رأي | أبناء البطة القبيحة… الغرباء أينما حلوا

في عام ٢٠١٩ أطلق فريق "كايروكي" الغنائي ألبوم بعنوان "أبناء البطة السوداء"... ألبوم "البطة السوداء" يحمل اسم قصة الأطفال التي كنا نقرأها صغارًا وهي…

"كان ياما كان، كان هناك بطّة كبيرة بيضاء جميلة، تعيشُ في مكانٍ ما بالقربِ من بحيرة كبيرة، وكانت هذه البطة الجميلة تتمنّى أن يكونَ لها فراخ صغار فهي وحيدة وحزينة، فطلبت من الله أن يرزقها فراخ بط جميلة مثلها".

وبعد فترة تزوجت البطة البيضاء الجميلة ووضعت البطة أربعَ بيضات، واعتنت بهم جيدًا، وبعد أيام بدأتْ تلاحظ أنَّ قشرة البيض تتشقّق، وخرج من كلِّ بيضة فرخٌ أبيض جميل. ولكن خرج من آخر بيضة فرخٌ غريبُ اللون والشكل، فقد كان فرخًا أسود، اندهشتْ الأم من هذا الطائر ذو الشكل الغريب، ولكنها من شدة فرحتها وطيبتها لم تكترث لذلك. واعتبرت الفرخ الصغير واحدًا من أبنائها، واعتنتْ به جيدًا وأحبته كثيرًا. وبعد فترة قصيرة كبرت الفراخ الصغيرة قليلًا، فطلب الصغار من البطة الأم أن يذهبوا للبحيرة ليلعبوا ويلهووا ويتعلموا العوم. وبالفعل أخذت البطة صغارها للبحيرة، وبدأ الفراخ باللعب بالماء، ثمّ علمتهم الأم العوم في البحيرة، وفرِحَ الصغار كثيرًا ولعبوا ومرحوا، لكنّ الطائر الغريب لم يكن فَرِحًا مثلهم، لأنَّه لم يستطع تعلُّم العوم مثل باقي الفراخ، وشعر بنفسه غريبًا عنهم. فقد بدأ الصغار يستهزؤون به ويسخرون منه، وأطلقوا عليه اسم البطة السوداء، لأنَّ لون ريشه كان أسود، وخرج الفرخ الصغير الغريب من البحيرة حزينًا، وابتعد عن البطة الأم وفراخها. لكنه لم يكن يعرف غيرهم، فجلس وحيدًا حزينًا. في هذه الأثناء مرتْ بطة أخرى ومعها فراخها.

فجاء أحد هذه الفراخ للبطة السوداء وقال لها: لماذا أنتِ حزينة أيتها البطة؟ ردّت البطة السوداء: أنا لا أستطيع العومَ والسباحة في البحيرة كما تفعل البطات الأخريات، أشعر بأني وحيدة وغريبة ولا أعلم ماذا أفعل؟ فقالت البطة الصغيرة: يمكنني أن أعلّمَك السباحة والعوم في البحيرة تَعالَيْ معنا، وحاولت البطة السوداء تعلُّم السباحة ولكنها لم تنجح. شكرت صديقتها البطة الصغيرة على مساعدتها لها، ولعبت البطتان بعيدًا عن البحيرة واستمتعتا بالوقت كثيرًا.

 ودعت البطة السوداء صديقتها، ثم ذهبت إلى مكان مرتفع قليلًا كأنه تلة، وقفت عليها، شاهدت من بعيد طائرًا آتيًا نحوها بسرعة كبيرة وكأنه يريد افتراسها. فجأة أحسّت البطة بجناحَيْها كأنهما سيطيران، وفعلًا حاولت الطيران بسرعة وطارت بعيدًا ،ووقفت على غصن شجرةٍ مرتفعةٍ، أدركتْ البطة حينها أنها ليستْ من البط لأنَّ البط لا يطير. وبعد فترة من التجوال، التقت بمجموعة طيور جميلة، فقالوا وهي تسمعهم، ماذا تفعل هذه الشحرورة هنا. فقالت لهم : اسمي ليس شحرورة بل بطة .فقالوا لها ضاحكين ولكنك تشبهين الطائر الشحرور الأسود الجميل فكيف صرتي بطة .

فرحت البطة السوداء، وقالت أخيرًا عرفت من أنا، فأنا شحرورة جميلة جدًا وحتى إذا لم أكن شحرورة المهم تأكدت أني لست بطة سوداء. وطارت تبحث عن والديها وأصلها، وذلك بعد أن ودعت البطة الأم وصغارها شاكرة لها تربيتها لها ومعاملتها الحسنة، وقالت لهم أنها لن تنساهم ولن تنسى الأوقات الرائعة التي قضتها مع البطة الأم.

القصة وقتها كان يقصد بها مفهومًا ومعنى يفترض أن يكون جيدًا، لكن أشعر أنها ليست الرسالة الأفضل، في النهاية على الطائر الأسود أن يجد من يشبهه ليستطيع أن يعيش! لكن ماذا لو لم تهتم الفراخ البيضاء بفارق اللون والقدرات وكان اكتشف قدرته على الطيران وهو معهم دون أن ينبذوه وحيدًا. ماذا لو رأوا اختلافه تمييزا وأنهم كسرب واحد متنوع باللونين الأبيض والأسود وكذلك بفوارق القدرات.. هكذا هم سرب يمتلك تنوع وقوة أكثر.. ثم ماذا لو لم يجد "طائر الشحرور" سرب يقبل به.. وعاش وحيدًا؟

ألبوم "أبناء البطة السوداء" يحمل الرسالة بشكل أفضل من القصة. لكن لفت انتباهي أن ترجمة عنوان الألبوم بالإنجليزية هو The Ugly Ducklings بمعنى البطة الصغيرة القبيحة. ببحث صغير اكتشفت ان اسم القصة الأصلية هو بالفعل هذا وهي ما تم ترجمتها إلى العربية إلى السوداء بدلًا من قبيحة!

كما أن على الاسم نفسه في الستينات في كندا، تكونت فرقة غنائية تحمل الاسم نفسه "البطة القبيحة". وأنه عمومًا في الثقافة الغربية الحديثة التي تحارب آفة العنصرية داخلها ولو في الكلمة فإنهم على دراية بالقصة لكن بشكل مختلف عن الكلمات التي نستخدمها وبشكل مغاير يصف فلسفة الجمال بشكل مبسط.

الغريبة، أننا حتى في ترجمتنا للقصة لم نلاحظ أننا نصف الأسود بالقبح في التناقض بين "دعت الله أن يرزقها فراخ جميلة مثلها "هي البيضاء"... ومن ثم تعطفًا منها قبلت "الفرخ الأسود!" قبلته ولم تدافع عنه ولم يظهر لها أي دور في رفض ما فعله أبنائها الباقيين. كما أن الفرخ الأسود هو الذي عاد ليشكرهم على الأوقات الطيبة!

لم يكن في مدرستي طلاب من البشرة السوداء. لكني تخيلت في باقي المدارس المتحدثة بالعربية.. والقصة ذاتها تقرأ فيما يفكر الطالب/ة من البشرة السوداء.

وكنت مختلفة عن باقي الطلاب لا ألعب معهم ولا أستطيع تحمل الشمس.. كنت كالفرخ لا أعرف "العوم" في القصة ولكني كان لدي قدرات مختلفة فعلًا… فماذا كان يجب أن أفعل وقتها لأندمج!

الآن أفكر بشكل أكثر تحليلًا للقصص والأفكار التي حملناها عبئا على صدورنا اللينة ونحن صغارًا فحفرت بها وصمات وعلامات، مهما نظفناها من العفن يبقى أثرها في نفوسنا.

نحن من نحاول اليوم تطهير هذا العفن من صدورنا وعقولنا.. حول الحريات الدينية والجنسية والكلمات العنصرية والتمييز وغيرها… نحن أبناء البطة القبيحة.

كبرت ومازلت "بطة قبيحة" فقط لكوني مختلفة عن "الشائع" ولا أشبه أيًا من قوالب البشر المجمدة الجاهزة. لست جزءًا من "شلل" ولا تابعة لأسراب. وتمامًا كإهداء الألبوم.. أهدي كلماتي تلك للغرباء أينما حلوا… الوحيدون في الدروب المزدحمة… الذين يشبهون كل الناس ولا يشبهون أحدًا.. لنا نحن "أبناء البطة القبيحة".

1 تعليق

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة