عادةً، لا تستهويني الدراما المصرية الحديثة ولا أعتقد أني وحدي في ذلك، فمن تابع متلهفًا "حديث الصباح والمساء" و"ليالي الحلمية" ودمعت عيناه مع "المال والبنون" ودق قلبه لـ"هوانم جاردن سيتي" من الصعب أن يلتفت لأعمال خالية من الفن مليئة بالعبث، لذلك أسعد كثيرًا ولا أفكر في الميجابايتس الضائعة عندما أشاهد أعمالًا درامية ذات رسالة، أو تسلط الضوء على قضايا حقيقية أو مشاكل اجتماعية أو نفسية نعيشها حقًا في الواقع حتى وإن كانت مثيرة للجدل، فالجدل يدفعنا للنقاش والتفكير وتأمل حالنا وقد تدفعنا دفعًا لتغييره للأفضل.
حالة منتشرة ومسكوت عنها أثارها مسلسل "حدث بالفعل– تحت الحزام"، وهي العلاقة السامة والتعلق المرضي الذي ينشأ بين الأم وابنها، وأنا هنا لا أعمم –حاشا لله– فطبيعة الأم السوية أن تعشق فلذة كبدها وتحبه، إلا أن هناك فرق كبير بين الحب والهوس، وهو ما نتحدث عنه.
في المسلسل رددت الفنانة "غادة عبدالرازق" بعض الكلمات استحوذت على اهتمامي ...
"عايزة تاخديه مني؟ عايزة تربطيه جنبك إنتي؟ يحبك زيي أنا؟ عايزة تاخديه وتسافري يا أنانية؟"، لقد سمعت هذه الكلمات من قبل بنفس الطريقة من وعلى لسان أشخاص مختلفين كان العامل المشترك بينهم أنهم أحالوا حياة أبنائهم العاطفية والعائلية جحيمًا، هذه الكلمات ليست عابرة أو عادية بل هي مؤشر قوي على وجود خلل في علاقة هذه الأم بابنها.
فالأم التي تحب ابنها لدرجة التلاعب العاطفي به والتحكم فيه وفي اختياراته لشكل حياته ومستقبله وعلاقاته وشريكته هي أم مهووسة متحكمة مؤذية وليست أم محبة يجب أن تُراعى مشاعرها أو يُسكت عن أفعالها.
النظرية التي عايشتها والتي تأكدت من أرجحيتها أكثر بعد كثير من القراءات والقصص المروية والمقالات الطبية، أن هؤلاء الأمهات هن زوجات فقدن أزواجهن سواء بالمعنى الحرفي أو المجازي، إما أرامل أو يبغضن أزواجهن لأسباب مختلفة ولا يجمعهم ببعضهم أي تفاهم أو ألفة، فيقوم عقل الأم لاشعوريًا بتحويل عاطفتها كاملة تجاه ابنها ليكون محور حياتها، وتحاول أن تصنع منه صورة الرجل الذي تتمنى وتحلم به أي إمرأة.
ومن هنا تنذر كل حياتها لابنها وتعلق عليه كافة آمالها وتحيطه بأشكال مبالغ فيها من الاهتمام والرعاية، حد التدخل في كل ما يخصه بدءً من الأشياء الصغيرة كالأكل والملابس وطريقة الجلوس ونوع الطعام مثلا، ثم يتفاقم الوضع لأن تحل كل مشاكله وتتخذ عنه قراراته، وتتدخل في محطاته الجوهرية كالأحلام والأشخاص والمستقبل، وحتى شريكة حياته وديكور منزله ومدارس أبنائه ومصادر إنفاقه.
الأكثر سوءً في كل ذلك، أنه في الوقت الذي نرى فيه هذه الأم متسلطة أو متحكمة أو مجنونة، ترى هي أن هذا حقها بالكامل، هوسها وحب تملكها لابنها يجعلها تعتقد يقينًا أن لها كامل ومطلق حق التحكم في حياته، وقد أشار صناع العمل لهذا الأمر في جملة عميقة قالتها غادة عبدالرازق في بداية المسلسل :"مين قال إن اللي يدافع عن حقه مجنون أو غلط؟".
مثل هذا النوع من الأمراض النفسية والعلاقة السامة لا يشعر بها الابن في معظم الأحيان، فتربيته بابتزاز عاطفي يفيض رعاية واهتمامًا مبالغ فيهما ينشئ شخصية هشة وسلبية ضعيفة ومهزوزة، تنساق غالبًا خلف قرارات الأم في كل شيء، لا يعرف كيف يواجه مشاكله ولا كيفية حلها طوال حياته تقريبًا، وذلك يكون السبب الأكبر في خراب الكثير من البيوت والعلاقات وتدميرها.
احذري عزيزتي أن تكوني هذه الأم لأنك الآن تكتبين نهاية وليدكِ بيديكِ، أما إن كنتِ عروسًا.. راقبي حماتكِ وانتبهي للكلمات، إن لاحظت تشابهًا بين ما قلناه في الأعلى وما يحدث معك لا تفكري مرتين.. نصيحتي إليكِ.. اهربي.