الحماية الاجتماعية مفهوم قديم، نشأ كرؤية خيرية تهدف لمساعدة الفئات المهمشة والفقيرة لتوفير الحد الأدنى للحياة من غذاء وكساء، وتطور المفهوم بتطور المجتمعات، وأخذ أبعادًا عديدة مع تطور الرأسمالية التي أنتجت أشكالًا عديدة من الاستبعاد الاجتماعي، وتهميش فئات اجتماعية مختلفة وجدت نفسها خارج علاقات الإنتاج، وعانت من الفقر، فالمستبعدين أو المهمشين كما تسميهم منظمات التنمية يعانون من الفقر وعدم القدرة علي تلبية الحاجات الأساسية، وتزداد أعداد المهمشين كل يوم مع أزمات الرأسمالية المتكررة، وانضمام أعداد كبيرة يوميًا لصفوف البطالة، هذا الإقصاء أو التهميش يشوه صورة مجتمع الرفاهية الذي روجت له الرأسمالية، المجتمع الذي يتمتع بالاستقرار الاقتصادي، والدخل المناسب، والتعليم الجيد، لكنه مجتمع لا يستوعب الجميع، فتكلفة الرفاهية كبيرة، كما يحتاج مجتمع الرفاهية للحماية من جيوب الفقر التي تنتشر حوله من كل الجهات.
ومن دون الخوض في التطور التاريخي للحماية الاجتماعية، وتنوع السياسات التي تهدف للحماية من الفقر، والأدوار المختلفة التي ساهمت في تطوير سياسات الحماية ما بين الحركات الاجتماعية التي تهدف للوصول لأكبر استفادة ممكنة لتوفير الحد الأدنى للحياة الكريمة للفقراء، وبين المؤسسات الرأسمالية التي تبنت برامج مختلفة للتقليل من آثار السياسات المالية وعلى رأسها صندوق النقد، والبنك الدوليين.
ما يهمنا هنا هو سياسات الحماية الاجتماعية للأشخاص ذوي الإعاقة، بوصفهم أكثر الفئات التي تحتاج للحماية، حيث يعانون من البطالة أكثر من غيرهم، وتعرضهم لأخطار انخفاض المرونة الاقتصادية، بالإضافة لحاجتهم لتكاليف إضافية للأجهزة المساعدة، والتنقل، وغيرها من تكاليف الإعاقة، فمعايير الحماية الاجتماعية للأشخاص ذوي الإعاقة، تختلف عن غيرهم من الفئات المهمشة، وقد حددت اللجنة المعنية بالاتفاقية الدولية لحقوق ذوي الإعاقة أربعة معايير أساسية هي دعم التدريب والتأهيل، ضمان تكاليف الإعاقة، ودعم نفقات الإعاقة وانخفاض الدخل، وتجنب العزل بالمؤسسات السكنية.
والحقيقة أن هذه المعايير منصوص عليها بقانون حقوق ذوي الإعاقة المصري 10 لسنة 2018. لكن الواقع بعيد جدًا عن هذه المعايير، حيث تنحصر سياسات الحماية الاجتماعية للأشخاص ذوي الإعاقة في مصر في الدعم المالي سواء معاش التضامن الاجتماعي أو معاش تكافل وكرامة والذي يبلغ 500 جنيهًا، بالإضافة للإعفاءات الضريبية على الأجهزة المساعدة، والإعفاء الضريبي على السيارات الخاصة، وتخصيص نسبة 5% من إسكان الدولة. هذه السياسات لا تلبي الحد الأدنى للحماية الاجتماعية، فالمعاش النقدي لا يضمن أي حد للحياة الكريمة بالتأكيد، كما أنه يغطي حوالي 1.5 مليون شخص طبقًا لبيانات وزارة التضامن أي ما يقارب 10% فقط من ذوي الإعاقة، ولا توجد أي تغطية لنفقات الإعاقة، والتي تعني التكاليف الإضافية الخاصة مثل صعوبات التنقل، وتكلفة المساعدة الشخصية، وتهيئة السكن وغيرها من تكاليف، وحتى الأجهزة المساعدة المعفاة من الضرائب ما زالت مرتفعة الثمن بالنسبة للأغلبية، كما لا تشمل الأجهزة المساعدة بالتعريف القانوني التليفونات الحديثة لذوي الإعاقات البصرية، والسمعية، والتطبيقات البرمجية الخاصة بذوي الإعاقة البصرية، أما السكن فلا يحظى ذوي الإعاقة سوى بتخصيص نسبة 5% من إسكان الدولة دون أي دعم مادي أو فني بمعني التجهيزات الخاصة للإعاقات المختلفة.
تحتاج سياسات الحماية الاجتماعية الحالية لمراجعة شاملة، خاصة السياسات الخاصة بحماية الأشخاص ذوي الإعاقة، ويجب الاستفادة من التجارب الدولية المتقدمة في هذا المجال مثل فرنسا وألمانيا واليابان تلك البلاد التي تطور سياسات الحماية الاجتماعية لذوي الإعاقة بشكل مستمر، حيث تشمل كل ما يخص احتياجات الشخص من تكاليف مالية، وفنية، فبعض البلاد تتولى الدعم الشخصي بتوفير مساعد بأجر من قبل الدولة، وتشمل بعض السياسات دعم مساعدة الحيوان مثل الكلب المدرب لمساعدة ذوي الإعاقة البصرية، والأهم أن تتواكب برامج الحماية مع الأوضاع الاقتصادية فمن المؤكد أن الأوضاع الحلية التي تشهد ارتفاعات غير مسبوقة في الأسعار تدعو لزيادة كبيرة في الدعم النقدي لضمان حد أدنى من الحياة الكريمة التي تحفظ كرامة الإنسان فعليًا.