30 يونيو والتماهي مع الكربلائية

أحب الموسيقى والأغاني بشكل عام، وأحب أن استمع لها حتى وإن كانت لا تعبر عني، و لكني أهتم بتحليلها، فالموسيقى قادرة علي تحليل مزاج الشعوب وطباعهم.  كلمات اغانيهم تعبر عن وسائل تواصلهم و بنائهم الاجتماعي. كذلك التيارت السياسية.

اذا أردت أن تحلل الفكر الشيوعي، فنشيد الأممية سيكون خير دليل لك في تحليلك وفهمك لركائز النظرية والأيديولوجية، سواء استمعت لنسخته الأصلية ل “لاوجين بوتييه” أو ترجماته بكل اللغات والتي تعبر كل ترجمة منها عن روية كل أمه للشيوعية و مفهومهم عن الأممية والشيوع.

بقياس ذلك على جماعة الاخوان المسلمين، فان الاستماع إلى أناشيدهم وأغانيهم يكشف بسهولة ووضوح المحور الأساسي لاستمرارية فكرهم من خلال الكربلائية والمظلومية.

” لبيك اسلام البطولة كلنا نفدي الحما.. لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلما “

اذا كُتبت هذه القصيدة بروح نشيد الأممية الشيوعي فحتما ستتغير كلماتها إلى
” لبيك و اجعل من جماجمهم لعزك سلما “

لأن من المنطقي أننا نخوض معركة نتمني فيها النصر لنا  ولأعدائنا الزوال والموت.

أنا لم استمع  من قبل لأغنية أصدرها أي تيار سياسي أو طائفة دينية تقول

” أوجعيني يا جراحي أوجعيني

لا تراعي من بكائي وأنيني

أوجعيني و اضربي في كل قطر

بقتيل أو طريد أو سجين

أوجعيني لم أعد أخشاك إني
بت أهواك إذا ما تهتويني”

قيام الفكرة في الأساس علي يد المؤسس حسن البنا جاء بعد انهيار الدولة العثمانية، وتسويق فكرة ضياع دولة الخلافة، وحتمية ملء هذا الفراغ من خلال استاذية العالم.  تم ترويج مبدأ المظلومية واضطهاد الاسلام والمسلمين، وأن الصراع ليس صراع امبراطوريات وممالك ومصالح، انما هو صراع ديني واضطهاد للاسلام.

 وفقا لهذه السردية تم استحضار فترة بداية بعثة الرسول (ًص) وصبر المسلمين الأوائل على تعذيب المشركين وحتمية المعاناة في سبيل الدعوة.

وإذا استمعنا إلى كلمات المؤسس الثاني للجماعة وأديبها سيد قطب في قصيدته
“وبكينا يوم غنى الأخرون  

و لأنا ضعفاء و لأنا غرباء

نحن نبكي و نصلي

يوم يلهو ويغني الأخرون “

كأن الأخرون مجبرون على قبول أفكارك وأطروحاتك، ما دمت (تبكي وتصلي)، هذا وحده يكفي “أنا مظلوم” يكفي ذلك لأن أكون صاحب استحقاق في تأصيل واستغلال للخلل الشعبي في الخلط بين الضحية والبطل.

حين كانت جماعة الاخوان المسلمون على قمة الحكم في مصر، لم يستطيعوا التخلص من إرث السنين، من الكربلائية والمظلومية، حتى وهم في كراسي الحكم، اعتادوا تبرير أي فشل برفض الدولة لتمكينهم ومعاونتهم، بالاضافة إلى تأمر دول العالم حولهم، لأنهم نموذج ناجح للاسلام السياسي، استبقوا النجاح حتى قبل أن يصلوا إليه، ونظروا إلى المظلومية وهم في مستنقع الفشل، لأنهم على مدار ثمانون عاما انتشروا تحت الضغط والمظلومية والعمل في الظل، فإن طيور الظلام لا يناسبها العلن والنور.

كل هذا من وجهة نظري منطقي ومفهوم، جماعة نجحت في الانتشار والحياة على مر السنين، من خلال وسيلة الكربلائية، ولكن العجيب وغير المفهوم من وجهة نظري عندما نجد سياسين مدنين ليبراليين يتماهون مع مظلوميتهم وينكرون فشل الاخوان على مدار عام حكمهم. مما أدى إلي مظاهرات 30 يونيو، امتدادا لروح يناير المسيطرة على الأجواء.

 أما أبناء يناير بحماسهم وانطلاقهم واحساسهم بالزهو، أو من لم يشارك في يناير ويريد أن يشعر بشعور مماثل من حرية الرأي والتعبير والنضال، حتى لو كان نضال مستقر ومطمئن لأنه نضال ضد جماعة وعلى هوى الدولة. نضال يروج له التلفزيون الرسمي للدولة، في ظاهرة أظن أننا وحدنا في العالم من مر بها.

ثم ياتي صديقنا الليبرالي و يتناسى كل ذلك، فالاخوان في السجون وتم التنكيل بهم في رابعة والنهضة وغيرها.هذا ينفي عنهم الفشل السياسي، بل يكفر عنه.

انظر إنه يبكي ويصلي.. ألا يكفي ؟!

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة