"بيرفضوني عشان شكلي.. مش عشان مش بعرف اشتغل مثلا". شهور عدة قضتها "هاجر" العشرينية التي اعتادت أن تتفحص صباح كل يوم الإيميل الخاص بها، أملًا أن تجد رسالة بموعد مقابلة شخصية لا تقع فيها ضحية للتمييز على أساس الشكل لا الجوهر والقدرة على أداء وظيفتها كمسؤولة "سوشيال ميديا".
وظيفة لم تكن من اهتمامات "هاجر"، لكنها تعلمتها واحترفت معها أساسيات التسويق الرقمي، لتصنع سيرة عمل ذاتية تؤهلها للقبول بسهولة. أو هكذا كانت تقتنع قبل أن تُدرك معايير التمييز الوظيفي الذي ستكون واحدة من ضحاياه.
بنت ولا ولد؟
تُعرف الأمم المتحدة "التمييز العنصري" بأنه أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم علي أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الأثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، على قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة.
اقرأ أيضًا: رأي | الصور النمطية نحو النساء.. التحيز والتمييز
تُفضل "هاجر" قصات الشعر القصير، وتميل إلى ارتداء القطع القطنية المريحة الفضفاضة والأحذية الرياضية، وبهذا تعلل أسباب رفضها في أي وظيفة تتقدم إليها. "طول ما الشغل أونلاين من البيت بتقبل وما بيكونش في مشكلة خالص مع الشركات، لكن لما بيطلبوا يكون من المكتب بتحصل المشكلة، بيتنمروا على شكلي. الناس اللى بتعمل معايا الإنترفيو بتقولي: هو أنتي بنت ولا ولد. بمنتهى السخافة وقلة الذوق بيقولولي كده".
التنمر في مصر
يتنشر "التنمر" بوصفه أحد أشكال العنف، في أوساط المجتمع المصري، بتنوع أشكاله التي تستهدف الأفراد أو المجموعات، الأمر الذي وصل حد يتنشر "التنمر" بوصفه أحد أشكال العنف، في أوساط المجتمع المصري، بتنوع أشكاله التي تستهدف الأفراد أو المجموعات، وتنامي في السنوات الأخيرة حتى استدعى تدخل رسمي في يوليو 2020 بموافقة مجلس الوزراء على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، من خلال إضافة مادة جديدة برقم "309 مكررًا ب"، والتي أوردت تعريفًا للتنمر.
عرف التشريع الجديد "التنمر" باعتباره أي فعل يندرج تحت النقاط التالية:
- يُعد تنمرا كل استعراض قوة أو سيطرة للجاني، أو استغلال ضعف للمجني عليه، أو لحالة يعتقد الجاني أنها تُسئ للمجني عليه، كالجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية، أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعي، بقصد تخويفه أو وضعه موضع السخرية، أو الحط من شأنها أو إقصائه عن محيطه الاجتماعي.
- عقاب المُتنمر بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على 30 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
- تشديد العقوبة إذا توافر أحد ظرفين، أحدهما وقوع الجريمة من شخصين أو أكثر، والآخر إذا كان الفاعل من أصول المجني عليه أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه.
- تُشدد العقوبة أيضًا إذا كان مسلمًا إليه بمقتضى القانون أو بموجب حكم قضائي أو كان خادما لدى الجاني، لتكون العقوبة بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه، ولا تزيد على 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
- مُضاعفة الحد الأدنى للعقوبة حال اجتماع الظرفين وفي حالة العود تُضاعف العقوبة في حديها الأدنى والأقصى.
وبتاريخ سبتمبر من العام نفسه، دخل تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي على التشريع الجديد، حيز التنفيذ والتطبيق الفعلي على الأرض.
التمييز الوظيفي
وظيفتي مش محتاجة بهرجة عشان أبهر اللي بيعملي الإنترفيو.. عشان كده بروح المقابلة بملابس بسيطة ونظيفة وده المهم يعني.. بس المشكلة معاهم إن شكلي زي الولاد وأنا بنت.. المشكلة في دماغهم إني مش شبه البنات اللي شغاله معاهم، تعبت نفسيًا فعلًا من إني أحكي الحوار ده.. حياتي واقفة عشان شكلي مش عاجب موظفين الـ HR".
اقرأ أيضًا: التمييز في الوظائف بسبب الجنس أو اللون
وفق الاتفاقية الأممية (رقم 111) الخاصة بالتمييز في مجال الاستخدام والمهنة، تشمل كلمة "تمييز":
- أي ميز أو استثناء أو تفضيل يتم علي أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو الرأي السياسي أو الأصل الوطني أو المنشأ الاجتماعي، ويسفر عن إبطال أو انتقاص المساواة في الفرص أو في المعاملة على صعيد الاستخدام أو المهنة،
- أي ضرب آخر من ضروب الميز أو الاستثناء أو التفضيل يكون من أثره إبطال أو انتقاص المساواة في الفرص أو المعاملة على صعيد الاستخدام والمهنة قد يحدده العضو المعني بعد التشاور مع المنظمات التمثيلية لأصحاب العمل وللعمال، إن وجدت، ومع غيرهم من الهيئات المناسبة.
- لا يعتبر تمييزا أي ميز أو استثناء أو تفضيل بصدد عمل معين إذا كان مبنيا على أساس المؤهلات التي تقتضيها طبيعة هذا العمل.
وبالعودة إلى ما وقع لـ"هاجر" بالتحديد، فإنه يعد تمييزًا بناءً على الهوية الجندرية، رغم أنها لم تعلن عنها ولم ولن نوجه لها سؤالًا بشأنها. إلا أن نظرة الآخرين لها تبقى مقتصرة على نوعها الاجتماعي، دون مراعاة قدراتها المهنية.