هيكل والزعيم

منذ أيام كانت مئوية ميلاد الصحفي المخضرم محمد حسنين هيكل(23 سبتمبر 1923) واليوم تحل ذكرى وفاة الزعيم جمال عبد الناصر (28 سبتمبر 1970)، والأيام الخمسة بين ميلاد الكاتب ورحيل القائد تتكرر بالسنين فالأستاذ هيكل كان يصغر جمال عبد الناصر والسادات بخمس سنوات ويكبر عن حسني مبارك بخمس سنوات أيضا وهؤلاء هم من عاصروه وعاصرهم طيلة تاريخهم وشاهد علي عصورهم وبالتالي فنحن أمام شخصية فذة، وإن أردت أن أكتب تاريخ مصر المعاصر كاملاً فيكفي أن أقرأ مذكرات هيكل ليس من أجل معرفة الماضي فقط بل لقراءة المستقبل، لكن عندما  تشاء الأقدار لأجمع شخصين في مقالة فلم أجد أقرب من عبد الناصر وظله بل أقول وعقله !

بدأ هيكل بعد تخرجه من الجامعة الأمريكية عمله الصحفي عام 1942 مغطيًا أحداث الحرب العالمية الثانية ومعركة العالمين الفاصلة، حاول هيكل في شبابه لفت انتباه الملك فاروق في أكثر من مقال دون جدوى، واستمر يبحث عن الطريقة التي تقربه من السلطة لممارسة هوايته المفضلة، هو لم يرد أن يصبح مجرد صحفي ناقلا للخبر، لكنه يتطلع أن يكون من صناع الخبر، وجاءت الفرصة بعدما حرر كتاب فلسفة الثورة مع جمال عبد الناصر، حينها أصبح هيكل جزء من الزعيم وبالتالي مشترك في صناعة القرار السياسي ليس في مصر فقط بل العالم العربي أجمع.

في تلك الفترة، كانت الولايات المتحدة هي زعيمة العالم الأول والاتحاد السوفيتي زعيم العالم الثاني فكانت مصر في الحقبة الناصرية زعيمة العالم الثالث بجدارة ولا يحقق الزعامة إلا زعيم، كانت خطابات عبد الناصر مؤثرة في كل المستويات كان الحضور طاغيًا سواء في الشارع المصري أو في مؤتمرات القمة العربية أو حتى في الأمم المتحدة، ولكن ما علاقة هيكل بزعامة عبدالناصر؟

هيكل هو من كتب لحظات الشموخ والانكسار في أهم مواجهات عبد الناصر للعالم ولشعبه، كان خطاب التأميم أشهر لحظات الكبرياء والقوة في حياة عبد الناصر وخطاب التنحي كان أشهر لحظات الألم والانكسار .

من خطاب التأميم 26يوليو1956 :

“باسم الأمة، رئيس الجمهورية، مادة 1 ، تأمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية، وينتقل إلى الدولة جميع مالها من حقوق وما عليها من التزامات ..

من خطاب التنحي  9 يونيو1967:

“ولقد أتخذت قرارًا أريدكم جميعًا أن تساعدونني عليه، لقد قررت أن أتنحي تمامًا ونهائيًا عن أي منصب رسمي وأي دور سياسي وأن أعود لصفوف الجماهير أؤدي واجبي نحوها كأي مواطن …

خطابات هيكل أنقذت مواقف من الصعب أن يغفر لها لأي حاكم آخر. بعد هزيمة 1967، إن لم يكتب هيكل خطاب التنحي بهذا الأسلوب العاطفي البليغ وإن لم يواجه عبد الناصر الشعب بهذا الصدق العميق لتغير المسار تمامًا، إن شعر الشعب بتمسك عبد الناصر بالسلطة رغم الفشل العسكري ستسقط الزعامة وهذه مسألة نفسية قرأها هيكل بحسه الصحفي.  فالسياسي هو من يعرف نتائج القرار قبل اتخاذه وليس بعد اتخاذه ومن هنا هيكل كان يعرف جيدًا أن الشعب لن يتخلي عن قائده وهو ما حدث بالفعل .

إن لم يكن هيكل في حياة الزعيم ولم يكن الزعيم في حياة هيكل ربما لذهب هيكل دون أن نعرفه حقًا وسقط جمال في أولى الخطابات، لا أقول أن فكر هيكل من صنع زعامة عبد الناصر ولا أقول أن عبد الناصر من اكتشف هيكل فالعلاقة متكاملة وكل خطابات هيكل لن يكون لها أي تأثير بدون صوت عبد الناصر .

ظن البعض أن حياة هيكل انتهت بعد رحيله من مؤسسة الأهرام بعد خلافه مع سياسة السادات لكن ماحدث العكس كما يصفه وزير الخارجية البريطاني انتوني ايدن ” عندما كان قرب القمة كان الكل يهتمون بما يعرفه، وعندما ابتعد عن القمة تحول اهتمام الكل إلى ما يفكر فيه “

حاور هيكل العديد من القادة حول العالم. وحاوره أيضاً المئات وكتب أكثر من ألف مقال وله العديد من المؤلفات أبزها : أكتوبر 73 السلاح والسياسة ، حرب من نوع جديد ، عند مفترق الطرق ، مصر والقرن الواحد والعشرون ، لمصر لا لعبد الناصر ، خريف الغضب ، مبارك وزمانه ..

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة