رأي | الصور النمطية نحو النساء.. التحيز والتمييز

كلنا كأفراد موجودون بالفعل، نعاني من القوالب والأنماط التي لم نقررها ولكن علينا أن نمتثل لها بأي حال ومن ضمن الأنماط المجحفة الصور المعممة عن مجموعة معينة من الناس، ألا وهي الصور النمطية وتعريفها ” الحكم الصادر بسبب وجود فكرة مسبقة في شيوع فكرة معينة عن فئة معينة”، وهي بالطبع تركز على الفروق بين الناس. تختص الصورة النمطية بالظلم لاعتمادها على تصنيف فئة من الناس والحكم عليها بمميزات ثابتة وغير قابلة للتغيير، وهي تحدث بلا إدراك. قد ينتج عن اتباع الصور النمطية التحيز الذي بدوره يرسخ التمييز. لعل الأقليات الجندرية من النساء ومجتمع الميم هم الأكثر تعرضًا وتعاملاًَ مع هذه الأنماط بشكل يومي. قد تمت قولبة المرأة في إطار “العاطفية” وهو الإطار الذي مهد أرضاًَ صلبة لإسناد أدوار اجتماعية لا نهائية فهي ذات الحس المرهف والمظهر الجيد ولكنها الصديقة الغيورة وهى المديرة التي لا يعجبها العجب ولا الصيام في رجب وهى ذاتها الابنة والزوجة والأم … الخ.

لطالما ظلت الفكرة السائدة عن النساء هي غيرتهن المفرطة من بعضهن وهذه الصورة نفسها مبنية على ربط النساء بالعاطفة المفرطة وهي صورة نمطية خاطئة. تقع النساء تحت هيمنة المجتمعات والأفكار الذكورية التي تسلبها الحق في تقرير ما يجري في حياتها وبالتالي هناك بعض النساء اللواتي لا يحظين بالأمان فلا يدركن مزاياهن من الأساس فينتهي الأمر بتبرير هذا بغيرة النساء. إنه لمن البائس حقًا أن يوصم المجتمع إنسانة بالغيرة من صديقتها الأكثر جمالاً منها دون النظر إلى ما تعانيه من قلة حيله وقلة اتخاذ قرار فيما يخصها.  

من منطلق عدم إحساس معظم النساء بالأمان يأتي ذكر تنميط ووصم النساء المتكرر بالمادية. تتكرر شكوى الرجال من الضغوطات المادية ومن النساء اللواتي يفضلن صاحب السيارات الفارهة. يقال إن النساء يحببن كل ما هو غالي من ملابس وسيارات ومستحضرات تجميل وهدايا قيمة بل وهناك أيضًا الشكوى من مطالبة النساء بمهر غال وبمطالبة العائلة للزوج بتجهيز مسكن بكل لوازمه. إنه من المحزن حقاًَ كيف أتى الرجال بكل الرأسمالية إلى حياتنا ثم محاولة التملص من مسئولياتهم فالأدوار الاجتماعية التي تخدم الرجل في النهاية هي نفسها التي تسلب المرأة أمانها وإحساسها بقيمتها فتسعى إليهم عن طريق أشياء مادية. الزوجة كدور اجتماعي لا يضمن أي أمان للمرأة ولذلك تبحث عن القيمة المادية في شريكها أيضاً.

من الصور النمطية التي تتجلى الأدوار الاجتماعية واضحةَ فيها هي صعوبة العمل مع النساء ولكن الحقيقة وراء ذلك هي وصول التمييز بين الجنسين إلى ذروته فسلوك المدير المستبد قد يكون مقبولاً ويوصف بالصرامة الزائدة ولكن إن كانت مديرة فينظر إليها أنها مستبدة وعنيفة والعمل معها مضيعة للوقت. بعض النساء يقعن في فخ إدمان العمل لأنهن وجدن في الاستقلال الاقتصادي بعضًا من الحرية والمساحة الآمنة بالإضافة إلى أن على المرأة العاملة دائماًَ إثبات أنها أكثر كفاءة من أقرانها الرجال. على أرض الواقع تكون النمطية درباًَ من دروب الخيال فنجد أن النساء أكثر جدية من الرجال، ففي عام ٢٠١٨ أصدر موقع هايف HIVE نتيجة إحصاءات بناءََ على بيانات ٣ آلاف مستخدم من الذكور والإناث للمنصة، فوجد أن النساء أكثر إنتاجية من الرجال في أماكن العمل بنسبة ١٠٪ مع معدل إتمام عمل مساو قليلاً أو أكثر من الرجال. وجدت هذه البيانات أن ٥٥٪ من المهام يتم تكليف النساء بها و٤٥ ٪ فقط من المهام يكلف بها الرجال. بالإضافة إلى نوعية المهام فيتم إسناد الكثير من المهام غير القابلة للترقية وهي مهام مفيدة للمنظمة لكنها لا تساهم في التقدم الوظيفي للفرد مما يعنى أن العاملات من النساء تقومن بمهام رفضها أقرانهن من الرجال، فتُسند لهن. كل هذه الأسباب تجعل ميزان القوى في صف الرجل ولكن في النهاية تُطالب المرأة بالموازنة بين العمل والحياة، ولكن العمل نفسه ينتهي بغزو الحياة الشخصية للنساء وحينها قد يصبحن أكثر عصبية وغضباًَ ويصبح من السذاجة القول بأن العمل مع النساء لا يُحتمل.

مهما كان وضع المرأة في المجتمع ومهما كانت أدوارها المختلفة، فعلى النساء دائماًَ الموازنة بين كل الأدوار. بل ووضع العائلة على رأس الأولويات دائماًَ ولابد أن تكون الأمومة بينها. من الصور النمطية الأمومة وهذا أيضًا بسبب قصر دور المرأة في المجتمع على الاهتمام بالمنزل وتربية الأطفال وغير ذلك لا قيمة له ولكن تنميط شخصية المرأة بالعاطفية قد رصف طريقاًَ آخر لنمطية الأمومة فالأم دائماً الوفية والداعمة المضحية وهذه مغالطة جسيمة. يتم الضغط على المرأة لا سيما المتزوجة للإنجاب فيجعل منها شخصيه أكثر عاطفية وتوتراًَ وأقل أماناًَ وقد يصل بها الحال عند تربية الأبناء إلى أم غير سوية وأكثر عصبية وأقل دعمًا فالتربية تتطلب أكثر من الدعم والتضحية، فاستمرارنا كنساء في أدوارنا هو عين التضحية. نمطية ضرورة المرأة للإنجاب ما هو إلى نتاج طبيعي لفكرة ربة المنزل غير العاملة، فيرى المجتمع أن حياتها أكثر هدوءً من المرأة العاملة وأن إنجاب الأطفال وتربيتهم هو عملها الأصيل ولكن لا أحد يعلم ما يجري وراء جدران المنزل فقد تكون لربته حياة أكثر صعوبة وتحدياًَ عن تلك التي تعمل، فالأولى ليست لها سوى منزلها تعيش فيه وتعمل به عملاََ غير مدفوع الأجر. والآن مع بدء انتشار الفلسفة اللا إنجابية واختيار الأفراد لها يظل يقع اللوم على المرأة إن اختارت عدم الإنجاب فالرجل يظل دوره الاجتماعي رجلاً وتظل مهنته الإنفاق ولكن المرأة تظل ذات الألف ذراع.

في النهاية تظل الصور النمطية تحتل حياتنا كنساء وتجعلها أكثر تعقيدًا وتجعل المجتمع أكثر مطالبة لنا بتأدية المزيد من الأدوار وهو التحيز الذي يتبعه التمييز الممارس ضدنا في كل مكان. يخلق التمييز من كبد التحيز فيقذف كل البؤس في واجهة النساء فنصبح أكثر دفاعية وهوساًَ وحباًَ للسيطرة وإثبات الذات فيظل المجتمع في ممارسة المزيد من الأنماط بالمزيد من التحيز والتمييز.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة