أطل علينا شيخ فيسبوكي جديد بفتواه ردًا على تساؤل إحداهن حول مسألة طاعة الزوج، عرضت السيدة مشكلتها على الشيخ على تطبيق صراحة حيث رفض زوجها أن تذهب لزيارة والدتها ورعايتها في مرضها، وجاء تساؤلها هل عليها طاعته في ذلك؟ فأجابها "أطيعي زوجك".
هاجم العديد من رواد السوشيال ميديا هذه الفتوى المجردة من أية اعتبارات تخص مشاعر الزوجة ورغبتها في رعاية أمها، بل لم يسأل الشيخ حول من يرعى الأم في حالة عدم ذهابك؟ تجاهل تمامًا كل النقاط المهم ذكرها قبل أن يفتي بالطاعة العمياء للزوج في مسألة زيارة الأهل ورعايتهم، جاء الهجوم من منطلق أن هذه الفتوى تمنع فضل بر الوالدين على الزوجة، وكذلك تعد طاعة في معصية ولذلك فهي فتوى باطلة، مع التأكيد على أن الطاعة تأتي في الخير لا في المعصية وعقوق الوالدين.
في الفقه الإسلامي جاءت طاعة الزوج في أكثر من موضع وأهمها تعريف حكم الناشز على النساء، والنشوز هو امتناع الزوجة عن طاعة الزوج ـ في غير معصية ـ وعدم القيام بحقوقه الزوجية، كأن تمتنع عن معاشرة زوجها مع رغبته دون عذر شرعي، أو تخرج من بيته بدون إذنه، أو تمتنع عن السفر معه إلى بلده التي يقيم فيها، أو إلى مسكنه الجديد المناسب. وهذا النشوز محرم، ويسقط حق الزوجة في النفقة، وسقوط النفقة يبدأ من يوم النشوز الفعلي؛ وإن ثبت بعده بمدة.
ومن المقرر في الفقه الإسلامي أن النفقة تُستَحق للمرأة إذا توافر سببها وهو الزواج مع توافر شرطها أيضًا وهو الاحتباس، أو الاستعداد له وهو الطاعة، فإذا سلَّمت المرأة نفسها إلى زوجها وتمكن من الاستمتاع بها، ونقلها إلى حيث يريد، وكانا من أهل الاستمتاع في نكاح صحيح ـ وجبت لها النفقة أو بمعنى آخر الطاعة مقابل النفقة.
ما سبق هو عرض بسيط من موقع فتاوى شهير يعرف فيه على لسان الشيوخ والسلف الزواج من وجهة نظر فقهية مستندين إلى بعض الأحاديث وتفاسير آيات القرآن، هذا العرض الذي يتنافى تمامًا مع آيات آخرى وتفسيراتها عن التآلف والسكون الذي يبنى عليه الزواج الإسلامي، بل يركز على مادية حقوق الزوج وحقه في امتلاك زوجته، وتشييء فرج المرأة وجسدها وحرمانها من حريتها لتتحول إلى شكل منمق من العبودية المجردة.
قد يهاجم البعض وصفي لما قرأتموه، لكن هذا العرض يضع بشكل صريح نفقة الزوج على زوجته مقابل طاعته وتمكينه من "فرجها" أي الاستمتاع بها، هذه المصطلحات التي تحول الزواج إلى عقد مشوه لا يتحدد بين بنوده أية ألفة أو مودة ورحمة كما ذكر في القرآن أيضًا، وعند البحث لن تجد أية فروق كبيرة بين تعريف العبودية و التعريف السابق لحق الزوج في زوجته.
هذا التعريف الذي يضمن للزوج حق التسلط على زوجته في استخدامه حق الموافقة والرفض على زيارتها لأهلها، لاختياراتها الشخصية كلها، وصولًا لحرية جسدها وحقها في رفض العلاقة الجنسية دون عذر شرعي والذي فسره بعض الشيوخ بأنه علة طبية أو الدورة الشهرية فقط، وكذلك حبسها أو منعها من العمل ومن الخروج وغيره، تمكين مطلق غير محدد بشروط إلا في حالة أمرها بمعصية، متجاهلين تمامًا أن بني آدم رجالًا ونساءً مختلفون في نظرتهم للحياة واحتياجاتهم، فكيف تترك القوس مفتوح للإنسان يأمر ويتحكم في حياة آخر لاختلاف الجنس بموجب عقد؟!
وعلى الرغم من كل هذه الأسئلة المشروعة، جدير بالذكر أن كل ما تم طرحه كحق مطلق للرجل مقرون بالنفقة، "الطاعة مقابل النفقة"، كيف الحال الآن ونسبة الأسر المصرية التي تعولها نساء مصريات بشكل كامل تصل إلى 3.3 مليون ومازال حق الطاعة للزوج واجب! ومازال بموجب العرف وتحت ضغط المجتمع يمتلك الرجل الحق في طاعة زوجته له، طاعة مطلقة لا ينقصها شيء وحتى إن سقط دوره في النفقة!
تحولت الطاعة إلى حق مطلق دون شروط حتى النفقة، يكتسبه الرجل منذ أن يتحدد نوعه وهو جنين، هذا الطفل سيكبر ويتحكم في أنثاه ويعيش حر لا سلطة اجتماعية عليه ويجب عليه النفقة، وإن لم يقم بدوره لن يحدث شيء فامتيازاته مستحقة وواجباته حرية شخصية، وسنكتفي كمجتمع وشيوخ بتقديم النصيحة، متجاهلين تمامًا ما تعانيه النساء من تعنت وتطرف الرجال في استخدام امتيازاتهم المطلقة ضدهن، غير مهتمين بوضع تعريف محدد أو إطار معلوم لما يسمونه الطاعة.
ختم الشيخ الفسيبوكي حديثه بأنه |إذا كان الفقه بالأهواء لخربت الدنيا|، وأود أن أرسل لهذا الشيخ رسالتي، خربت الدنيا منذ أن جردت النساء و حرمت من حقوقها وتغافلتم عن وضع حد في خطاباتكم لما نعانيه، حين تركتم الحبل على الغارب للرجال حريصين فقط على رفع رايات طاعة الزوج، لترهيب وتخويف النساء من غضب الرجال وحرمانهن من حقوقهن إذا لم يقولوا سمعًا وطاعة لسيدهم الجديد، ما نعيشه اليوم من أوضاع مسيئة لنساء مطلقات لا يجدن الإعالة ونساء يعشن جحيم الحياة الزوجية مع رجال متسلطة يظنون أنهم أسياد الكوكب خلقوا ليطاعوا، وغيرها من الانتهاكات التي كان سببها الرئيسي هو تأثير الخطاب الديني المحرض ضد النساء، الذي تحول بالتدريج إلى عرف وعادات وتقاليد من تخرج عنها تصف بالنشوز وتحرم من حقوقها أمام القانون والمجتمع.