مراضاة تل أبيب ومواجهة طموحات بكين.. “الممر الكبير” خيال الفكرة وأزمة التنفيذ

على هامش قمة العشرين التي أٌقيمت في نيودلهي بالهند السبت الماضي، تم الإعلان عن اتفاق مبدئي لمشروع ممر يربط بين الهند وأوروبا عن طريق الشرق الأوسط ويشمل مشروعات للسكك الحديدية والموانئ البحرية بجانب خطوط كابلات لنقل الكهرباء والاتصال الرقمي وأنابيب نقل الهيدروجين.

تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية والإمارات والاتحاد الأوروبي وإيطاليا وفرنسا وألمانيا تحدد الالتزامات السياسية، وهذه المذكرة غير مٌلزِمة قانونيًا ولكن يتم العمل بموجبها لإنشاء الممر الاقتصادي. المعروف اختصارًا بـ  IMEC

تشير المذكرة إلى أنه من المقرر أن يتم العمل من خلال ممرين منفصلين، الممر الشرقي الذي يربط الهند بالخليج العربي والآخر شمالي يربط الخليج العربي بأوروبا، الممرات تشمل سكة حديد ستشكل بعد إنشائها شبكة عابرة للحدود من السفن إلى السكك الحديدية لتكملة طرق النقل البرية والبحرية القائمة لتمكين مرور السلع والخدمات.

الشكل النهائي للمر يقوم على أن تتم الحركة بحريًا من الموانئ الهندية إلى الإمارات وتبدأ الرحلة البرية مرورًا بالسعودية والأردن والأراضي المحتلة الفلسطينية، لتعود بحريًا مرة أخرى بالاتجاه لأوروبا.

 أبرز التعليقات على المشروع، كان تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن “إنه حقا اتفاق تاريخي ” وقال البيت الأبيض في وثيقة نشرتها إدارة بايدن بشأن إعلان “الممر” نريد إطلاق حقبة جديدة متصلة عبر شبكة سكك حديد، وربط الموانئ في أوروبا بالشرق الأوسط وآسيا”.

من جانبه، قال رئيس وزراء الهند، الدولة المضيفة للقمة، ناريندرا مودي “اليوم بينما نشرع في مبادرة الربط الكبيرة هذه، فإننا نضع بذورا تجعل أحلام الأجيال المقبلة أكبر. مضيفا:” نعتقد أن الاتصال هو وسيلة ليس فقط لزيادة التجارة المتبادلة بين مختلف البلدان، ولكن أيضًا لزيادة الثقة المتبادلة”.

رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون در لايين، أكدت أن المشروع “أكبر بكثير من مجرد سكك حديد أو كابلات”، مشيرة إلى “جسر أخضر ورقمي بين القارات والحضارات”.

بينما قال ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إن المشروع سيعزز التبادل التجاري بين الدول المشاركة ويعزز استيراد إمدادات الطاقة بما في ذلك الهيدروجين لضمان أمن الطاقة، ويساهم في تطوير وتأهيل البنية التحتية التي تشمل السكك الحديدية والموانئ وسيساعد على زيادة تبادل السلع والخدمات.

الرياض في الخارطة الجديدة

استطاعت الرياض في السنوات القليلة الماضية أن توازن في علاقاتها بين القطبين الصيني والأمريكي رغم التوترات بينهما بل وأصبحت الرياض محل استقطاب للطرفين.

وعلى الرغم من التوترات بين السعودية وواشنطن في بداية فترة الرئيس جو بايدن، وتخفيض أوبك للنفط، في الوقت الذي أرادت فيه الإدارة الأمريكية زيادته، وتوعد بايدن بإنفاذ عقوبات على الرياض فقد استطاعت السعودية تمرير سياساتها النفطية بما يخدم مصالحها دون أن تضر بعلاقتها بواشنطن.

ومن الناحية السياسية تمتلك الرياض ملفين من أهم الملفات السياسية في المنطقة ملف الطاقة وملف عملية السلام في الشرق الأوسط.

في ٢٠٢١ تأسس منتدى” اي تو يو تو” الذي يضم الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات والهند وإسرائيل الذي يطمح في تحجيم النفوذ الصيني بالشرق الأوسط، وطرحت إسرائيل فكرة ربط المنطقة بخط سكك حديدية بمعاونة الهند وسعت الإدارة الأمريكية لضم السعودية طمعًا في حالة نجاح التطبيع مع إسرائيل، ليكتمل ربط السكك بالموانئ الإسرائيلية متجهة إلى أوروبا.

تدفع واشنطن لتمرير اتفاقية الممر الهندي الأوروبي لتغلق على الصين مشروعها طريق الحرير ضمن مبادرة الحزام والطريق واستراتيجيات التنمية الإقليمية، مثل رؤية السعودية وقطر ومصر لعام 2030. وانطلق المشروع الصيني عام ٢٠١٩ وتُشارك فيه 123 دولة، وينقسم إلى طريق بحري يمتد من الساحل الصيني عبر سنغافورة والهند باتجاه البحر المتوسط، وطريق بري يشمل ست ممرات من شأنها أن تنتهي بأوروبا الغربية.

ولكن بالنظر إلى الدول المشاركة في المشروعين يعتبر الممر الاقتصادي الهندي أفضل في احتمالات تنفيذه عن الصيني نظرا لأن الدول المشاركة لديها القدرة الذاتية لتنفيذ الممر بجانب العلاقات الاقتصادية المشتركة والمصالح المتبادلة والقدرة على جذب الاستثمارات دون الاقتراض على عكس الممر الصيني فهو يقوم على المنح وتسهيل عمليات الديون بما يصب في صالح بكين التي تطمح للسيطرة الاستراتيجية على البنية التحتية للمشروع.

تأثير الممر الهندي الأوروبي على مصر

آثار الإعلان عن الممر الهندي الكثير من التساؤلات حول تأثيره على قناة السويس المصرية، الممر الرئيسي الرابط بين الشرق وأوروبا.

وجاء تصريح الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس:” لا بديل عن قناة السويس فهي أسرع طريق للنقل البحري”.

كما نفى احتمالية وجود أي تأثيرات أو تداعيات على القناة مستقبلًا جراء فكرة إنشاء الممر، قائلًا “إن عملية النقل بهذا الممر ستكون مكلفة ومضيعة للوقت، وضد اقتصاديات النقل البحري”.

وأوضح مميش أنّ المشروع “يمر بالبحر ثم يفرغ الحمولة ويسير على سكة حديد ثم عربات نقل بري ويفرغ على البر”، مضيفاً أنّ هذه “عملية مكلفة للغاية ولا يوجد مقارنة مع قناة السويس”.

كما أن حجم التجارة بقناة السويس يمثل نسبة 13 في المئة من التجارة العالمية وأكثر من 22 في المئة من حركة تجارة الحاويات على مستوى العالم، ويمر بقناة السويس ما يزيد عما قيمته التريليون دولار من البضائع.

وتنقل القناة ما بين 7 إلى 10% من النفط العالمي، و8% من الغاز الطبيعي المُسال.

إلهامي الميرغني الخبير الاقتصادي يصف الممر بأنه لا يتعدى فكرة “مغازلة” أمريكية للكيان الصهيوني من أجل دعم الديمقراطيين في الانتخابات القادمة.

ويضيف الميرغني عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، أن هناك مبالغة شديدة في مستقبل هذا المشروع، الذي لم تٌعلن تكلفته ولا كيفية تمويله، واصفًا عملية نقل البضائع من خلاله، بـ “المكلفة اقتصاديًا” نظرًا لعمليات تحميل وشحن البضائع عند كل مفترق بين البحر واليابسة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة