كيف تؤذي الجيوش البشرية؟!

تساءلنا في المقال السابق عن مدى واقعية فكرة وجود “عالم بلا جيوش” وذكرنا أنها قد تبدو خيالية بالنسبة إلينا كما كانت تبدو فكرة توحد الشعوب الإغريقية كلها تحت حكم حكومة واحدة بالنسبة لمواطن عاش ومات قبل ظهور الإسكندر الأكبر.

وفي هذا المقال أريد أن ألفت النظر قليلًا إلى بعض آثار الجيوش والقوات البحرية على البيئة، وما تخسره البشرية بشكل مستمر نتيجة وجود ملايين الرجال والنساء حول العالم في حالة استنفار عسكري مستمرة، واستعداد دائم للقتال دفاعًا عن أنظمتها السياسية ومصالح شعوبها التي لا يمكن الاتفاق عليها سلميًا. من المهم إدراك أن هذه القوات العسكرية يمكن أن يكون لها تأثيرات بيئية كبيرة، من الأنشطة البرية إلى العمليات البحرية، يمكن لوجود الجيوش والقوات البحرية أن يؤثر على النظم البيئية والحياة البرية والموارد الطبيعية، بل ويساهم في تغير المناخ.

التأثيرات البرية

إزالة الغابات: غالبًا ما تتطلب مناطق تدريب الجيش والقواعد العسكرية وتطوير البنية التحتية تصحير مساحات كبيرة من الأراضي، مما يؤدي إلى إزالة الغابات. ويؤدي فقدان الغابات إلى تدمير مصانع الاكسجين الطبيعية، وفقدان التنوع البيولوجي، وزيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشكل متسارع.

تدهور التربة: يمكن أن تتسبب التدريبات العسكرية المكثفة واستخدام المعدات الثقيلة وتحركات المركبات في تآكل التربة وانضغاطها مما يقلل من خصوبة التربة ويؤثر على الإنتاجية الزراعية على المدى الطويل. كما ان انتشار الألغام في مناطق الصراع يجعل من الصعوبة بمكان استصلاح هذه الأماكن فيما بعد.

التلوث: تولد منشآت الجيش كمية كبيرة من النفايات، بما في ذلك المواد الخطرة، والتي ، إذا لم يتم إدارتها بشكل صحيح، يمكن أن تلوث التربة القريبة ومصادر المياه. علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي استخدام المركبات والمعدات العسكرية إلى إطلاق انبعاثات ضارة يتنفسها أولًا الجنود الذين يستخدمون تلك المعدات، مما يساهم في تلوث الهواء، هذا بالإضافة إلى الانفجارات الناتجة عن إطلاق القذائف وما تخلفه تلك الذخائر في التربة بعد تحللها.

الآثار البحرية

التسريبات النفطية: غالبًا ما تنطوي العمليات البحرية على استخدام الوقود والنفط، مما يزيد من مخاطر الانسكابات العرضية أثناء التزود بالوقود أو في حالة وقوع حوادث بحرية. يمكن أن يكون لهذه التسريبات عواقب وخيمة على النظم البيئية البحرية، مما يؤدي إلى موت الحياة البحرية وحدوث أضرار إيكولوجية طويلة المدى.

التلوث الضوضائي تحت الماء: يمكن لأنظمة السونار والانفجارات والتمارين البحرية التي تنتج ضوضاء عالية الكثافة تحت الماء أن تعطل اتصالات الثدييات البحرية وأنماط التغذية وطرق الهجرة. يمكن أن تؤدي مثل هذه الاضطرابات إلى الإجهاد وتلف السمع وحتى الموت للأنواع البحرية.

الصيد الجائر: قد تشارك الأساطيل البحرية والسفن العسكرية في أنشطة الصيد، لا سيما أثناء عمليات الانتشار طويلة المدى. يمكن أن يؤدي الصيد غير المنظم إلى استنفاد الأرصدة السمكية وتعطيل سلاسل الغذاء البحرية والتأثير على مجتمعات الصيد المحلية التي تعتمد على هذه الموارد لكسب عيشها.

آثار تغير المناخ

البصمة الكربونية: تساهم الجيوش والقوات البحرية في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من خلال استخدام الوقود الأحفوري واستهلاك الكهرباء والانفجارات الناتجة من استخدام الذخيرة الحية وتطوير البنية التحتية. تساهم هذه الانبعاثات في تغير المناخ، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة البيئية العالمية.

ذوبان الجليد القطبي: يمكن أن تساهم الأنشطة العسكرية المتزايدة في منطقة القطب الشمالي، مدفوعة بالمصالح الجيوسياسية، في ذوبان الجليد القطبي بسبب الوجود البحري المتزايد وبناء البنية التحتية. وهذا يزيد من سرعة فقدان الغطاء الجليدي، ويعطل النظم البيئية الهشة، ويؤثر على الحياة البرية في القطب الشمالي.

وفقًا لمشروع تكاليف الحرب التابع لجامعة براون فإن جيوش العالم مسؤولة عن حوالي 6 % من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية. ووفقًا لعلماء المسؤولية العالمية (SGR)، يتصدر الجيش الأمريكي، بميزانية 760 مليار دولار لعام 2022، حزمة الانبعاثات (هذا على الرغم من تقليل الانبعاثات من ذروة بلغت حوالي 85 مليون طن في عام 2004)، حيث يعد هو أكبر مصدر مؤسسي لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم وقدّر مشروع تكاليف الحرب أنه أطلق 51 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في عام 2020 – أكثر من انبعاثات معظم البلدان. يأتي الجزء الأكبر من هذه الانبعاثات من استخدام الوقود وصيانة أكثر من نصف مليون مبنى.

استعرضنا في هذا المقال جانب واحد من جوانب أضرار وجود الجيوش حول العالم، ولم نتطرق إلى الأضرار البيئية الناتجة من التلوث التي تبثه المصانع المصنعة للأسلحة والذخائر، ولا الأضرار الاقتصادية أو النفسية التي تلحق بالأمم المتحاربة، ولا الأضرار الناتجة من فقدان الناس لأرواحهم خلال الحروب، فهل تكفي هذه الأرقام لإقناعنا بأن العالم قد يصبح أفضل وأكثر “نظافة” بلا جيوش؟

أنتظر إجابتك في التعليقات.

2 تعليقات

    • فيه جزء من المقال )الجزء المعلوماتي( بالفعل كتبته بللتعاون مع تشات جي بي تي 🙂

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة