتفات لكل الأقليات والسعي لتفهم أوضاعهم لتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية بين الأفراد. في النهاية تظل الذكورية تحكم وتوجه بدفتها حياة الأقليات الجندرية ولكن ألم يحن الوقت بعد للنظر في الاستفادة من كوادر بشرية ودمجها في المنظومة؟

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة