“الأسقف الزجاجية” وما تعانيه النساء في أماكن العمل

“يلا على المطبخ”، عبارة تعكس الواقع الذي تعيشه النساء بشكل يومي ما بين تنميط وإقصاء في مساحات العمل لحصر دورهن داخل إطار الأسرة وعند خروجهن يخلق لهن حواجز غير مرئية لإعاقتهن عن الوصول لأهدافهن في مسارهن المهني، وهو تحديدا ما تم تعريفه تحت مصطلح “الأسقف الزجاجية”.

ظهر مصطلح “السقف الزجاجي” لأول مرة في مايو 1978 عندما تحدثت به مارلين لودن خلال كلمتها في جلسة نقاشية بناءا على ما سمعته من النساء المشاركات في الجلسة، ووصفن ما يعانين منه من حيث العقبات الاجتماعية والتنميط الجندري وشعورهن بعدم استحقاقهن فرص للنجاح والتميز في مجالات العمل بسبب ذلك، إلا أن المصطلح تردد مرات أخرى في مواضع مختلفة قد تكون الأولى أيضا ولكن انتشاره جاء بعد أن ورد في تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال عام 1986، وجاء في مقال بعنوان “السقف الزجاجي: لماذا لا يمكن للنساء أن يكسرن الحاجز غير المرئي الذي يحجبهن عن الوظائف العليا؟”.

هذا المصطلح يصف ما ورد في العنوان السابق وهو ما لا يمكن أن نراه بأعيننا ولكن يعيق مسيرة النساء في مساحات العمل، كالتنميط والإقصاء كما ذكرنا، حيث أن في مجتمعاتنا العربية ينحصر دور النساء بين الزواج وتربية الأطفال والقيام بأعمال الرعاية، وما دون ذلك يعد خروج المرأة عن المسار المرسوم لها، مما يخلق عداوة مسبقة ضدها تُعيقها عن الترقي والتطور والتميز في أي فرصة عمل.

وعلى عكس ما قد يطرحه المنطق من أهمية دور المرأة اقتصاديا للأسرة، إلا أن مازال التقليل من هذا الدور هو الغلاف الذي يسود أي حديث مجتمعي عن عمل المرأة وانتاجيتها وأهمية تمكينها الاقتصادي، بطرح هذا الدور بشكل ثانوي وليس ضرورة مما يعزز الصورة النمطية السائدة عن عدم أهمية هذا الدور واستمرار ذكر أن العائل الرئيسي للأسرة هو الرجل ليحتفظ بامتيازات نالها بناء على ذلك الدور وحرمت منها النساء في المقابل، بدون أي اهتمام بما تعانيه النساء المعيلات بشكل جزئي أو كلي للأسرة وكأن كل المجتمع اتفق ضمنيا على أن يغطي أعيننا عما تقدمه المرأة المصرية والعربية من دعم وإعالة الأسرة، بل أن هذا الدور أصبح ضرورة لا يمكن الاستغناء عنه في أغلب الأسر المصرية بالتحديد، وبدلا من فتح الحديث حول العبء المزدوج الذي تعاني منه النساء في ظل حصرهن وإجبارهن مجتمعيا على الاستمرار في تقديم الدور الرعائي للأسرة أيضا.

كل هذا ينعكس على بيئة العمل التي تتواجد فيها النساء باستمرار، فالتنميط والإقصاء اللذين مارسها المجتمع من قبل يطاردان النساء في مساحات عملهن، لخلق عقبات غير مرئية ويصعب إثباتها ولا تخص القوانين، “بغض النظر على أن القانون ذاته يعزز هذا التنميط ويساعد على إقصاء النساء”، إلا أن “الأسقف الزجاجية” التي نتحدث عنها اليوم، لا يذكرها القانون ولا تنظمها اللوائح، بل تدار الأمور من أسفل الطاولة حتى تظل معاناة النساء مستمرة.

“الأسقف الزجاجية” هي حواجز تخلق في طريق النساء تمنعهن عن الحصول على الوظيفة أو الترقي فيها، أو الحصول على رواتب متساوية مع الرجل، وكذلك تجعلهن عرضة للتنمر الوظيفي والعنصرية، وكذلك التعرض للعنف الجنسي والنفسي داخل مساحات العمل بسبب اعتقاد من يشاركوهن المساحة الوظيفية أن النساء مكانهن المنزل لا العمل، وتحميلهن عبء أزمات كالبطالة وتردي المرتبات بسبب موافقة بعضهن على أجور ضعيفة في سبيل الحصول على وظيفة، أو الوصم الأخلاقي لخروج النساء من منازلهن، فالاتهام المسبق للضحية في جريمة التحرش مثل “هي اللي عاوزة كده” يطول النساء في مساحات العمل، وكذلك اتهامات أخلاقية تطارد أي موظفة تحصل على فرصة متميزة أو منصب قيادي حول حصولها عليه بسبب مقابل جنسي قدمته مسبقا، أو الأحكام المهنية التي تصدر تجاه النساء مسبقا أيضا وعليها أن تعمل بشكل مضاعف لإثبات عكس ما يتردد حول كفاءتها الضعيفة وإلخ.

كل ذلك وأكثر تعانيه النساء ويندرج تحت مصطلح “السقف الزجاجي”، ولا يصفه القانون أو تستطيع النساء أحيانا إثباته وحتى إن تم ذلك لن تجد حلا قانونيا تجاه ما اختبرته، لتظل النساء تعاني وتخسر مسارها المهني وتحاول أن تتخطى عقبات خُلقت فقط لها لأنها إمرأة، ويظل الحديث عن اهتمام الدول بتمكين النساء وأهمية ريادة النساء للأعمال، ونحتفل جميعا بخبر تعيين فلانة في منصب قيادي لندرة حدوثها متجاهلين ما قد تواجهه بعد أن اعتلت هذا المنصب واستمرار معاناتها حتى بعد حصولها على المنصب وكسرها بعض من هذه الحواجز.

كل هذه المحاولات التي تبذل من جهة دول مختلفة لن تأتي بثمارها دون إدراك ما تخلقه الثقافة الذكورية بشكل متوازي أمام النساء لحجب عنهن فرصة الخروج من سطوة السلطة الأبوية، أو الوصول إلى أرض واحدة وفرص متساوية مع الرجل مما يهدد امتيازاته داخل العمل والمجتمع والبيوت معا.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة