فخ المساواة في قلب النظام الذكوري

حين تمارس العدالة والمساواة في مجتمع غير منصف قد تكون أنت الضحية الجديدة لهذا المجتمع دون أن تشعر، هذا تحديدًا ما تعيشه النسويات الشابات في منظومة لا تكفل لهن شيئًا جديدًا، لكنهن يقدمن تنازلات جديدة للذكر المصري تحت شعار المساواة.

عند الحديث عن تغيير منظومة الزواج في مصر تجد أصواتًا تتعالى بالمطالبة بتخفيض تكاليف الزواج على الشباب المصري والتقليل من التعقيدات أمامهم مما يسهل عليهم هذه الخطوة، بينما لن تجد حديث مجتمعي أبدًا عما تعانيه النساء داخل منظومة الزواج بشكل قانوني واجتماعي، حتى في بعض الخطابات النسوية والتي تتفق مع فكر تيسير الزواج وتخفيف الأعباء على الطرفين، تغفل بعض هذه الخطابات ما قد يترتب على ذلك من فقدان أية امتيازات ضئيلة اكتسبتها النساء عن طريق تطبيق الشرع بشكل منقوص أو قوانين ضعيفة عفا عليها الزمن.

سأحكي لكم قصة يتجلى فيها ما أحاول طرحه، تتزوج الفتيات والشباب في مصر تحت مظلة الزواج التقليدي، يحصل الشاب على مسكن سواء تمليك أو إيجار بمساعدة أسرته أو بنفسه قبل أو أثناء الزواج،  وتأتي الفتاة وأسرتها يساعدونه في تجهيزه للعيش فيه، تعمل الفتاة كربة منزل دون مقابل، ويعمل الشاب خارج المنزل لضمان مستقبله والإنفاق على أسرته وتطوير حياته/م، وتشاركه الفتاة إن كانت عاملة هي أيضًا في مصاريف الحياة، تنتهي رحلة الزواج أحيانًا بعد وجود طفل أو طفلين، إذا جرت الأمور على خير، تحصل الفتاة على قائمة منقولات مستهلكة لسنوات لا قيمة لها، ومبلغ مالي كمؤخر صداق قيمته الفعلية أقل بكثير مما تم تقديره وقت عقد الزواج، ويبقى للزوج منزله كما هو وقد استثمر فيه بعض من ما كان يحصل عليه في سنواته الماضية أو في شيئًا آخر بطبيعة الحياة، ويكفل القانون للأطفال نفقة تقديرية لا تزيد عن نسبة محددة من راتب الزوج حتى يضمن له فرصته في حياة جديدة فيما بعد، فيما لا تهتم المحكمة إذا كان المبلغ كافي لرعاية الأطفال أم لا، فالقانون يعامل الأم كمربية أيضًا للأطفال ومسئولة مع القانون لضمان حياة جديدة للزوج السابق الذي ترفع عنه مسئولية الحضانة والتربية وتخص بها نساء العائلتين بالترتيب.

تحكي القصة عما يحصل عليه الطرفين الآن وما لا تحصل عليه النساء أبدًا، حيث تعيش الفتيات في مصر داخل منظومة زواج يحرمن فيها من مقابل مادي لأعمالهن المنزلية التي يوفرن فيها على النظام الاجتماعي ملايين الجنيهات سنويًا، بمعنى أنه بدلًا من أن تستأجر خادمة لتنظيف منزلك شهريًا تستطيع أن تتزوج فتاة جميلة تنظف منزلك مجانًا طوال العمر، وبدلًا أن تستأجر مربية لأولادك، حاصر زوجتك بدورها كأم لتقوم بذلك بشكل مجاني طوال العمر، وبدلًا من أن تبحث عن شريك سكن لدفع الإيجار وتخفيف أعبائه المالية تزوج امرأة عاملة تشاركك المصاريف وتقوم بالأعمال المنزلية مجانًا.

وعند حدوث طلاق ماذا يحدث؟ كما ذكرنا تحصل على قيمة مالية “مؤخر صداق” قد تساوي نصف أو أقل من قيمتها عند تاريخ عقد القران، ومجموعة من المستهلكات والتي تشارك فيها النساء أو أسرهن بشكل متساوي لا قيمة لها. ليس هذا فقط بل يعد الزواج في مصر عقبة أحيانًا أمام فرص النساء للعمل وتطوير أنفسهن لضمان فرص أكبر للعيش تحت مظلة التمكين الاقتصادي، لنجد آلاف المطلقات اللاتي عطلهن الزواج والإنجاب عن العمل، والآن لا يستطعن اللحاق بركب سوق العمل ولا الحصول على وظيفة آدمية، حيث أن خبرتهن الوحيدة كانت الرعاية غير المدفوعة للأسرة، ويعانين ضيق الحال وقلة الموارد واستمرار حلقة الأذى الاقتصادي التي تمارس عليهن من قبل الشريك السابق.

وفي المقابل سيحصل الزوج على مشاركة مالية في مصاريف الأسرة، وأعمال رعاية مجانية لأسرته وخدمة منزلية وأطفال تُربى دون تدخل منه إلا مالي فقط وبشكل تشاركي خاصة بعد الطلاق، مما يوفر له فرصة أكبر لاستثمار وقته وطاقته في العمل لتنمية ثروته الخاصة، كما كان يتمتع الزوج أثناء وبعد الزواج بامتيازات قانونية وشرعية كالزواج المتعدد والطلاق الشفوي والغيابي والتطليق دون اللجوء للمحكمة، وطاعة الزوج مقابل النفقة وتأديب الزوجة وغيره.

تأتي الخطابات التي تحدثنا عنها في البداية لتخفيف الأعباء المالية، إلغاء الشبكة ومؤخر الصداق وبديل المهر وهو تجهيز المنزل وقائمة المنقولات، رافعين شعار المساواة والزواج بخاتم وحفل صغير، ثم وماذا بعد؟ لا شيء يتغير، كل ما يحصل عليه الزوج والأسرة من النساء في النظام الحالي سيستمر بلا أي مقابل حتى وإن كان غير كافي كما هو الآن، وستستمر النساء في الرعاية غير المدفوعة وستطالب بشكل إجباري بالمشاركة في المصاريف دون مقابل أو ضمان، وسيستمر القانون في كفالة كل الامتيازات الحالية للرجل، وعدم ضمان أية حقوق جديدة للنساء، وعند السؤال عن المقابل لكل هذه التنازلات، تأتي الإجابة “هنعمل شغل البيت مع بعض” فقط، حتى هذا الوعد على ضآلة حجمه لكنه غير مضمون، حيث تعيش النساء ضمن منظومة تفرض عليهن دور اجتماعي معين دون مقابل، وصر المنظومة نفسها على إغفال بقية الأدوار التي تقوم بها كإعالة الأسرة بشكل تشاركي أو بشكل كامل.

هذه الخطابات تغفل الواقع الذي تعيش فيه النساء عن عمد أو عن غير قصد، وتضغط لخسارة آخر فرصة للنساء للحصول على أي مقابل لما تبذله في هذه المنظومة التي تحرمها من بضعة حقوق قليلة قد تضعها على مائدة الحوار للتفاوض، ولا تقدم أي طرح واقعي يقترح نظام موازي مثلًا يتنازل فيه الرجل عن امتيازاته الذكورية التي اكتسبها بموجب الشرع والقانون بشكل يضمن حقوق جديدة للنساء، فلا حديث عن ثروة مشتركة أو تمكين النساء من تطليق أنفسهن أو حماية من جرم التعدد وغيره، كما لا يوجد هناك ضامن واحد على اختلاف المنظومة أو إعادة توازن الكفتين بشكل متساوي، بل أصبح فخ اجتماعي جديد تحت شعار “عاوزين مساواة ادفعوا”. فقط ما يراه المجتمع فيما تعيشه النساء هي نفقات يدفعها الزوج ولا يرى ما تقدمه النساء أيضًا من نفقات أو من دور اجتماعي له قيمة وعائد اقتصادي على الأسرة والمجتمع.

لذلك فما نراه هو مجتمع يحتاج إلى سنوات طويلة للاستعداد إلى خطاب متوازن ومتكافئ عن المساواة، تضمن فيه المرأة حقوقها المسلوبة منها لعقود طويلة وتقدم فيها ما يخفف على الرجل مسئولياته التي يراها الآن عبء وضغط اجتماعي يعرقل منظومة الزواج ويهدمها، وحتى يتحقق ذلك فالشكل المطروح للمساواة الآن لا خاسر فيه سوى المرأة، حيث أن الحقوق تؤخذ بالقانون وبالنظم الاجتماعية السائدة لا بالوعود الرومانسية ومنشورات الفيس بوك.

عزيزتي النسوية الشابة تذكري دائما أنه لا يوجد حماية قانونية ومجتمعية لما تحلمين به من شراكة متساوية مع زوجك، والأحلام الوردية المثالية للمساواة مع طرف يمتلك امتيازات قانونية وشرعية بلا تنازل عنها، ستتحول إلى فخ جديد من قلب النظام الذكوري.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة