“الرجالة مبتلبسش جيبة ليه يا وديع؟”.. إجابات علمية تعرفها لأول مرة

الملابس من أهم الملامح والسمات الشخصية بالنسبة للإنسان بشكل عام أيًا كان لونه أو شكله، كما لها تأثير كبير على السلوكيات والحالة المزاجية بالنسبة للبشر ارتبطت بالإنسان منذ بداية الخليقة وحتى وقتنا هذا وتطورت مع تطورات وتغيرات العصور عبر الأزمنة والبيئات المختلفة وفقًا لطبيعة الإنسان الخاصة ومكانته المجتمعية وحالته الاقتصادية، كما أنها تعد من المتغيرات المثيرة لتأثيرها على تكوين الانطباعات والصفات الإدراكية الاجتماعية أو السلوكيات بمفاهيمها المتنوعة.

الملابس صراع طبقي وثورة تغيير شاملة عبر الزمان منذ بداية الخليقة كما ذكرنا، فهي فطرة إنسانية داخل الروح البشرية، على سبيل المثال عندما بدأ آدم وحواء مواراة أجسادهم بورق الشجر سواء لحمايتهم من عوامل الطبيعة والجو حتى أصبحت جزءًا أساسيًا من هوية الإنسان ذاته وفقًا لأفكاره ومعتقداته واهتماماته، حتى صارت جزءًا من هوية المجتمعات والشعوب، فالإنسان كان يلف جلد الفريسة من الحيوانات التي كان يقوم بصيدها لحماية جسده من حرارة الشمس الحارقة أو البرودة القارصة أو ليزين نفسه بها كي يكون شكله أفضل، فكان يعتبرها الإنسان جزءًا من الحماية والتزين، ثم بعد ذلك تطورت هذه الملابس مع التغيرات البيئية والفكرية عبر الأزمنة، كان النساء والرجال يرتدون نفس الملابس دون وجود فرق بين الجنسين، ومع التطور بدأوا في صناعة الملابس فكان الإنسان يعتبرها وسيلة تعبر عن انتمائه لمجتمع معين ونمط حياة معين.

علي سبيل المثال، كان المصري القديم يرتدى ثياب واسعة مثل “العباءة” وثياب قصيرة مثل التنورة ملفوف بوسط الجسم، والنساء كانت ترتدي مثله ملابس واسعة تلف بها جسدها سواء كانت عباءة أو قطعتين واحدة تلف على صدرها وأخرى تلف من منتصف جسدها، فكان الرجال والنساء متساوون يرتدون نفس الثياب والعباءات الواسعة بأشكال وطرق مختلفة على مر الحقبات المصرية القديمة وغيرها من الحضارات والعصور اللاحقة، فكل تطور بالملابس كان يتم وفقًا لعوامل بيئية لكل شعب وكل حقبة زمنية، فكان لرجال السياسة ملابس  تعبر عنهم وملابس الطبقة العليا ملابس خاصة و طبقة الكادحين أو الطبقات العادية الأخرى لهم نمط مختلف من الملابس، ولكن كان الذي يجمعهم هو الجلباب الواسع أو القطعة الملفوفة على وسط الجسد، حتى تطور شكل الملابس التي نرتديها في يومنا هذا وفقًا لثقافة المجتمع وتغيراته المعاصرة وكل حسب أفكاره ومعتقداته ورغم أن البداية كانت عبارة عن  “جيبة”  أو “تنورة” كما كانت تسمى قديمًا ويرتديها الجميع من الجنسين، إلا وأننا نجد أن ثقافة “الجيبة” أصبحت ملابس خاصة بالنساء فقط ووصل الحال إلى أنه عيبًا وإهانة للرجل أن يرتدي “الجيبة” رغم أنه ما زال يرتدي العباءة كالنساء أيضًا، فهناك رجال دين يستندون إلى حديث شريف نصه يقول: “لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال و المتشابهين من الرجال بالنساء”.

علي سبيل المثال الذين يستندون إليه أن المرأة لا يصح أن ترتدي البنطلون الذي يرتديه الرجل، ولا يصح للرجل أن يرتدي الجيبة أو التنورة التي ترتديها النساء فهما ملعونان إذا فعلوا ذلك. فهناك التساؤل الذي يطرح نفسه، كيف عرف هؤلاء من رجال الدين أن الحديث يقصد الملابس هذه لكي تصبح مثال لثبوتية الحديث؟

رغم أنني أرى على الصعيد الآخر من زاوية دينية أخرى على سبيل المثال أن ملابس الحج لحجاج بيت الله الحرام تتمثل في قطعتين قطعة تلف في منتصف الجسد على الصدر وقطعة أخرى تلف على الجسد من منتصفه، وهذا يرجع بنا إلى البدائية منذ أن ارتدى الإنسان الثياب أو الملابس والتي تعتبر متشابهة لملابس النساء، لذلك نستنتج من هنا أن هذا المثال لثبوتية هذا الحديث ترفضه العقول المفكرة والعاقلة.

وعلى صعيد آخر في إحدى الدول المتقدمة مثل “إسكتلندا” على سبيل المثال ما زالت تعتبر الزي الرسمي لها هو “الجيب الصوفي” والذي يعبر عن هويتها الثقافية والبيئية، فتظل هذه الجيبة أو التنورة مصدرًا من مصادر الاعتزاز كمواطن إسكتلندي رغم كل هذا التطور في مجال الموضة والأزياء المعاصرة، ولكنهم يحتفظون بها لأنها تشعرهم بروح الانتماء لوطنهم وبلادهم، بالإضافة إلي وجود شعوب غربية أخرى هناك بها من يرتدى هذه الجيبة من رجال الهند ورجال أيرلندا وغيرها من الشعوب.

ارتداء الجيبة أو التنورة ليست بشكل غريب على الأذهان والمجتمعات العربية أيضًا، فمثلما كان يرتدي المصري القديم هذه التنورة أو قطعة القماش الملفوفة أو الجيبة بمعناها المعاصر فأيضًا نجد شعوبًا عربية أخرى وحتى وقتنا المعاصر ما زال يرتدون الرجال يرتدون بها التنورة منها  إذار في اليمن أو رجال بلدة سارونج في المملكة العربية السعودية.

ومن هنا نعود إلى حديثنا عن مصر بشأن ثياب مواطنيها، وبما أننا أكدنا على أن الملابس تعبر عن الهوية الشخصية للأفراد والعامة للمجتمعات فنؤكد أيضًا على ضياع هويتنا الثقافية والمجتمعية المصرية وخاصة في الملابس بعد أن كانت الأزياء المصرية محطة أنظار الجميع في العهد القديم و تعبر عن هوية وتاريخ عظيم عبر الأجيال والأزمان، إلا وكانت تتأثر تأثير هائل بثقافة محتليها و مغتصبيها من الشعوب التي تسعى دائمًا إلى السيطرة على الشعوب الأخرى سواء كانوا من دول الشرق أو دول الغرب سواء بصورة مباشرة وغير مباشرة، سواء كانت تحمل طابعًا دينيًا أو طابعًا تقدميًا وتنويريًا.

اعتاد أهل مصر على هذا الكم من التغيرات الفكرية التي كانت تفرض عليهم حتى في لهجاتهم الكلامية نجدها مختلفة كثيرًا عن بعضها، فتختلف اللهجة في الريف عن المدينة، من الوجه البحري عن القبلي عن صعيد مصر عن أهل النوبة وغيرها من المناطق الحدودية، فمصر جامعة لتنوع عجيب من البشر سواء في ملابسهم أو أفكارهم نجد أيضًا أنها تأثرت تأثرًا شديدًا للغاية بالفكر الوهابي التي صدرته لنا السعودية بأفكاره المغلوطة عن الدين، وباسم الدين سيطرت به على عدد لا حصر له من الشعب المصري.

فظهرت أنواع وأشكال عديدة لملابس النساء والرجال والأطفال فبعد أن خلد المصري القديم حضارة قديمة شامخة لها هويتها وثقافتها وطباعها وعاداتها الخاصة تصبح مصر بلا هوية ثابتة في أهم وأبرز سمات البحث عن الهوية هي الأيدولوجية التي تشمل عناصرها الأساسية كاللغة والتاريخ الموحد الذي أحد ما يميزه الملابس والتراث، ولكن ضياع الهوية الثقافية والقومية  ينتج عنها ضياع الهوية في الملابس والفنون واللغة على اعتبار أن الهوية هي انتماء الجماعة البشرية لوطن واحد يجمعهم تاريخ ولغة مشتركة وتراث ثقافي واحد والتي تعد الفنون والعادات والتقاليد جزء أساسي من تلك الثقافة بجانب الملابس التي نستهدفها اليوم بالحديث عنها.

ومن هنا نؤكد على أنه لا بد من استعادة أو تحديد هويتنا المصرية دون تأثير من أحد عليها، ويتم ذلك من خلال الأجيال الصاعدة التي لا بد أن تتعرف على هويتها المصرية القديمة بكافة أنماطها سواء من تراث وفنون وعلوم وثقافة بكافة أنماطها، والتي منها الملابس التي تعد واجهة أساسية للأفراد والمجتمعات والأوطان.

هل سيحدث ذلك أن نظل دائمًا نجابه استعمار يسيطر على أوطاننا من خلال عقولنا يسيطر على عقولنا من خلال محو تاريخنا وحضارتنا بكافة السبل الممكنة، نحن في الأصل أصل التنوير والإبداع والفنون والفكر. فهل سنجدد الآمال لاستعادة ذلك؟

وأخيرًا وليس آخرًا، وبعد هذه التغيرات التي طرأت على العالم أجمع من اختلاف ثقافتها وأنماط الحياة والمجتمع التي تنوعت سماتها التي تم اندثارها ومنها التي استعادت هويتها، ونجد أيضًا شعوبًا تحاول أن تسيطر على شعوب أخرى من خلال خلق أفكار وثقافات تسيطر على شعوب أخرى يريدون الاستيلاء على ثرواتها وخيراتها ومحو هويتها الثقافية والقومية والسيطرة على عقول ووجدان شبابها.

وبعد أن لاحظنا حديثًا عودة الرجال لارتداء “التنانير” أو “الجيب” في أوروبا، على اعتبار أن الأزياء والملابس لا تفرق بين الجنسين كأصل الإنسان البدائي عندما استطاع أن يتوصل إلى الملابس التي يرتديها لأي سبب كان يقتنع به كما ذكرنا في البداية، وأجد أنه آن الأوان أن أختتم حديثي معكم بتساؤل يطرح نفسه. هل سيعود الرجال لارتداء الجيب مرة أخرى أم لا؟!

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة