“في ناس بتلعب كورة في الشارع
وناس بتمشي ، تغني، تاخد صورة في الشارع
في ناس بتشتم بعض، تضرب بعض
تقتل بعض في الشارع
في ناس تنام على الأرض في الشارع
وناس تبيع العرض في الشارع
وفي الشارع أخطاء كتير صبحت صحيحة
لكن صحيح هتبقى فضيحة
لو يوم نسينا وبوسنا بعض في الشارع”
-افتتاحية فيلم الحريف من كلمات أمينة جاهين.
في الشارع المصري تجد كل هذا وأكثر، بينما لو “يوم نسينا وبوسنا بعض في الشارع” ستحدث فضيحة حقيقية ربما تنتهي بقضية فعل فاضح في الطريق العام، لأن “البوسة” تعد فعلًا فاضحًا، وخادشة للحياء العام، وفقًا للمادة رقم 278 من قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937 «كل من فعل علانية فعل فاضحًا مخلًا بالحياء يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة أو غرامة لا تتجاوز ثلاثمائة جنيه”، حتى لو كانا زوجًا وزوجة.
والحقيقة ليست مشكلة القانون وحده، هي مشكلة العقل الجمعي بأسره، مشكلة ما يسمى بقيم الأسرة المصرية، هي مشكلة وصائية بحتة، يحرك تلك الوصاية الحرمان غير المبرر الذي عشنا فيه سنوات طويلة جدًا، فترسخ لدينا في الوعي الجمعي آفاتان هما: الوصاية، والازدواجية، وكلاهما مرتبط بالآخر بشكل ما، وهذان هما أساس الشرر.
الوصاية والازدواجية وجهان لعملة واحدة
الوصاية المجتمعية نفسها مزدوجة، فهي تكيل بمكيالين طوال الوقت، فتغمض عينها عن مشاهد التحرش والتبول والعنف، حتى أن بعض هذه المشاهد أصبح عادة من كثرة حدوثها وتطبيع الشارع والناس معها فصارت تحدث بأريحية شديدة، تخيل أن شخص يخرج عضوه الذكري جهارًا نهارًا ليتبول أمام الناس في الشارع ولا يتأذى أحد ولا يمتعض أحد، ولا أحد يقف ليسأل نفسه أو ليفكر ماذا يحدث!
كل هذه المشاهد وأكثر، تحدث يوميًا ولا تمسها الوصاية المجتمعية بسوء، لكن عندما يظهر في الشارع شخصان منسجمان عاطفيًا أو بدا عليهما الحب، تتحفز تلك الوصاية على الفور لترصد هذا الانسجام وتراقبه حتى لا يتطور فتصبح فضيحة، وتتمثل تلك الوصاية في سائق “الميكروباص” الذي ينظر في مرآته كل ثلاث ثوان ليتأكد بنفسه أن الإثنان الجالسان على الكرسي الخلفي لا يصدر منهما أي فعل فاضح، وإلا سيذهب بهما إلى القسم أو في أحسن الأحوال سيعطيهما محاضرة أخلاقية ويطردهما من السيارة، أو أمين شرطة على كورنيش النيل، أو بواب العمارة، أو حتى عامل الديلفري، كل هؤلاء يحركهم بالأساس الحرمان الذي ولّد الحقد، الذي خلق تلك الوصاية بازدواجيتها الفجة، التي تجعل سائق الميكروباص نفسه متحرشًا بالأساس واصيًا أخلاقيًا ويا للعجب، والجميع يعرف ويصمت.
“للحلوين فقط”
جملة تكتب على زجاج سيارات الأجرة من الخارج، تبدو جملة عادية في ظاهرها، ولكنها في الحقيقة مظهر شهير ومعروف من مظاهر التحرش في مجتمع سائقي “الميكروباص”، حيث أن السائق دائمًا ما يفضل أن تركب أنثى بجانبه، يفسر ذلك تصرفاته الفجة المتحفزة تجاهك كرجل إذا اتجهت “للكابينة”، أحيانًا ما أجد الباب “مسوجر” فلا أستطيع فتحه وأبدأ بالبحث عن السائق الذي يتابع محاولاتي لفتح الباب من البداية، فيرد عليّ بامتعاض “هتاخد اتنين ادام يا أستاذ؟” أومئ له برأسي فيفتح الباب على مضض.
أحيانًا أخرى عندما أتجه إلى “الكابينة” يصادر فورًا على محاولتي ويشير بالرفض ويرد: “ده محجوز يا أستاذ”، أجلس وقتها في الخلف أراقبه بانتباه شديد لأراه يفتح الباب لفتاة لا يعرفها، حيث تسأله عن وجهته فيرد بنعم فتلمع عيناه لمعة انتصار لغرضه الدنيء.
مرة أخرى أتذكرها جيدًا في موقف القللي برمسيس، وقف السائق بعد أن اكتمل العدد في الخلف وأغلق الباب ينتظر أي فتاة لتركب في “الكابينة”، ويسأله الزبائن المارين أمامه عن وجهته ولا يرد، فيركبون السيارة التي تليه! لم يفسر الركاب ماذا يفعل، ويتساءلون بصوت عال، أحدهم قال بصوت عال “مستني مزة تركب جنبه” ضج الركاب وأوشكوا على النزول إلا أن هناك فتاة أتت أخيرًا لتسأله عن وجهته فيفتح لها الباب في التو واللحظة، ” وقيم الأسرة المصرية والمجتمع والناس عارفين وساكتين وراضيين”.
أن تمارس الازدواجية بأريَحِيَّة شديدة ودون أدنى شعور بالتناقض.
آفة حارتنا لم تعد فقط النسيان، الازدواجية آفة أضل كثيرًا من ذلك، لأنها ترسخت في عقلنا الجمعي بشكل غير واعي فأصبحت سمة عامة، يمارسها الجميع بوعي وبغير وعي، ليست الازدواجية كمعيار مجحف فقط، إنما الازدواجية كسلوك حياتي ومنهج أساسي للعيش، على المستوى الاجتماعي والسياسي والديني هي أصل الشرور في هذا العالم الواسع، فلو كانت هي معيارك ستخلق تصنيفاتك بأقل مجهود ممكن، حيث تتعامل مع الأشخاص على أساس الجنس والعرق والدين والشكل وهذا أول الشرر.
عندما ترتدي إحدى الفنانات المصريات المايوه أو فستانًا بدون بطانة تقوم الدنيا ولا تقعد وينهال عليها الناس سبًا وقذفًا بأبشع الألفاظ والاتهامات الأخلاقية، بينما عندما ترتدي فنانة أمريكية ذلك تلقى استحسانًا واسعًا ويتم مشاركة الحدث على فيسبوك بعنوان “في حالة لم ترى شيئًا جميلًا اليوم”.
أيضًا لا تقتصر الازدواجية على الجمهور فقط، فالفنانين أنفسهم ازدواجيين، فعلى سبيل المثال لا الحصر، صرح الفنان عادل إمام ذات مرة، رفضه دخول ابنته سارة مجال التمثيل، الذي أفنى هو شخصيًا حياته فيه وحقق فيه نجاحًا استثنائيًا وحصل منه على الشهرة والمال والتاريخ الفني الذي سيعيش للأبد، لأنه على حد قوله، لا يستطيع أن يراها تمثل أدوار فيها قبلات أو مشاهد من هذا النوع، بينما لا تخلو أفلامه وأدواره من هذا النوع بالتحديد.
أيضًا، خلال لقاء تلفزيوني، أوضح الفنان يوسف الشريف، أنه يضع بندًا في عقود الأعمال التي يقدمها، حرصًا على عدم تقديم “مشاهد ساخنة”، لافتًا إلى أنه توصل إلى هذا القرار بعد أن نصحه والداه بالابتعاد عن هذا النوع من الأعمال، عقب مشاهدتهما لفيلم “هي فوضى”.
اختبار الازدواجية في العلاقات العاطفية، ومعيار أترضاه لأمك؟
أظنني لا أحتاج هنا لشرح أو سرد ازدواجية الرجال بالتحديد في العلاقات العاطفية فالجميع يعرفها، أريد أن أُنظّر في تلك المسألة بالتحديد لطرح معيار صالح للقياس.
ازدواجية الشريك هي الخط الأحمر الذي فور رؤيتكِ له عليكِ أن تركضي دون النظر خلفكِ، لأنكِ في شرك مميت، في ذلك الاختبار عليكِ أن تسألي السؤال الأهم أولًا لتعرفي إلى أي حد يتم الكيل بمكيال مختلف.
إلى أي مدى هو شخص متسق مع أفكاره، فلا يتبنى الأفكار فقط.. إنما يطبقها أيضًا؟
هناك معيار سلفي شهير يتم به دحض أي وسيلة تعارف سليمة ومحترمة، “أترضاه لأمك؟ أترضاه لأختك؟”، دعونا ننزع هذا المعيار من سياقة السميك السمج، ونستخدمه كمعيار صالح لازدواجية الشريك من عدمه لنحسم الجدل، إذا كان الجواب بنعم فلا بأس، أما إذا كان بلا، فعليكِ عزيزتي تحسس مسدسكِ على الفور والركض لأبعد مسافة ممكنة من تلك العلاقة.