"الديمقراطية ليست دائما جميلة، لكنها أفضل نظام موجود. وهي أفضل تأمين لنا ضد القادة الأعلى الذين يأخذون الجيوش دون داعٍ إلى الأذى، مستفيدين من عدم وجود معارضة قوية"؛ كما يرى جوليان زيليزر، أستاذ التاريخ والشؤون العامة في جامعة برينستون، في تحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي"، الأحد، حول: لماذا يذهب الرؤساء الأمريكيون إلى الحرب؟.
يقول "زيليزر" إن الثابت الوحيد في التاريخ السياسي للولايات المتحدة هو أن الرؤساء يرتكبون في كثير من الأحيان حسابات خاطئة، بل وحتى أخطاء فادحة في التعامل مع الأمن القومي. وتظل فيتنام خير مثال على ذلك؛ حينما أرسل الرئيس ليندون جونسون - على نحو متهور - مئات الآلاف من أفراد الخدمة العسكرية إلى القتال، في معركة كبدت أمريكا الكثير.
لماذا يذهبون إلى الحرب؟
يجيب أستاذ التاريخ على سؤال: لماذا يذهب الرؤساء الأمريكيون إلى الحرب؟ بأن هناك سببان رئيسيان للخطأ المرتكب في فيتنام وغيرها من الحروب الفاشلة؛ أولهما يتعلق بالمعتقدات الإيديولوجية التي أعمت هؤلاء الرؤساء عن الحقائق على الأرض. ففي كل من فيتنام وكوريا، يرى المؤرخون أن "نظرية الدومينو" هي المسؤولة، لأنها تنبأت بأنه إذا سقطت دولة صغيرة في قبضة الشيوعية، فإن دولًا أخرى ستتبعها.
وبدلًا من السعي لحماية الديمقراطية في الخارج، ذهبت الإدارات الأميركية إلى الحرب لإرضاء مجموعات المصالح، أو استرضاء لجان الكونجرس، أو تغذية ميزانيات مقاولي الدفاع، أو تأمين السيطرة الإقليمية والموارد الطبيعية القيمة. ومع اتساع نطاق السلطة التنفيذية، كما زعموا، تم منح الرؤساء ومسؤولي الأمن القومي الكثير من السلطات المطلقة للقيام بما يحلو لهم، ما أدى إلى ضعف عملية صنع القرار في زمن الحرب.
السبب الآخر في هذه الحروب الخاطئة التي خاضتها الولايات المتحدة يكمن في السياسة الانتخابية. هذا ما يقوله أستاذ العلوم السياسية أندرو باين، في كتاب بعنوان "الحرب على الاقتراع: كيف تشكل الدورة الانتخابية عملية صنع القرار الرئاسي في الحرب".
اقرأ أيضًا: المونيتور: البنتاجون يعزز تواجده في القاهرة.. والكونجرس يضغط لحجب المعونة بسبب" حقوق الإنسان"
الضغوط الانتخابية والحرب
يكتب باين: "إنها حقيقة مزعجة، نادرًا ما يُعترف بها، أن القادة عادة ما يأخذون الأسباب الانتخابية في الاعتبار عند اتخاذ القرارات المتعلقة بالاستراتيجية العسكرية والدبلوماسية في الحرب". وهم يقدمونها على رأي الخبراء العسكريين والسياسيين.
"عندما يتعلق الأمر بتحديد أفضل مسار للعمل في زمن الحرب، فإن الفوز في الانتخابات أمر بالغ الأهمية"؛ تمامًا كما يقول الرئيس السابق ريتشارد نيكسون بصراحة، عندما يتعلق الأمر بتحديد أفضل مسار للعمل في زمن الحرب، فإن "الفوز في الانتخابات أمر بالغ الأهمية".
يحلل "زيليزر" كتاب "الحرب على الاقتراع"، فيقول إن "باين" قدم تقييمًا منهجيًا للطبيعة المتشابكة للانتخابات وصنع السياسة الخارجية على مدار فترات الرئاسة. وهو يحددها في خمس طرق يمكن أن تؤثر بها الانتخابات الأمريكية على عملية صنع القرار الرئاسي في زمن الحرب: التأخير (تأجيل العمل العسكري حتى إجراء الانتخابات)، والتخفيف (تخفيف العمل الاستراتيجي الجيد حتى التصويت)، والتحفيز (تسريع النشاط العسكري لكي يبدو قاسيًا في الدفاع قبل الانتخابات)، والتأرجح لكسر أو الوفاء بتعهدات الحملة الانتخابية بشأن الحرب بناءً على نتائج الانتخابات، والإفساد (عندما تتداخل الانتخابات مع استراتيجيات المساومة أو تعطلها).
يكتب باين أن الحالات الثلاثة الأولى تميل إلى الحدوث بين الانتخابات النصفية وحملات إعادة الانتخاب، والاثنتين الأخيرتين في فترة "البطة العرجاء" عندما يكون الرؤساء أكثر قلقًا بشأن تراثهم.
هل نتائج الديمقراطية أفضل أم أسوأ؟
يشير كتاب "باين"، إلى أمثلة للقرارات الرئاسية التي كانت لحسابات الانتخابات تدخلًا بها، فيوضح كيف سمح الرئيس هاري ترومان لصقور واشنطن بتسريع مشاركة البلاد في كوريا بسبب المخاوف من الظهور بمظهر الضعيف قبل الانتخابات النصفية في عام 1950. كما دفعت انتخابات عام 1952 المرشح الرئاسي الجمهوري دوايت د. أيزنهاور نحو موقف عدواني متزايد تجاه كوريا، حيث سعى إلى استرضاء المتشددين المناهضين للشيوعية في حزبه - على الرغم من أنه ظل غامضًا عمدًا بما يكفي ليترك لنفسه مجالًا لتغيير المسار عند توليه المنصب. حيث أنه بعد فوزه بالرئاسة، سعى إلى التوصل إلى هدنة على الرغم من خطابه خلال حملته الانتخابية.
يقول "زيليزر" إن السؤال الذي يكمن في قلب كتاب "باين" هو السؤال الذي يجب علينا جميعا أن نتصدى له: هل تنتج الديمقراطية نتائج أفضل أم أسوأ عندما يتعلق الأمر بالحرب في الخارج؟
ورغم أن "باين" لا يملك إجابة واضحة المعالم، كما يقول "زيليزر"، فإن كتابه يشير إلى تاريخ طويل، حيث أدت المخاوف الرئاسية بشأن الانتخابات إلى اتخاذ قرارات "دون المستوى الأمثل" في السياسة الخارجية الأمريكية ـ وخاصة عندما يتعلق الأمر بالحرب غير المتكافئة. فهو يكتب: "الديمقراطيات القوية سيئة بشكل خاص في خوض الحروب الصغيرة". و"إن مشاركة الولايات المتحدة في هذه الصراعات "المحدودة" (مثل كوريا وفيتنام والعراق) اتسمت بصراعات طويلة وممتدة أدت إلى استنفاد الروح المعنوية وتؤدي في نهاية المطاف إلى التعادل في أحسن الأحوال، إن لم يكن الهزيمة التامة".
يضيف "زيليزر" أن المشاكل الناجمة عن الضغوط الديمقراطية لن تختفي. ومع ذلك، فهذه سمة، وليست خللًا، في النظام السياسي الأمريكي. لا نريد أن ندعم سياسة يتم فيها تحرير الرؤساء من الناخبين. هذا جزء مما يفصل الولايات المتحدة عن الدول غير الديمقراطية. وكانت أيضًا واحدة من أقوى القوى في إبعاد الرؤساء عن قراراتهم الأكثر كارثية، مثل الضغط الانتخابي والشعبي في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي، والذي كان ضروريًا لإنهاء التدخل الأمريكي في فيتنام.
اقرأ أيضًا: هل إسرائيل ديمقراطية؟
تعزيز الديمقراطية ضرورة
ويرى "زيليزر" أن ما تستطيع الولايات المتحدة أن تفعله هو العمل على تعزيز ديمقراطيتها حتى يتسنى للرئيس أن يتلقى إشارات دقيقة حول موقف الناخبين، ويتمكن الجمهور من ضمان مساءلة أي قائد أعلى يتحرك في اتجاهات ضارة. ويستلزم ذلك ضمان احترام حقوق التصويت، وأن المجمع الانتخابي ليس مفتوحًا للتلاعب، وأن إجراءات الكونجرس لا تحابي دائمًا الرأي المناهض للأغلبية والحسابات الحزبية المفرطة.
وهو يقول إن على واشنطن أن ترتب بيتها الداخلي. وإن هناك ضرورة لوجود رؤساء يوازنون باستمرار بين النصائح الاستراتيجية التي يحركها الخبراء والضغوط الديمقراطية. إذ أن الديمقراطية ليست دائما جميلة، لكنها أفضل نظام موجود. وعندما تنجح هذه العمليات، لا يستطيع أقوى مسؤول في البلاد أن يصرف نظره عن ما يفكر فيه الناخبون. وفي المقابل، تتاح لأعضاء الناخبين الفرصة لتسجيل آرائهم، واستبدال القادة بآخرين يشعرون أنهم قادرون على القيام بعمل أفضل، ويكون لهم مصلحة في القرارات التي يتم اتخاذها في زمن الحرب على أعلى مستويات السلطة.
إن حقيقة أن الرؤساء لا يستطيعون الهروب من القفص الانتخابي، حتى عندما يخوضون حروبًا في الخارج، أمر جيد. ويظل هذا أفضل فحص لدينا ضد النزعات الإمبريالية والاستبدادية الكامنة في أي موقع من مراكز السلطة. وفي حين أن هذا الفحص يمكن أن يؤدي إلى جميع أنواع القرارات السيئة ويحرف المداولات بعيدًا عن الاهتمامات الاستراتيجية، فإنه يبقي قادة واشنطن متمركزين في الشارع الرئيسي بدلًا من البنتاغون، وفق تعبير "زيليزر".