“تنفيسة” أم مصرية

 

الأمومة يمكن أن تكون صراعًا نفسيًا بين المسمى “الأمومة” والأم ويمكن أيضًا أن تكون حالة من الرضاء التام عن النفس ويمكنها في بعض الأحيان أن تكون حالة من الفوضى وعدم الاسترخاء لليالي طويلة. الإجابة على سؤال الأمومة في عين الأم شتان من المواقف والمعايير المجتمعية التي تضعها الأم لنفسها قبل المجتمع نفسه، ويصبح رضاء الأم عن نفسها كل ليلة قبل أن تذهب إلى النوم هو المعيار الوحيد بالنسبة لها، والذي يبيت معها على نفس الوسادة، هل أنجزت ما يجب فعله اليوم أم هناك ما ينقصني؟

 لا شك في أن حياة البنت تتغير تغييرًا جزئيا بعد الزواج وإدارة منزلها وإلقاء كافة أعباء المسئولية على عاتقها ومع الوقت يصبح التغير جزريا بعد الحمل والولادة ووجود طفل يحتاج إلى رعاية كاملة من كلا والديه كما هو المفروض، لكن في مجتمعاتنا العربية تكون الرعاية الكاملة الوحيدة هي المقدمة من الأم فقط. من وقتها وصحتها وكامل تركيزها، في معظم الوقت لا يلام الرجل سوي في شيء واحد: هل يصرف علي البيت أم لا؟ وكأنه لم يطلب منه سوى أن يكون مصدرًا لوقود المنزل فقط، لكن ترتيب المنزل ونظافته وإدارة مشترياته ووجود تلات وجبات يوميا علي المائدة وتنظيفهما وغسيل الأطباق وغسيل الملابس وكل ذلك من مسئولية الأم أو الزوجة وحدها، وإذا قصرت في أي من مسئوليتها تلام كثيرا .

الأم العاملة أو السوبر هيرو مامي كما أسميها، هي التي تتنازل عن حضن طفلها وتتركه في عمر ال٣ أشهر وتلجأ للحضانة ويبعد عن حضنها لمدة ٨ ساعات في اليوم لكي يكون لها كيانها الخاص، ولا تكون تحت رحمة مصاريف الزوج فقط وتشارك في مصاريف المنزل وتكون متحكمة بالتالي في إدارة حياتها بدلا من أن تشعر أنها حمل علي زوجها في المصاريف مثلها أولادها تماما، وهذا شعور لا يمكن إنكاره، ينال من ضمير كل امرأة، فالسيدات بالفطرة في مجتمعاتنا العربية طوق النجاة الوحيد لها هو عملها وأن تكون هي مصدر رزقها  دون الاحتياج لشخص، هذا هو سلاحها الوحيد الذي يمكنه حمايتها من كل القرارات الخاطئة التي يمكن ان تأخذها ضد نفسها.

وكمثال على هذه القرارات الخاطئة، أن تكمل حياتها مع شخص لا يتعاون معها أو رجل خائن أو أيا كان سبب عدم التوافق فهي أحيانا تكمل حياتها الزوجية فقط للحفاظ على نفس المستوى المادي لأطفالها الذين اعتادوا عليه وهروبا أيضًا من الرجوع إلى بيت الأهل كمطلقة وأن تقع مرة أخرى ضحية تحت القمع الأسري بمسمى جديد غير مسمى الابنة، لكن “مطلقة” لذلك تتمسك المرأة باستقلالها المادي قدر ما تستطيع حتى تكون قادرة على الإمساك بزمام حياتها.

.

ومن هنا، هل نستطيع أن نقول أن للأم العاملة أو غير العاملة لها الحق في الرفاهية؟ وهل الرفاهية الآن أصبحت عار علي الأمومة كما صدر لنا المجتمع أم حق طبيعي ونتيجة طبيعية لشقائها مع أطفالها وزوجها ومنزلها؟. وكيف لها أن تجد وقت لراحتها دون أن تعتني هي بنفسها بأطفالها ، فنجد مثلا الحضانات المتعارف عليها لها مواعيد حتي الخامسة و الإجازة مثلها مثل المدارس يومي الجمعة  والسبت،  فمتى يمكن للمرأة ان تأخذ بضع ساعات لنفسها في حين لا يقبل كل الرجال بالجلوس بأطفالهم وليس كل النساء لديهن أمهات يستطيعن الجلوس أيضا بأحفادهن.

بما إني أم حديثة في عالم الأمومة وفي نفس الوقت أستطيع أن أقول عن نفسي أني أصبحت أمتلك الخبرة بحملي في طفلي الثالث وابنتي الأولى لم تكمل الثلاث سنوات بعد والثانية لم تكمل أيضا عامها الثاني، وجدت في هذه السنوات البسيطة أن جيلنا من كثرة تمسكه باستقلاليته أصبح وحيدا في عالم الأمومة، والرعاية التي تحصل عليها الأم هي رعاية ضعيفة للغاية وتصبح الأم هي نفسها العون الوحيد لها في هذه الأيام فمعظمنا أبناء لجيل القوة العاملة. معظم جدات أطفالنا ما زالوا موظفات ويعملن وليس كجيل فات نستطيع الاعتماد عليهم في ترك أطفالنا معهم لبعض الوقت لكي ننال بعض الراحة من أيام مرهقة طويلة، وأيضا هناك عائق أكبر للأم غير العاملة وهو الوقت والطريقة التي تستطيع من خلالها الحصول علي العمل، كمثال لدي صديقة أم تعتني بطفلها وتعمل في نفس الوقت وأخذت سكن جديد بالقاهرة الجديدة وهي دكتورة صيدلانية التحقت بعمل جديد في مكان سكنها الجديد وعندما استمع لها أحد الموظفين وهي تتحدث إلى والدتها علي التليفون وعلموا أنها حامل بطفل آخر لم يمر علي عملها سوى أسبوعين وسُرحت من العمل ، لمجرد أنها تحمل طفل، ولم ينظروا تاريخ عملها وخبرات السنين  السابقة، وتصبح خطتها هي البحث عن عمل آخر وهي ترجو أن لا يعلمون بحملها قبل أن يمر ثلاثة أشهر علي عملها كي تثبت بالعمل، وهناك أيضا المواصفات الجديدة التي وضعتها وزارة التربية و التعليم في انتقاء شكل المدرسات وأنهن يجب عليهن أن يكونن في وزن معين و شكل معين و نجد في هذا ظلم لأمهات لم يستطعن الحفاظ علي شكل أجسادهن بعد الولادة ، التهميش و الإقصاء يأتي حتي من القطاع الخاص فنجد مثلا أن المؤسسات الصغيرة و شركات الاتصالات المواعيد بها متغيرة و ليست ثابتة وإذا ثبتت تجدها تنتهي السادسة أو الخامسة مساء إلا من رحم ربي هؤلاء الذين يعتنون بالسيدات و يعطونهن عمل حتي الخامس  فقط ، ومن ثم هناك ساعه كاملة ويمكن أكثر تستنزف من حياة الأم في المواصلات حتي تصل إلى ابنها أو بنتها و حتي عندما تصل الي المنزل لتعتني  بمنزلها وعمل غذاء ينتهي في وقت العشاء يكون اليوم قد انتهي ..

كل هذه المعاناة أصبحت من نصيب الأم و هي تصحو في يوم لتجد أن أصدقاءها مثلا يجتمعون في أماكن غير مؤهلة لاصطحاب طفل أو تأتي البادرة منهم ولا يدعوها معهم من الاساس لأنها اصبحت ام و في طفل في رقبتها و هم في غنا عن وجود طفل في مكان وجودهم او تعكير مزاجهم ، كما أن هذه الموضة التي أصبحت متداولة علي السوشيال ميديا عندما تجهز عروس جديد فرحها و تكتب في دعوة الفرح ممنوع اصطحاب الأطفال واستاء وقتها الكثير من الأمهات و قاموا بالتعليق علي بوست العروس والتفريغ عن غضبهم بسطور مثل” المكان  اللي ميشلش ابني ملوش لازمة عندي” و أخرى كتبت ” حقها متدعيش أطفال في فرحها و من حقي أنا كمان كأم إني ماأحضرش” يأتي التهميش أيضآ من سيدات.

و يصبح اللجوء الوحيد للأم في زماننا هذا هو عمل مشاريع صغيرة من المنزل حتي يمكنها مراعاة أبناءها في نفس الوقت الذي تدير فيه مشروعها وسوف أطرح بعضها عليكم، و بالفعل معظم جيراني الأمهات يقومون بذلك و يوفرن وقت كبير لتسهيل الحياة، علي العلم أن ليس كل الأمهات عندها الملكة لعمل مثل هذه المشاريع الصغيرة ،و  لكن كل أم تجد طوق النجاة في شيء ما، فمثلا تقوم إحدى الأمهات من سكان المنطقة بشراء خضار بالجملة  وتقوم بتحضيره ليكون جاهز  علي الطبخ لتوفير الوقت للسيدات العاملة وغير العاملة، وأخرى تعمل علي مكنة خياطة في منزلها تصلح الثياب وتصنع مفارش، وأخرى تقوم ببيع الأدوات الدراسية والكتب الخارجية من منزلها، وعندما علم جميع السكان بذلك أسرعوا بالشراء منها وتطورت الأمر واشترت مكنة تصوير أوراق و مستندات وأصبح جميع من في منطقتي يقوم  بتصوير أوراقه التي يحتاجها عندها ،وأخرى تقوم بخبيز الفطير الفلاحي و عيش الشوفان في فرن بيتها والجميع يشكر في مخبوزتاها، كلا منهما  وجدت “التنفيسة” ومصدر الرزق الذي تسعى  إليه بطريقتها وكلهم أمهات وكلهم زوجات .

و هناك أمهات أخريات وجدن الرفاهية وفترة الراحة التي يسعين إليها بطريقة مختلفة وهي في صداقة أطفالهن والتنازل عن وجود أصدقاء آخرين لم يقدروا معاناتهم و أخريات وجدن “التنفيسة” في إخراج مواهبهن بعد مواعيد نوم الأولاد وأخريات يجدن ذلك في قطعه خبز وفنجان قهوة في لحظة هدوء في المنزل و الأطفال نائمون .

كل ما أقصده أن كل أم و زوجة تعاني بما فيه الكفاية، إن صادفت إحداهن من باب الصدفة، قدم العون حتي ولو بكلمة تشجيع طيبة، دعونا من كلمات الأذي والأحكام التي لا تجدي نفعا لا لك ولا لها فدعك أيضا من كلمات  التهميش و السخرية، لأن على أي  حال كل أم سوف تجد في حياتها بقدرتها غير الطبيعية التنفيسة التي تحتاجها فهن مؤنسات حياتنا و الجنة تحت أقدامهن.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة