رأي | الإعاقة والقانون

القانون كفرع لعلم الاجتماع، يجب أن ينبع من فلسفة، بمعني أن يستند لمنظومة فكرية تشكل هويته. كما يجب أن يشمل رؤية تحدد الهدف من وجوده، ثم تأتي نصوصه بأدوات تحقيق الأفكار وتنفيذ الهدف.

القانون المدني مثلا يمكن أن ينبع من نظرية الحق اللبرالية، فيكون هدفه حرية العلاقات التعاقدية، أو ينبع من النظرية الاجتماعية، بحيث تقيد الحرية الفردية لمصلحة الحقوق الاجتماعية الأساسية مثل السكن، والتعليم، الغذاء.

هذه الفرضيات في الواقع، غابت عن القانون المصري خلال العقود الأخيرة للأسف، خاصة السنوات الثلاثين الأخيرة، حيث تحول القانون من علم اجتماعي إلى مجرد أداة للسلطة، تستخدمها لتحقيق أهداف محدودة ومؤقتة، دون أن تنبع من فلسفة واضحة، خاصة استخدام القانون كأداة تجريم لأفعال بطبيعتها ليست مجرمة مثل الرأي والنشر.

فما هي فلسفة قوانين الإعاقة؟

قبل بداية القرن الحالي، كانت فلسفة قوانين الإعاقة تنبع من علاقة ذوي الإعاقة بأدوات الإنتاج؛ فالعجز المرتبط بالإعاقة، كان يفهم من علاقته بقوة العمل؛ أي مدي قدرة الشخص على الإنتاج واندماجه بسوق العمل.

لذلك كان القانون يجمع ما بين الحق في التأهيل بالمعني المهني؛ أي تأهيل الشخص لسوق العمل، إلى جانب بعض الخدمات المجانية أو منخفضة التكلفة لغير القادرين علي العمل كليًا.

تلك الفلسفة تعرضت لانتقادات عنيفة منذ منتصف القرن الماضيٍ، وبدأت في التراجع تحت ضغط الحركات الاجتماعية للإعاقة، خاصة في أمريكا اللاتينية، ومن بعدها أمريكا الشمالية وأوروبا، ٍحيث تمكنت الحركات الاجتماعية من فرض فلسفة المساواة، ورؤية الإعاقة كأحد الاختلافات الطبيعية بين البشر، وتبنت الحركة تفسير مختلف للإعاقة ليس بوصفها معطي قدري، ولكن بوصفها نتاج علاقات الإنتاج والبيئة المادية والثقافية.

وانعكست الرؤية الجديدة على القانون، حيث نجحت الحركات الاجتماعية في كسب الاعتراف الدولي بصدور وثيقة حقوقية تقر بالحقوق الإنسانية لذوي الإعاقة، تلك الوثيقة التي مثلت قطيعة فكرية مع ما سبقها من إعلانات دولية كانت تتبني مفهوم العجز.

بمجرد صدور الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في ديسمبر 2006، صارعت الدول لإعادة إصدار قوانين الإعاقة الداخلية بما يتوافق مع الاتفاقية، وكان بمقدمة تلك الدول تونس، والأردن، وكانت قوانين شكلية إلي حد كبير، تجمع ما بين الاتفاقية والرؤية القديمة.

تأخرت مصر في إصدار قانون حقوق ذوي الإعاقة حتي 2018، رغم أنها من أوائل الدول التي وقعت على الاتفاقية. وكان هناك العديد من مشاريع القوانين منذ 2009، أهمها المشروع المعد عن طرق المجلس القومي للطفولة والأمومة برعاية قرينة رئيس الجمهورية حينها، وتمت صياغة المشروع بعد عقد جلسات عديدة مع منظمات حقوق الانسان ومنظمات الإعاقة حينها، لكن المشروع لم ير النور حتي صدر قانون 10 لسنة 2018.

القانون المصري في الحقيقة هو الأفضل من بين القوانين العربية، ويعود ذلك للدور الحيوي لحركة الإعاقة المصرية التي بلورت مطالبها من القانون منذ البداية في 2007، السنة التي شهدت أو مشروع قانون تم إعداده من منظمة إعاقة دفاعية، وصدور عدد من الأوراق النظرية التي تناقش وتحلل الهدف من القانون.

ومع توسع حركة الإعاقة من 2011، وتمكنها من تضمين الدستور لحقوق ذوي الإعاقة، وتشكيل مجلس قومي للإعاقة، كانت البيئة مهيئة لصدور القانون بشكله الحالي.

لكن القانون الجديد مع الاعتراف بأهميته، وكونه تتويجًا لجهود كبيرة لحركة الإعاقة المصرية، يفتقد عنصرين بالغي الأهمية؛ الأول غياب الفلسفة وعدم وضوح الأهداف، فالقانون استند للاتفاقية الدولية لكنه لم يعي تمامًا فلسفتها، فجاءت مواده ترديد لبنود الاتفاقية.

لكنه خلط بين الرؤية الحقوقية والرؤية الخدمية، فالأهداف المعلنة هي حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، لكن ذلك يحتاج قبل كل شيء لفرض رؤية جديدة علي المجتمع ومؤسساته، رؤية من المعروف مسبقًا أنها غير مستقرة بالوعي المجتمعي أو السلوك المؤسسي.

هذا ينقلنا للعنصر الثاني المفتقد ويتمثل في غياب السياسات التنفيذية التي تنقل القانون إلى مرحلة التطبيق، فهذا القانون بالتحديد يحتاج إلى قرارات تنفيذية تفرض سلوكيات جديدة ومختلفة لم يعتداها المسئولين من قبل، وليس أدل علي ذلك من استمرار المسؤولين الرسميين في استخدام مصطلحات قديمة في مجال الإعاقة، وعدم قيام مؤسسات الدولة بدورها في تنفيذ القانون بشكل جيد.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة