مقتل المراهق الجزائري نائل المرزوقي يشعل الاحتجاجات في فرنسا

أثار مقتل المراهق نائل المرزوقي صاحب الـ 17 عامًا من أصول جزائريةو برصاص شرطي في ضاحية “نانتير” غرب العاصمة الفرنسية باريس احتجاجات واسعة بكافة أنحاء البلاد، والتي انتشرت كالنار في الهشيم، وأسفرت عن اعتقال أكثر من ١٣٠٠ شخص وإصابة ٧٩ شرطيًا وحدوث ٣١ هجومًا ضد مراكز الشرطة و١١ هجومًا ضد ثكنات قوات الدرك، إلى جانب إشعال النيران في حوالي ١٣٥٠ سيارة وتعرض ٢٣٤ مبنى للحرائق وحوالي ٢٦٥٠ حريقًا على الطرقات العامة.

وأظهرت مقاطع مصورة ليل الثلاثاء خروج مئات المحتجين في مناطق مختلفة من البلاد، فضلاً عن اشتعال حرائق بعد أن أطلق متظاهرون ألعابًا نارية على الشرطة وأحرقوا سيارات وممتلكات عامة وتم تدمير محطات الحافلات، في المقابل استخدمت قوات مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين، فيما أقام آخرون حواجز طوال الليل. وشملت الاحتجاجات والاضطرابات في بدايتها – إضافة إلى نانتير- بلدات أزنيير وكولومب وسورين وأوبيرفيلييه وكليشي سو بوا ومانت لا جولي.

ويعد نائل هو ثاني شخص هذا العام يقتل برصاص الشرطة عند نقطة تفتيش وذلك بعد أن شهد العام الماضي مقتل ١٣ شخصًا بنفس الطريقة.

كيف بدأت الأحداث؟

في صباح الثلاثاء ٢٧ يونيو الماضي في تمام الساعة ٧:٥٥ صباحًا انتشرت رواية رسمية من قبل الشرطة الفرنسية بأن الشاب قاد سيارته باتجاه شرطيين على دراجتين ناريتين لمحاولة دهسهما، إلا الفيديو الذي تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر شرطيًا يصوب مسدسه نحو سائق السيارة قبل أن يسمع صوت إطلاق النار ثم تصطدم السيارة وتتوقف.

وبحسب ما ذكر المدعي العام في نانتير، الخميس الماضي، فإنه وفقًا لإفادات الشهود ولقطات فيديو التقطتها كاميرات مراقبة فإن الرواية هي أن نائل كان يقود سيارة مستأجرة من طراز مرسيدس، لاحظ شرطيين دراجين أن السيارة تسير بمكان مخصص للحافلات، وحاولت الشرطة الإشارة مرتين إلى السائق للتوقف ولكنه استمر في التحرك، فاتبعوا السيارة حتى توقفت في إحدى إشارات المرور وتوجه إليه الشرطيين مطالبين بإيقاف المحرك والخروج من السيارة. وقد أفاد ضابط الشرطة أنهما سحبا سلاحيهما ووجهوهما إلى السائق بغية منعه من التحرك بالسيارة، وعندما لم ينصاع وحاول التحرك تم إطلاق رصاصة اخترقت ذراع وصدر نائل واصطدمت السيارة وتوقفت وفر أحد الراكبين واعتقل آخر.

ووفق تقارير إعلامية فرنسية، فإن شخصًا في الفيديو يمكن سماعه يقول “سوف يتم إطلاق النار عليك في الرأس” ولكن من غير الواضح من قال ذلك، مشيرة إلى أنه كان هناك شخصان آخران في السيارة لدى إطلاق النار، فرّ أحدهما بينما ألقت الشرطة القبض على الآخر وهو أيضًا مراهق.

وأبلغ وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان البرلمان أنه يجري استجواب ضابطي الشرطة، ويأتي ذلك في وقت فتحت السلطات الفرنسية المختصة تحقيقين منفصلين عقب وفاة المراهق، أحدهما للتحقيق في احتمال قتله من قبل موظف عام، والآخر للتحقيق في سبب عدم إيقاف السائق سيارته والمحاولة المزعومة لقتل ضابط شرطة.

وما زاد الحادثة فاجعة خلو سجل المراهق القتيل من أية سوابق جنائية، إذ بحسب موقع “لا فوا دو نور” الفرنسي، فإن نائل المرزوقي، وهو شاب جزائري الأصل، كان يعمل في وظيفة توصيل وجبات “البيتزا”.

في الأثناء، وبينما عبر ماكرون غداة الحادثة عن تأثره بمقتل مراهق على أيدي الشرطة، دعت حكومته إلى الهدوء بعد ليلة من التوتر في ضواحي باريس، فيما قالت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيت بورن إن “الصور الصادمة” لإطلاق النار على الشاب “تظهر تدخلاً من الواضح أنه غير متوافق مع قواعد التدخل لقوات إنفاذ القانون”، مشددة على “الضرورة المطلقة للتوصل إلى الحقيقة لتغليب التهدئة على الغضب”.

وقال الرئيس الفرنسي أثناء ترأسه اجتماعًا لخلية الأزمة (هو الثاني في غضون يومين) لبحث التطورات الأمنية إن منصات التواصل الاجتماعي كان لها دور في الأحداث التي شهدتها البلاد خلال الأيام الأخيرة وتابع: “على هذه المنصات سحب المواد الحساسة وندعوها إلى التحلي بالمسؤولية”. وفرضت أربع مدن في منطقة إيل دو فرانس حظر التجول الليلي بعد أن شهدت باريس وضواحيها ومدن أخرى أعمال نهب وتخريب لليلة الثالثة على التوالي.

مقتل نائل يفتح ملفات قديمة للشرطة

أحيت الاضطرابات الأخيرة ذكرى أعمال الشغب التي وقعت عام 2005 وهزت فرنسا لمدة ثلاثة أسابيع وأجبرت الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك على إعلان حالة الطوارئ.

واندلعت موجة العنف تلك في ضاحية “كليشي سو بوا” بباريس وانتشرت في أنحاء البلاد بعد وفاة شابين صعقًا بالكهرباء في محطة كهرباء فرعية أثناء اختبائهما من الشرطة. وبعد 10 سنوات، برأت المحاكم ضابطين معنيين بتلك الحادثة.

وشهدت فرنسا أيضًا احتجاجات ضد التنميط العرقي وغيره من أشكال الظلم في أعقاب مقتل الشاب الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد على أيدي شرطيين في ولاية مينيسوتا في عام 2020. وتعد عملية القتل التي حصلت الثلاثاء ثالث حادثة قتل بإطلاق نار خلال توقف مروري في فرنسا حتى الآن منذ بداية عام 2023. وفي العام الماضي، سجلت 13 حادثة إطلاق نار من هذا النوع، وهو رقم قياسي، وفق ناطق باسم الشرطة الوطنية.

ووقعت ثلاث عمليات قتل من هذا النوع عام 2021 واثنتان عام 2020، وفق إحصاء لـ”رويترز”، يظهر أن غالبية الضحايا منذ عام 2017 كانوا من السود أو من أصل عربي.

الأساس القانوني لاستخدام السلاح في التوقيف المروري

بموجب القانون الفرنسي، يُسمح للشرطة بإطلاق النار في خمس حالات بعد تغيير القانون في العام 2017. يشمل ذلك تجاهل سائق السيارة أو ركابها أمرًا بالتوقف واعتبارهم أنهم يشكلون خطرًا على حياة الضابط أو سلامته الجسدية أو سلامة الآخرين.

ففي العام ٢٠١٦ أصيب شرطيًا بجروح ودخل في غيبوبة بعد قيام مجموعة من الشبان بإلقاء الزجاجات الحارقة على سيارته، واحتجت نقابات الشرطة وطالبت برد قوي وتغيير قانون استعمال السلاح من قبل الشرطة، وتم إقرار المادة 435-1 من قانون العقوبات بعد ذلك في مارس 2017.

من ناحية أخرى، كان تفاعل عدد من الدول الغربية مع الأحداث لافتًا، إذ حذرت وزارة الخارجية البريطانية رعاياها من أعمال الشغب في فرنسا وأشارت في توجيهاتها المتعلقة بالسفر إلى خطر تعطل وسائل النقل واحتمال فرض حظر تجول، وأفادت الوزارة بأن “المواقع والأوقات التي تنطلق فيها أعمال الشغب لا يمكن التنبؤ بها”.

وبينما دعت النرويج رعاياها الموجودين في فرنسا إلى تجنب التجمعات، عبرت الحكومة الألمانية عن “قلقها” تجاه الوضع المحتقن هناك. بدوره، أعرب وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني عن أسفه “للتعاسة الواضحة” في الضواحي الفرنسية.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة