هذا العمل الفني لا يمت للواقع بصلة

هذا التنويه الذي نقرأه بشكل مستمر على بعض الأعمال الفنية أصبح ضرورة الآن بعد بيان نقابة المهن التمثيلية عن مشهد في مسلسل “ليه لأ” لتذكرة الجميع بما فيهم أصحاب المهنة بأن الأعمال الفنية هي من وحي الكاتب فقط وليست مرجعية لأية معلومات مؤكدة.

شهدنا منذ أيام بيانًا أصدرته نقابة المهن التمثيلية تستنكر فيه أحد المشاهد بمسلسل “ليه لأ” الجزء الثالث، جاء فيه استنكارها لأحد المشاهد التي دارت بين بطلات العمل، حول كلية الآداب قسم علوم المسرح، وأن «التمثيل اللي بجد» في أكاديمية الفنون. حيث جاء في البيان “وينوه مجلس إدارة نقابة المهن التمثيلية أن أقسام المسرح بجميع الجامعات المصرية هي أقسام رائدة وقام بالتدريس فيها أعظم أساتذة التمثيل في مصر والوطن العربي، ومنهم  سعد أردش و أحمد عبدالحليم وأحمد حلاوة وخليل مرسى ورانيا فتح الله وجمال ياقوت وفريد النقراشي وعبير منصور ونبيلة حسن أبو الحسن سلام ونبيل الألفي، وآخرون وتخرج فيها ممثلون على أعلى مستوى”.

وطالبت النقابة بحذف المشهد المذكور احترامًا وتقديرًا لفن المسرح وأساتذته وللجامعات المصرية العريقة وخاصة كليات الآداب وأقسام المسرح، لنشهد جميعًا سبق جديد من نوعه وهو مطالبة النقابة ذاتها بحذف مشاهد من أعمال فنية إبداعية وهو بدلًا عن دفاع النقابة عن حق حرية الفن والإبداع، متجاهلة تمامًا ما سيعود على الفن بأكمله عند فتح باب الحذف والتدخل بشكل مباشر فيما يعرض على الشاشات تحت راية الفن والإبداع.

ما فعلته النقابة هو تجاهل ما يحاول المبدعين توضحيه دائمًا هو أن ما يعرض داخل العمل الفني يبقى من وحي خيال الكاتب وهو الفرق بين الأعمال الفنية والوثائقية والتي يجب فيها مراجعة ما يتم عرضه وتوثيقه لما تقوم به من دور تأريخ لمسيرة شخص ما أو حادثة ما، فعلت النقابة ما يفعله غير المختصين كل يوم في نقاشنا حول ما يعرض على الشاشات وما قد يؤثر على حياتنا أحيانًا.

عشنا معارك طويلة ومستمرة بين المبدعين وأصحاب رؤى مختلفة لفرض السيطرة والسلطة على الفن والاعمال الإبداعية لتمرير هذه الرؤى أو لمنع أو حجب رؤى معارضة، وكذلك تناول بعض المشاهد بشكل شخصي من قِبل فئات مختلفة ومهاجمة أعمال فنية والمطالبة بمنعها أو حذف العديد من المشاهد التي عرضت مهنة أو فئة معينة بشكل يراه أصحابها مهين أو معيب، وهذا البيان أو المطالبات بحذف مشهد قد يفتح بابا جديدًا لهذه المعارك وبقوة.

قامت عدة فئات في المجتمع بالاعتراض على تنميط مستمر بشكل عام، مثل اعتراض النقابة العامة للتمريض في مصر على الصورة النمطية التي تقدم دومًا عن الممرضات المصريات، وهم فئة مهمشة ولها دور كبير في القطاع الصحي في مصر، وهو ما يؤكد أن حق الاعتراض والنقد هو مستحق بل وعلينا فتح باب النقاش حول عرض معين أو تنميط فني داخل الأعمال الدرامية لفئة معينة قد يؤثر سلبًا على الوضع الاجتماعي للأفراد المنتمين لهذه الفئة، لكن هل الحل يكمن في الحذف والمنع؟ هل دور نقابة المهن التمثيلية هو المطالبة بالحذف كمن هو غير مختص ولا يعي بأن هذا المشهد هو مجرد رأي تم تناوله على لسان شخصية خيالية من وحي الكاتب داخل عمل فني ولا يمت للواقع بصلة وبأن هذه الخطوة قد تفتح بابًا من المطالبات المستمرة بحذف كل مشهد لا يراعى ما تراه كل فئة عن نفسها ووقتها، هل نقابة المهن التمثيلية ستختار الوقوف في صف ما يحاول المبدعين لسنين طويلة الحصول عليه وهو حرية ما يقدمونه؟ أم ضده وسترى ما تفعله كل فئة في الدفاع عن نفسها والمطالبة بحذف مشهد هنا وهناك هو حق كما فعلت؟

من المؤسف أن نحتاج لتوضيح الأشياء للمختصين أيضًا في مصر والتأكيد على حرية النقد والتصحيح والنقاش حول رؤى وآراء تعرض داخل الأعمال الفنية، بل العمل على تقديم أعمال فنية أخرى تشرح وتنتقد ما قدم من قبل، وهو ما يبرز معنى حرية الفن والإبداع وضمان عدم تمرير أجندات أو آراء معينة وهو ما غفلته النقابة بمطالبتها بحذف مشهد غير ملحوظ أو مؤثر في أحداث العمل، أو كما قال الناقد طارق الشناوي “أول من سيكتوي بتلك النيران هي النقابة لان كل نقابة متضررة من مشهد مماثل سوف تطالب بالمعاملة بالمثل”.

اقرأ أيضاً: فخ المساواة في قلب النظام الذكوري

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة