بين السجن والملاحقة.. “الفكر والتعبير” ترصد انتهاكات بحق أسر المعارضين

تحت عنوان “السجن والملاحقة.. ميراث أُسر وأقارب المعارضين المصريين في الخارج والداخل”، أصدرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير- مؤسسة حقوقية غير حكومية – تقريرًا مفصلًا عن الانتهاكات التي تتعرض لها أسر المعارضين المصريين داخل حدود الوطن وخارجه.

واعتمد التقرير على سبع شهادات من عددٍ من المعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان المصريين المقيمين خارج وداخل مصر، بالإضافة إلى عدد من الشهادات المنشورة على ‏مواقع التواصل الاجتماعي ‏فضلًا عن تتبع البيانات الحقوقية والأخبار الصحفية المنشورة في هذا الصدد.

وفي مقدمة التقرير أوضحت وحدة الرصد والتوثيق بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، أن عدد من أسر وأقارب المعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، المصريين، تعرضوا لأنماط متعددة من التضييقات والانتهاكات، سواء كان ذووهم محبوسين أو مقيمين في الخارج، والتي لم تتوقف منذ سنوات. ‏وأشارت الوحدة إلى تنوع تلك الانتهاكات، بداية من المراقبة والملاحقة والتتبع أو استهداف لأهالي البعض بعد مغادرة ذويهم البلاد، مرورًا بالترهيب والقبض، ووصولًا إلى الحبس عقابًا على نشاط الأقارب المعارضين.

الضغط على أهالي المعارضين في الداخل

على الرغم من أن الدستور المصري نص في مادته الـ95 على أن: “العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون”. فمن المسلَّم به أن المسؤولية الجنائية شخصية وبالتالي فتوقيع عقوبة الجريمة يكون على مرتكبها فقط، إذا توفر في حقه ركنًا الجريمة المادي والمعنوي”.

كما رصدت وحدة الرصد بالمؤسسة انتهاك السلطات المصرية لهذه المادة، وذلك عبر ملاحقة مواطنين مصريين لأنهم فقط من ذوي وأقرباء معارضين سياسيين ومدافعين حقوقيين، سواء كانوا مقيمين في الداخل أو مغتربين.

إذ أشار التقرير إلى خمس حالات، تنوعت بين القبض على أقارب وأنصار برلماني سابق ومرشح محتمل لرئاسة الجمهورية، شقيق صحفي ونقابي معارض يشغل حاليًّا منصب نقيب الصحفيين، أسرة محامٍ حقوقي، ونجل رئيس تحرير موقع صحفي.

فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ في مايو الماضي، ألقت قوات الأمن القبض على محمد سيد عبد القادر، خال النائب البرلماني السابق أحمد الطنطاوي، من منزله. وواجهت النيابة عبد القادر بعدد من الأحراز، كما وجهت إليه النيابة اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية مع علمه بأغراضها، ارتكاب أحد جرائم تمويل جماعة إرهابية بإمدادها بالأموال لتنفيذ أغراضها، وحيازة مفرقعات دون الحصول على تصريح بذلك. قبل أن تقرر نيابة أمن الدولة العليا، حبس عبد القادر احتياطيًّا على ذمة التحقيقات.

وكان طنطاوي قد أعلن في بيان على صفحته عبر موقع فيسبوك أنه تم إلقاء القبض أيضًا على عمه وعدد من أقرب أصدقائه، بالتزامن مع اقتراب الموعد الذي أعلنه للعودة إلى مصر قادمًا من لبنان، بعد رحلة دراسية قصيرة.

وفي 10 مايو أُخلي سبيل محمد سيد عبد القادر، خال الطنطاوي، بكفالة مالية قدرها خمسة آلاف جنيه – بحسب وحدة المساعدة القانونية لمؤسسة حرية الفكر والتعبير.

‏وفي نفس السياق نشر الطنطاوي يوم الجمعة ٢٦ مايو، بيانًا، تحدث فيه عن المزيد من التضييقات الأمنية على أهله وأصدقائه، كان آخرها القبض على ٩ من أصدقائه.

وأكد التقرير على أن هذه ليست المرة الأولى التي تتعامل فيها السلطات المصرية مع أسر وأقرباء المعارضين والسياسيين كأداة ضغط وعقاب.

ففي 26 سبتمبر 2019، تعرضت أسرة المحامي الحقوقي ورئيس اللجنة القانونية لحزب الدستور في البحيرة، محمد حمدون، للاستهداف الأمني المباشر. حيث ألقت قوة أمنية القبض على حمدون، وزوجته الناشطة النسوية أسماء دعيبس، رئيس مركز بنت النيل لحقوق المرأة، وكذلك والده وشقيقه، وذلك أثناء جلوسهم على أحد المقاهي في مدينة دمنهور.

وبحسب شهادة أحد أفراد العائلة، فضَّل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، فإنهم أثناء القبض عليهم، تعرضوا للضرب، وتم تغطية أعينهم وربط أيديهم بأحزمة جلدية، تم الاستيلاء على متعلقاتهم الشخصية، التي كان بينها: جهاز كمبيوتر شخصي وهواتف محمولة.

وبعد 4 أيام من الاختفاء، تم ضم “محمد حمدون، وزوجته أسماء دعيبس، وشقيقه أحمد حمدون” إلى القضية رقم 1338 لسنة 2019، التي ضمت مئات المعتقلين ممن ألقي القبض عليهم في نفس التوقيت، وظل الثلاثة محبوسين حتى 26 أكتوبر، بعدها أٌخلي سبيل محمد فقط.

تم القبض على محمد حمدون مرة ثانية، ومعه والده العميد حلمي حمدون، ووجهت إليهم النيابة اتهامات باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لترويج أخبار كاذبة، ومشاركة جماعة الإخوان المسلمين في أهدافهم، والانضمام إلى جماعة إرهابية اسمها الحركة الشعبية المصرية، وقررت النيابة حبسهم احتياطيًّا 15 يومًا على ذمة التحقيقات. تم إخلاء سبيل الزوجة بعد أسبوع من القبض على الزوج، حتى أخلي سبيله للمرة الثانية بعد عام وثمانية أشهر، وخرج الأب بعد عام من الحبس الاحتياطي.

الضغط على أهالي المعارضين في الخارج

في هذا القسم ‏رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، خمس حالات استهدفت فيها السلطات المصرية ذوي معارضين مقيمين في الخارج، في مخالفة صارخة للدستور والقانون والمواثيق الدولية الملزمة في هذا الشأن.

وأوضح التقرير أن من بين هؤلاء نجل وشقيق إعلامي معارض، وابنة الشيخ يوسف القرضاوي، وشقيق الناشط المدون وائل غنيم، فضلًا عن شقيق الإعلامي معتز مطر وزميله الإعلامي محمد ناصر، وهم إعلاميون معارضون مقيمون في الخارج.

فعلى سبيل المثال؛ ‏في إبريل الماضي، أعلن الإعلامي المقيم في الخارج، حسام الغمري، عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، قيام قوات الأمن المصرية بالقبض على شقيقه المهندس محمد الغمري، لاتهامه بـ”الانضمام إلى جماعة إرهابية، وممارسة نشاط تلقي أموال من الخارج، وتمويل الجماعة داخل مصر”. وقد أنكر الغمري كافة الاتهامات الموجهة إليه، وأكد أنه لم يسبق له الانتماء إلى أية جماعة أو حزب سياسي، وليس له أية أنشطة سياسية”.

كما أشار التقرير إلى أنه سبق القبض على الشقيق محمد، القبض على يوسف الغمري، نجل حسام الغمري، والطالب بكلية الهندسة، وذلك  فجر يوم 25 أكتوبر 2022 الماضي، من منزل العائلة بمدينة القنايات بمحافظة الشرقية، وإخفاؤه قسريًّا أكثر من شهر، قبل عرضه على نيابة أمن الدولة العليا بتهمة بث أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة إرهابية أسست على خلاف القانون، وذلك بعد مشاركة والده عددًا من المصريين المقيمين في الخارج في الدعوة إلى تنظيم تظاهرات معارضة في مصر في يوم ١١ نوفمبر 2022.

كما تحدث التقرير عن علا القرضاوي والتي ألقي القبض عليها في 30 يونيو 2017، بصحبة زوجها حسام خلف، القيادي بحزب الوسط، أثناء قضائهما إجازتهما في الساحل الشمالي في شاليه عائلي، وجهت إليهما في البداية اتهامات بنقل بعض المفروشات من الشاليه، بحجة أن هذا الشاليه مملوك لوالدها رئيس الاتحاد العام لعلماء المسلمين السابق يوسف القرضاوي، والمدرج اسمه على قوائم الإرهاب وقوائم التحفظ على الأموال.

وبعد إثبات القرضاوي أن الشاليه مملوك لوالدتها، أدرجتهما النيابة على ذمة القضية رقم 316 لسنة 2017 ووجهت إليهما تهم الانضمام إلى جماعة على خلاف القانون وتمويلها، وهي التهم التي استمر حبس القرضاوي وخلف، على ذمتها لمدة عامين، قبل أن تعيد النيابة حبسها على ذمة قضية جديدة برقم 800 لسنة 2019 بنفس التهم في يوليو 2019، وهو ما دخلت على إثره علا في إضراب عن الطعام وقتها.

ورغم أن محكمة جنايات القاهرة قررت في 19 فبراير 2020 إخلاء سبيلها، فإن النيابة استأنفت على هذا القرار في اليوم التالي لتستمر القرضاوي في الحبس حتى 12 ديسمبر الماضي، بينما لم تحدد المصادر موقف زوجها وما إذا كان ما زال محبوسًا على ذمة القضية الأولى طوال قرابة الخمس سنوات الماضية، أم تم تدويره على ذمة قضية جديدة.

استخلصت مؤسسة حرية الفكر والتعبير من الشهادات والتقارير التي اعتمدت في التقرير على عدة ملاحظات، على رأسها استخدام السلطات المصرية للحبس الاحتياطي المطول ضد أهل وذوي المعارضين المصريين، كما استهدفت السلطات المصرية أسر وذوي المعارضين السياسيين في داخل مصر لسببين رئيسيين، الأول يرتبط بعقاب هؤلاء السياسيين على معارضتهم المعلنة، ولثاني فيرتبط بفضح ذوي المعارضين المحبوسين داخل السجون على خلفية سياسية لما يتعرض له ذووهم داخل السجون.

واختتمت المؤسسة تقريرها بأن السلطات المصرية تنتهك الدستور والقانون والمواثيق الدولية الملزمة، بملاحقتها أسر المعارضين السياسيين والمدافعين الحقوقيين المقيمين في الداخل والخارج، ‏وهي الممارسات التي تؤكد المؤسسة على أنها نمط انتهاك اعتيادي يجب أن تتوقف السلطات المصرية عن القيام به.

اقرأ أيضاً: “الفكر والتعبير” تقدم ورقة عن انتهاكات الحريات الأكاديمية واستقلال الجامعات إلى الحوار الوطني

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة