أزمة رجولة

صورة جيدة ومحببة يمكن أن نراها حولنا، هي تعاون الزوج والزوجة داخل وخارج المنزل لتوفير حياة ملائمة وكافية لهم ولأبنائهم من حيث الطعام والملبس والمسكن والتعليم والأنشطة الرياضية والترفيهية، لأن هذا التعاون ومشاركة المسؤوليات، مثل الإنفاق، ورعاية الأطفال والطهي والتنظيف، يخلق حالة من الرضا عن الحياة وتقبل الأزمات، بالإضافة إلى تقليل عبء العمل على كل من الرجل والمرأة، وتوفير وقت للاسترخاء والتواصل الجيد بين الزوجين، وبينهما وبين أبنائهما أيضًا.

ولكن ما يصعب فهمه، هو الصور العكسية التي انتشرت منذ فترة ليست بقليلة في مجتمعنا المصري، وهي تخلي الكثير من (الرجال)، عن مسئولياتهم دون أسباب واضحة، غير أن كل منهم قرر أن يجلس في المنزل، وأن تقوم زوجته بالعمل بمفردها للإنفاق على متطلبات الحياة والأولاد، بل عليه هو شخصيًا.

ما يحدث من بعض الرجال يتعارض مع مفاهيم مثل "الرجولة والشهامة" اللذين يعدان مترابطان، حيث يشير الأول إلى الصفات التي تميز الرجل السوي الواعي لواجباته وحقوقه، والثاني يشير إلى الصفات التي تجعله يتصرف بشجاعة وكرامة في المواقف المختلفة.

فالرجولة هي مجموعة من الصفات والقيم الإيجابية التي يتصف بها الرجل، والتي تجعله شخصًا صالحًا ومسؤولًا، لديه من الشهامة ما يجعله يتصرف بتضحية من أجل أحبائه ومن هم مسئولون منه، زوجته وأبنائه، وإن كانت زوجته تعمل من أجل مساعدته أو لتحقيق طموحاتها في الحياة فلا يعني هذا أنه يقرر الاعتماد عليها في مقابل أن يستريح هو من عناء العمل.  

فبدلًا من أن تكون الحياة مشاركة وتعاون، أصبحت الزوجة وحدها من تعمل وتدير شئون المنزل، وتتدبر التزاماته، والزوج يجلس في البيت بكامل إرادته، مبررًا ذلك بعدم وجود فرص عمل مناسبة، أو لأنه غير قادر علي الأعمال التي تعرض عليه أو أي أسباب أو مبررات تحفظ ماء وجهه.

ويرضي في سبيل ذلك أن تشقى زوجته، لتدبر وتنفق على المنزل ومتطلباته التي لا تنتهي، ويرضى كذلك يُحملها مسؤوليته مثل الأبناء، ويدفعها لتُنفق عليه مثلهم، غير مبال بما تعانيه زوجته خارج المنزل، ولكنه يطالبها علاوة على ذلك بتوفير متطلبات المنزل من طبخ وتنظيف وكافة الأعمال المنزلية.

ألم يرى مثل هذا الذكر أن صورته مشوهة أمام زوجته وأبنائه؟، فأول ما يُطالب به الرجل أن يكون مسئولًا عمن يعولهم ويتولى أمرهم.

فما هذا الذي يحدث؟؟؟؟؟؟؟

هل يحدث ذلك لأن الأمهات ومنذ زمن بعيد أخطأن في كيفية تربية الأولاد مقارنة بالإناث فنتج عن ذلك التدليل للذكور الذي تتزعمه النساء للأسف أن أصبح الرجال على هذا الحال، وأصبحت النساء هن من يتحملن المسئولية لأنهن لم يُدللوا مثل الذكور، والدليل على ذلك واضح من نسبة إعالة النساء للأسر بمفردها، وتحملهم المسئولية كاملة في الكثير من الأسر ونجد ذلك في الأسر الفقيرة والمتوسطة الحالة والميسورة الحال أيضًا.

أم أن هناك تراجع حدث في هذا الزمان للرجولة ومفهومها، واستغنى الكثير من الرجال عن دورهم كأزواج وآباء.

فقيمة الرجل في عمله وتوليه مسئولية من يعول وامتلاكه صفات الرجولة المعروفة. فعندما تقوم سيدة بعمل له قيمة كبيرة يصفها من حولها بأنها سيدة بمائة رجل، ولكن في مثل هذا الزمان يجب أن تتصف مثل هذه السيدة بأنها بمائة سيدة وليست بمائة رجل.

فالكثير من النساء لا يستطعن الوقوف مكتوفي الأيدي أمام احتياجات المنزل والأولاد، وعندما يقرر زوجها أن يجلس في المنزل غير مبالٍ بما لديه من مسئوليات، لا تأخذ هي نفس الموقف ولكنها تبحث ولا تكل حتى تجد المصدر الذي يعينها علي المعيشة، والغريب أن زوجها في مثل هذه الظروف عندما يجدها تعمل ووجدت فرصة عمل مناسبة أو غير مناسبة تحدث له حالة من الاتكالية والاعتماد عليها، ولا يرى الصورة بشكلها الصحيح وهو أنه المسئول الأول عن إعالة الزوجة والأولاد، وأنها  تتعاون معه فقط ولكنها ليست بديل له، خصوصا أنه يستطيع أن يعمل ويتكسب ولكنه لا يريد.         

لذا أسأل نفسي وإياكم ماذا حدث لمثل هؤلاء الرجال؟، زوج يتخلى عن مسئولياته ويقرر المكوث في المنزل بدلًا من السعي وراء لقمة العيش، وآخر طلق زوجته، وقرر ألا يقوم بالصرف على أبنائه بعد الطلاق، مع أنه طلق الأم ولم يطلق الأولاد، فأي مسلك يسلكه هؤلاء الرجال؟ هل يرضي ضميرهم عما يفعلونه؟ (فكفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول).   

ومن الهام أن نعي أن تخلي الرجال عن مسؤولياتهم هي مشكلة مجتمعية كبيرة يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة على الأفراد والأسر والمجتمع... فمن أكبر هذه العواقب هي اهتزاز الصورة الذهنية لمفهوم الرجولة في العقول. أيضًا، أولاد مثل هؤلاء الرجال يكبرون فاقدين القدوة التي تعرفهم معنى المسئولية والرجولة والأبوة الصحيحة، كذلك الرجل المتخلي عن مسئولياته لا يستطيع إعطاء الحب والاهتمام لمن حوله لأن ثقته بنفسه مهزوزة، فلقد تسرب إليه إحساس هائل بعدم مقدرته على فعل شيء له قيمة لمن حوله نتيجة تخليه عن مسئولياته وبالتالي أصبح شخص غير مفضل بين أسرته، ولا يشعر بالإنتماء إليهم، لأنه قرر أن يكون لنفسه فقط لا يتحمل مسئولية ولا يهتم بمن حوله.

لذا أقول لكم أيها المتخلون عن مسئولياتكم لا تغضبوا عندما تُسحب السجادة من تحت أرجلكم أنتم من اخترتم ذلك وعن طيب خاطر وأنتم في كامل قواكم العقلية، أنتم من قررتم الاستغناء عن دوركم الأساسي في الحياة دون مقابل، فلنا ولكم الله،،،،

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة