في الحادي عشر من يوليو من كل عام، يتم الاحتفال باليوم العالمي للسكان، والذي يهدف إلى زيادة الوعي بالقضايا المتعلقة بالسكان وللتأكيد على حقوق الصحة الإنجابية والمساواة بين الجنسين وضرورتها لتحقيق التنمية المستدامة حول العالم.
وخلال هذا العام تحديدًا توسع الحديث حول القضية السكانية من منطلق الحلول الممكنة للسيطرة على الزيادة السكانية، وهو ما ظهر بوضوح شديد خلال جلسة السكان التي عقدت في الحوار الوطني كإحدى جلسات المحور المجتمعي في مايو الماضي.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية أثارت تصريحات الطبيبة بثينة جنيدي، استشاري النساء والتوليد بمستشفى أبو حمص وأمينة المرأة بحزب حماة الوطن الجدل، وذلك أثناء زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى محافظة البحيرة، يوم الأربعاء 14 يونيو 2023، إذ تحدثت عن الحملة التي أطلقتها وزارة الصحة والسكان والمطبقة في أماكن الرعاية الصحية والمستشفيات، والتي تعمل على تركيب اللولب للسيدات أثناء الولادة، بهدف تنظيم النسل.
وقالت الطبيبة في معرض حديثها: "بنركب الوسيلة (وسيلة منع الحمل) أثناء العملية القيصرية، لإن الست بتولد بعد كده بتقعد تفكر فترة طويلة، فالمبادرة دي جايبة نتايج كويسة معانا جدًا، يعني أنا عندي في المستشفى حوالي وصلنا 97وي98% إن احنا بنركب الوسيلة أثناء العملية القيصرية، فدي لو اطبقت على مستوى الجمهورية أعتقد هتجيب نتيجة كويسة بإذن الله (تنظيم النسل)".
تصريحات استشارية النساء والتوليد أثارت الجدل والتساؤلات، وبخاصة أن هذه الحملة لم يتم إلقاء الضوء عليها في وسائل الإعلام قبل إطلاقها أو حتى عقب الإطلاق وبدء التطبيق الفعلي في المستشفيات.
الدكتورة شيرين عادل أخصائية النساء والتوليد أقرت بوجود هذه الحملة، والتي بدأت بالفعل في عدد من المستشفيات الحكومية، بهدف تحديد النسل. وأوضحت أنه قبل إجراء عملية الولادة، يتم عرض فكرة تركيب اللولب مع القيصرية إذا كانت ترغب السيدة في ذلك، ويكون هذا البند ضمن الإقرار الذي يتم تقديمه للسيدة والتوقيع عليه قبل إجراء القيصرية، والسؤال عن اللولب يقتصر فيها على الموافقة أم لا دون الدخول في أي تفاصيل.
وأضافت أخصائية النساء والتوليد، أنه في حالة عدم موافقة السيدة لا يتم تركيب اللولب دون رغبتها. وقالت: "هناك سيدات ترفض مقترح تركيب اللولب مع القيصرية لن يتم إجبارهن".
وأكدت طبيبة النساء والتوليد على أنه من الأفضل أن يكون هناك تخيير للسيدات بأكثر من وسيلة وعرض مميزات وعيوب كل وسيلة ولكن هذا لا يحدث ليس بغرض التضليل وإنما بسبب كثرة الحالات والازدحام. وأشارت إلى أن تحيز الطبيب/ة يجب أن يكون للمريضة فقط، لكن مع الأسف هناك "تارجت محدد" من تركيب اللولب مع القيصرية للمستشفيات لابد من تحقيقه.
واختتمت أخصائية النساء والتوليد حديثها بأنه من الأفضل أن يتم تركيب اللولب بعد فترة من الولادة حتى يكون الرحم عاد إلى وضعه الطبيعي، كما أن هذه الوسيلة لا تتناسب مع كل السيدات ولذلك من الأفضل أيضًا أن تعرض السيدة نفسها على طبيب بعد الولادة ويتم تحديد الوسيلة المناسبة لها لأن كل سيدة تختلف عن الأخرى.
ما عرضته الدكتورة شيرين عادل أخصائية النساء والتوليد عن طريقة أخذ الموافقة فيما يخص تركيب اللولب عقب القيصرية، اعتبرته المحامية انتصار السعيد رئيس مجلس أمناء "مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون" غير كاف، ولا تعتبر موافقة مستنيرة ويخالف الدستور والقانون والاتفاقيات الإقليمية والدولية التي وقعت عليها مصر الخاصة بحقوق الإنسان.
والموافقة المستنيرة؛ تعني أن يتم شرح كل ما يتعلق بالوسيلة قبل استخدامها بداية من تعدد وسائل منع الحمل ومميزات وعيوب الوسيلة والآثار الجانبية المحتملة - بحسب ما ذكرته السعيد.
إلى جانب هذا، طالبت مبادرة "رعاية طبيّة آمنة للنساء" التابعة لمؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، وزارة الصحة بوضع بسياسات حماية تتوافق مع المعايير الطبية الدولية بشأن تركيب اللولب بعد الولادة.
إذ طالبت المبادرة بالآتي: "العمل وفقًا للمعايير الدولية، وتوصيات منظمة الصحة العالمية بتركيب اللولب بعد 4 أسابيع من الولادة، إلا إذا كانت المرأة مصابة بحمى النفاس فيجب الانتظار. وفى بعض الحالات يمكن تركيبه بعد مرور 48 ساعة على الولادة".
كما طالبت المبادرة: بـ"ضرورة تعميم مدونة السلوك المهني لمقدمي الخدمات الصحية بشأن التعامل المهني مع النساء على جميع مستشفيات الجمهورية ، والتي تنص في أحد بنودها على (للنساء الحق في الحصول على المعلومات الصحيحة الدقيقة وخاصة فيما يخص مخاطر وفوائد اختيارهن حتى يتمكن من اتخاذ القرارات المستنيرة بشأن صحتهن، بشأن الإنجاب من عدمه في حرية تامة، ودون أي تمييز أو إجبار، ولهن كل الحق في تحديد عدد الأطفال الذين يرغبن في إنجابهن، وتحديد المباعدة الزمنية بين تلك الولادات، ولهن الحق في الإجهاض الآمن، وتوفير الوسائل اللازمة لمنع الحمل وتنظيمه واختيار ما يناسبهن منها) ".
وتهدف المدونة إلى وضع قواعد سلوك مهني يلتزم بها مقدمي/ات الرعاية الطبية أثناء تقديم الرعاية الطبية للنساء " لضمان تقديم خدمة طبية آمنة للنساء"، بحسب المبادرة.
اتفقت لمياء لطفي مديرة البرامج في مؤسسة المرأة الجديدة على أهمية الموافقة المستنيرة. ورأت أنه من الأفضل أن يتم تحديد وسيلة منع الحمل لكل امرأة على حدا بعد موافقة مستنيرة وبموافقة الطرفين بعد علمهما بكافة الإيجابيات والسلبيات والنتائج المحتملة.
وأكدت لمياء على أن الموافقات الجماعية دون المعلومات المتوفرة حول الوسيلة ودون توعية حقيقية، يعد انتهاك في حق المرأة. مؤكدة على أنه في حال راعت الحملة مخاوف تجهيل المعلومات وتجاهل الإرادة بالتأكيد لن يكن هناك مشكلة مع الحملة.
صندوق الأمم المتحدة للسكان أصدر تقريره السنوي عن "حالة سكان العالم 2023"، ويحدد التقرير المخاوفَ السكانية المتزايدة، ويحث على إعادة التفكير جذرياً بالكيفية التي تعتمدها البلدان لمعالجة التركيبات الديمغرافية المتغيّرة
وكشفت البيانات الجديدة التي تضمنها التقرير، أنَّ المخاوف السكانية واسعة الانتشار وأنَّ الحكومات باتت تلجأ أكثر فأكثر إلى اعتماد سياسات تهدف إلى زيادة معدلات الخصوبة أو خفضها أو الحفاظ عليها. غير أنَّ الجهود المبذولة للتأثير في معدلات الخصوبة غالباً جداً ما تكون غير فعالة وقد تؤدّي إلى الإنقاص من حقوق المرأة.
وأوضح التقرير أن المسار التاريخي أظهر أنَّ سياسات الخصوبة المُصمَّمة لزيادة معدلات الخصوبة أو خفضها غالباً جداً ما تكون غير فعالة وقد تقوّض حقوق المرأة. وأظهر كذلك أن البلدان التي نفذت برامج طيلة السنوات العشرين الماضية لهندسة أُسَر أكبر حجماً من خلال تقديم حوافز مالية ومكافآت للنساء وشركائهنّ، لا تزال تسجّل معدلات ولادة أقل من طفلَين لكل امرأة وأن الجهود الرامية إلى إبطاء النمو السكاني من خلال التعقيم القسري والإكراه على استخدام وسائل منع الحمل قد شكّلت انتهاكاً فظيعاً لحقوق الإنسان.
ودعا التقرير المفصلي لصندوق الأمم المتحدة للسكان بعنوان «ثمانية مليارات نسمة وإمكانات لا متناهية: قضية الحقوق والخيارات» إلى إعادة التفكير بكيفية تأطير عدد السكان – مع حثّ الجهات السياسية والإعلامية على التخلّي عن السرديات المُبالَغ بها بشأن طفرة أو تقلّص عدد السكان. وبدلاً من التساؤل عن مدى سرعة تكاثر السكان، الجدير بالقادة التساؤل عمّا إذا كان الأفراد، ولا سيّما النساء، قادرين على اتخاذ خياراتهم الإنجابية بحرية – وغالباً ما تكون الإجابة على هذا السؤال «لا».
في السياق اعتبرت الناشطة النسوية إلهام عيداروس وكيل مؤسسي حزب العيش والحرية، تعامل الحكومة المصرية مع الكتلة السكانية باعتبارها عبء وليس مورد بشري ومواطنين لهم حقوق منهج (سلطوي)، وأوضحت أن الكتلة السكانية من الممكن أن تقدم إسهامات في المجتمع إذا تغير نمط التنمية.
وترى إلهام أن تعامل الدولة على أن الزيادة السكانية هي سبب عرقلة التنمية بجميع مشتملاتها منطق (مقلوب)، لأنه في حالة وجود تنمية حقيقية تتغير نمط الحياة وتفضيلات حجم الأسرة لدى أفراد المجتمع، لأن في هذه الحالة يتحول الطفل من مورد للرزق وكسب العيش للأسرة إلى مواطن يجب توفير موارد له وليس العكس.
وأضافت الناشطة النسوية، نحن نعترض على أن يتم اعتبار المرأة أداة في خطة الدولة، ويجب أن يكون مدخل القضية السكانية الحقوق الصحية والإنجابية وليس تنظيم الأسرة، لأن مدخل الحقوق الصحية والإنجابية يجعلنا ننظر للمرأة ككائن له إرادة واستقلالية وكرامة وفرد في الأسرة، أما مدخل تنظيم الأسرة ينظر إلى المرأة كونها مجرد أداة، وهذا ينعكس على أشياء كثيرة أهمها أن المستشفيات العامة والأماكن الصحية تعمل على توفير وسائل منع الحمل بالمجان، لكن في المقابل لا يوجد مساعدة طبية مجانية في أماكن الرعاية الصحية للسيدات اللاتي يرغبن في الحمل.
وهذا يفسر ظواهر جديدة مثل الحملة التي بدأت في المستشفيات لتركيب اللولب دون مناقشة جادة وحقيقة مع السيدات، وتوجيه السيدات للمتابعة والكشف بعد الولادة ومعها. وأشارت إلهام إلى أن الحزب تبنى هذا الموقف في جلسة القضية السكنية بالحوار الوطني.
وكانت ندا سعيد ممثلة الحزب في جلسة القضية السكانية قد أكدت على أنه لا يصح أن يتم النظر إلى المرأة كأداة في خطة الدولة لتخفيض عدد المواليد، لأن المرأة فاعل وشريك في المجتمع لها حريتها واستقلالها، وليست مجرد أداة يتم توظيفها في هدف تخفيض النسل.
وأشارت سعيد إلى أن نماذج التنمية في العالم أثبتت أنه في حال الاهتمام بالتعليم والصحة وسياسات التنمية المختلفة وتطبيقها فعليًا، يقل معدل النمو السكاني وليس العكس، ويزيد معها التقدم العلمي والتكنولوجي للدولة.
تضمن تقرير حالة السكان للأمم المتحدة كلمة للدكتور نتاليا كانيم، المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، التي قالت أنَّ «أجساد النساء يجب ألا تكون أسيرة الغايات السكانية، فمن أجل بناء مجتمعات مزدهرة وشاملة أيّاً كان حجم سكانها، ينبغي علينا أوَّلاً أن نعيد النظر جذرياً في طريقة تحدثنا وتخطيطنا للتغيُّر السكاني».
وأكد التقرير على أن ثمة نسبة ثابتة قوامها 44 % من النساء والفتيات المقترنات بشريك في 68 بلداً أبلغن أنهن لا يمتلكنَ الحق في اتّخاذ قرارات مستنيرة بشأن أجسادهنّ عندما يتعلق الأمر بممارسة الجنس واستخدام وسائل منع الحمل وطلب الرعاية الصحية؛ ويُقدَّر أنّ 257 مليون امرأة حول العالم لديهنّ حاجة غير ملبّاة فيما يخص وسائل تنظيم الأسرة الآمنة والموثوقة.
اقرأ أيضاً: الأطفال المكفولة.. حقوق ضائعة في دوامة التمييز والتعنت