عبقرية الفوضى.. نار النجاة

في عام 2011 انتشر مصطلح "الفوضى الخلاقة" في الوطن العربي بعد أحداث ثورة يناير وهو ترجمة لمصطلح بالانجليزية “Creative Chaos”  ،وبغض النظر عن تشويه الأنظمة العربية للمصطلح واستخدام فلول الأنظمة الساقطة بعد الربيع العربي. من وجهة نظري لم يظلم "الفوضي الخلاقة" أكثر من ترجمتها الحرفية، كان من الأفضل أن تسمى الفوضى الذكية أو الفوضى الإبداعية أو الفوضى البناءة، في كل الأحوال فات الأوان على إعادة تسميتها الأن، ولكنه لم يفت على شرح تاثيرها وأهميته وقوة فاعليته.

عند الحديث عن الذكاء يأتي دائما السؤال "ما هو مفهوم الذكاء؟" ،ويبرز التعريف الأشهر "الذكاء هو القدرة على التفكير والتعلم"،ولكن هذا هو الذكاء في الظروف العادية، أما الإبداع والعبقرية تأتي من تجاهل التعلم والقدرة على إعادة التفكير وفهم الأنماط والتحرر منها واطلاق العنان لعبقرية الفوضى.

قد يبدو كلامي أمامك الأن نمط من أنماط الجنون أو الميل إلى العشوائية والفوضي، لكن دعني أحكي لك مأساة "مان جلاتش"،التي وقعت في الخامس من اغسطس عام 1949 عندما قفز 15 رجل من أعلى سماء مانتنا نزولاً إلى جبل مان جلاتش في الولايات المتحدة الامريكية، كانوا متخصصين في مقاومة حرائق الغابات وبعد قطع مسافة ليست طويلة أدرك قائدهم "واجنر دودج" أنه لا أمل في محاولاتهم اطفاء هذا الحريق وأمر رجاله فورا بأن يلقوا عتادهم و يهربوا، وبعد مرور من ثلاثة إلى أربعة دقائق ،توقف القائد راجنر ونظر إلى النار واكتشف أن محاولة هروبهم بائسة وشبه مستحيلة، لأن خلفهم ألسنة اللهب على ارتفاع 9 أمتار وتقترب منهم بسرعة 600 ياردة في الدقيقة وهم خلال 4 دقائق قد قطعوا 200 ياردة. فتوقف مكانه وبدأ بإشعال النار من حوله في الأشجار ونادى باقي فريقه للإنضمام إليه، في هذه اللحظة نظر إليه أعضاء فرقته بارتياب وتشكك في سلامة قواه العقلية وهربوا جميعا.

 أربعة عشر رجلا قرروا أن قائدهم فقد عقله لأنه يخالف التفكير المنطقي، وهو إطفاء الحريق لا إشعاله ويخالف كل ما تعلموه وكانت النتيجة أنه لم ينج من 14 رجلا إلا اثنان  بأعجوبة و تفحمت أجساد البقية، لأنهم تصرفوا بذكاء وفقا للظروف الطبيعية. لكن المفاجأة كانت نجاة القائد راجنر لأنه حين أدرك حتمية خسارته في سباقة مع ألسنه اللهب، قرر أن يحرق الأشجار من حوله ويطفئها، حتي إذا وصلت إليه النار لا تجد وقود كافي لها من خشب الاشجار فيظل محيطه الذي أحرقه وأطفئه، منطقة لا تشتعل فيها النيران.

 ما قام به القائد راجنر ببساطة هو تجاهل للتعلم وإعادة التفكير وإطلاق العنان للفوضي، لمقاومة الفوضى الطبيعية من حوله وكان ذلك سبب نجاته الإعجازية وسبب لتدريس ما قام به في مدارس الإطفاء تحت مسمى النار المنقذة او نار النجاة.

وفقا لكتاب أدم جرانت "إعادة التفكير" الذكاء هو القدرة علي التفكير والتعلم، ولكن هذا في الكون المثالي، هذا هو الذكاء النمطي القادر على تسيير حياتك في الظروف العادية والمنطقية ولكن العبقرية والإبداع في حاجة إلى الفوضى وتجاهل التعلم وإعادة التفكير بنمط وشكل مختلف، لأن الكون والطبيعة من حولنا يميلوا بطبعهم إلى الفوضى والتشتيت.

 لك أن تتخيل أن الفوضى هي السبب الرئيسي في نشأة الكون ؟

اقرأ أيضاً: أبناء القلق

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة