فيلم الصرخة، يعد من الأفلام القليلة جدٍا التي تناولت عالم الإعاقة، تدور أحداثه حول حياة الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية ” الصم” وبعيدًا عن التقييم الفني للفيلم، فقد استطاع الكشف عن بعض جوانب حياة أشخاص يعيشون في صمت تام، حركات أصابعهم وتعبيرات الوجه هي وسائل التواصل الوحيدة، حياة تفرض العزلة، لكن هذا الفيلم لم يقدم ممثل واحد من هذه الفئة، وإن ظهر بعضهم في الخلفية يتحاورون بالأصابع. بطل الفيلم الفنان نور الشريف، وكل الأدوار الرئيسية لأشخاص من غير ذوي الإعاقة، ربما كانت أسباب تسويقية وراء الاختيارات التي خلت من أي ممثل من تلك الفئة رغم أن كثير منهم يشتغل بالتمثيل ولهم فرق مسرحية خاصة بهم.
الأشخاص ذوي الإعاقة كشخوص درامية، تظهر كثيرًا في الأعمال الدرامية المختلفة، وغالبًا ما تكمل صورة أو موقف يراه صناع العمل، وأثار ذلك إشكالية كبيرة تمثلت في النمطية الشديدة التي تظهر بها تلك الشخوص، الشخص ذو الإعاقة البصرية مثلا ينظر دائمًا للأعلى بدون أي سبب واضح، وهي حالة غير واقعية بالطبع، وذو الإعاقة الذهنية يظهر إما صامت تمامًا أو يردد جمل قصيرة غالبًا غير مفهومة، هذه النمطية غير المبررة دعت الكثيرين من المهتمين بمجال الإعاقة لتوجيه نقد لمثل تلك النماذج التي تقدمها الدراما، ووصفوا تلك النماذج بالسلبية، واتهموا الدراما خاصة المصورة، بتبني أفكار رجعية عن الإعاقة، وربما يكون النقد محقًا بقدر كبير، لكن هذا النقد لم يجب علي تساؤل أساسي، ما المطلوب من صناع الدراما التي تتناول شخوص ذوي إعاقة؟
في التسعينات، صدرت في انجلترا دراسة هامة عن الإعاقة في الأعمال الدرامية، السؤال الأساسي للدراسة كان عن مدى تقديم الدراما لنماذج إيجابية للأشخاص ذوي الإعاقة، كانت تقارن بين الدراما في انجلترا والدراما الأمريكية، خلصت الدراسة إلي أن الدراما الأمريكية هي الأكثر تقديمًا للنماذج الإيجابية، فالشخص ذوي الإعاقة في الدراما الأمريكية غالبًا ما يكون خفيف الروح، ذكي، شجاع، وذلك بعكس الدراما الإنجليزية التي تقدم نماذج سلبية في أغلب أعمالها، ويمكننا القول إن الدراما المصرية غالبًا ما تقدم نماذج سلبية لذوي الإعاقة، خاصة الإعاقة الذهنية، لدرجة أن لي صديق ممثل موهوب يقبل أدوارًا سطحية فقط كي يجد عمل، رغم أنه في الحقيقة شخص متعلم ومثقف، ومتحدث جيد.
الحقيقة أن فكرة النماذج الإيجابية رغم انتشارها في مجال الإعاقة، والمطالبة المستمرة لصناع الدراما بتقديم نماذج إيجابية، لا تناسب فكرة الدراما بالأصل، فالأعمال الدرامية ليست تجسيد للواقع، وليس المطلوب منها تقديم رسائل أو نصائح كما يظن البعض. الفن بشكل عام يجمع بين الخيال وتصور للواقع يختلف من مبدع لآخر، والمطلوب من الفن كما أعتقد تناول الأشخاص ذوي الإعاقة كغيرهم من الشخوص، منهم الإيجابي أو السلبي، الخير أو الشرير، المهم أن لا ينطلق المبدع من تصور مسبق للشخص ذو الإعاقة بحيث يتبنى دون أن يشعر رؤية رجعية قد تؤدي إلى نتائج لم يقصدها المبدع نفسه.
وكي أكون أكثر وضوحًا، أتذكر تجربة مسرحية أراها الأهم والأجمل في عالم الإعاقة، كانت عام 2007 بقيادة الفنان الراحل. ممدوح مداح. استطاع هذا المبدع المتفرد أن يجمع علي خشبة المسرح كل فئات الإعاقة مع غيرهم، كانت الفرقة تضم ذوي إعاقة ذهنية مع ذوي إعاقة سمعية، وأطفال شوارع، وأفراد من غير ذوي الإعاقة، والأهم أنه قدم بتلك الفرقة أعمالًا درامية حقيقية وليس مجرد أعمال تخص ذوي الإعاقة وحدهم، أعمال تتناول الحياة بكل ما فيها، كانت تجربة فريدة من نوعها لكن للأسف لم تحظ بالدعم الكافي، وانتهت ليحل محلها فرق تضم فئة محددة من ذوي الإعاقة تقدم أعمالًا دعائية أكثر منها درامية.