أظهرت محاولة الانقلاب العسكري التي قامت بها ولم تكملها قوات مرتزقة فاجنر ضعف نظام حكم الرئيس الديكتاتور بوتين في أكثر من اتجاه.
أولًا: عجز بوتين عن "سحق الانقلاب" فورًا يعطي إشارة واضحة تدل على ضعفه، فرغم إسقاطهم لأربع طائرات هليكوبتر اعترضت طريقهم وقتل عدد من الطيارين الروس، ورغم توعده لهم بالعقاب، أعطى اضطراره للجوء لوساطة رئيس بيلاروسيا لوقف تقدمهم نحو العاصمة بعدما وصلوا على مسافة 200 كيلو متر فقط رسالة واضحة بضعف سيطرة أجهزته الأمنية على الأرض، ما يفتح الباب للمزيد من المحاولات المماثلة مستقبلًا والتي ربما تكون أكثر عنفًا.
اقرأ أيضاً: ما الذي يحدث في أوكرانيا؟
ثانيًا: احتلال فاجنر لمدينة روس دوم وسيطرتهم على مركز قيادة الجيش الروسي المشرف على العمليات العسكرية في أوكرانيا دون قتال أظهر أنه ليس هناك مقاومة للانقلاب من الجيش أو الشعب، بل كان هناك مظاهر مختلفة للترحيب والتأييد لقوات فاجنر من عامة الناس ومن قادة الجيش أيضًا. وهذا يعني أن طريق الحصول على تأييد شعبي ربما لن يكون مغلقًا أمام من يقرر المغامرة في المرة القادمة، صحيح أن فاجنر لها خصوصية نظرًا لما نالته من مصداقية بسبب تقدمها صفوف الجيش الروسي خلال معارك الشهور السابقة على المحاولة، إلا أن ظهور قيادة عسكرية جديدة تطمح في الاستحواذ على السلطة لن يعدم أن يخلق خصوصية ما تسوغ سعيه للإطاحة ببوتين.
اقرأ أيضاً: هل يمكن لروسيا أن تنتصر؟
ثالثًا: احتياج بوتين لوساطة خارجية لوقف التمرد تشي بتراجع نفوذه داخليًا بشكل لم يحدث طوال فترة حكمه التي تجاوزت العقدين من الزمان.
رابعًا: جرى العرف في دول العصور الوسطى أن يتخلص السلطان من كل من يناطحه في سلطانه، وبالتالي يجب على بوتين أن يقوم بالبطش بكل من شارك في هذه محاولة الانقلاب عليه، بل ويجب عليه التنكيل بكل من وقف على الحياد من رجاله وحاشيته، وهم بالطبع لا يخفى عليهم ذلك وبالتالي فلا أرى مفر من الاعتقاد بأنهم سوف يدافعون عن وجودهم بأي شكل ممكن، ولأن الهجوم خير وسيلة للدفاع فربما سوف تحمل الأسابيع المقبلة مفاجآت أخرى أكثر تشويقًا من مفاجأة الانقلاب ومفاجأة توقفه بدون مقدمات.
وإن كان هذا الصراع يمكن أن يحدث في وقت السلم بهدوء أو بعنف دون أن يؤدي لسقوط النظام نفسه إلا أنه أمر قاتل في وقت الحرب، لماذا؟ ليس فقط لأن انسحاب ٢٥ ألف مقاتل متمرس من الجبهة - هم عدد قوات فاجنر – يضعف هذه الجبهة بلا شك، بل أيضًا لأن كل قوة يحتاج بوتين إلى أن يسحبها لتأمين مركزه هي أيضًا تخصم من قدرات الجيش الروسي - وهو ما حدث بالمناسبة مع قوات قديروف التي انسحب جزء من الجبهة لمواجهة تمرد فاجنر، ولأنه حتى بعد توقيع بعض الجنود التابعين لفاجنر على عقود الانضمام للجيش الروسي سيظل هناك شك في ولائهم وخوف من تحركاتهم خارج رقابة صارمة من النظام.
أما من الناحية الإعلامية فرغم فوز بوتين الكاسح في خيال أصحاب نظرية المؤامرة الذين رأوا في كل ما حدث دعمًا له ونصرًا مبينًا، كان ما قاله يفجيني بريجوزين قائد فاجنر عن كذب الحجج التي قامت من أجلها الحرب - حيث أكد أن كل ما قيل عن نازية الأوكرانيين وقيامهم بقتل الأقلية الروسية في أوكرانيا قبيل الحرب ما هو إلا أكاذيب لا أساس لها من الصحة، وما فضحه عن الفساد داخل وزارة الدفاع، لم يكن أشرس معارضين بوتين ليطمح يومًا أن يقول نفس الخطاب ويصل لنفس العدد من المواطنين والجنود الروس بكل هذا القدر من المصداقية.
وأخيرًا: إما أن يقف بوتين في صف وزير دفاعه ويرفض إقالته وبذلك يدرك من لم يدرك بعد أنه المسئول الأول عن فساد وزرائه والخسائر الرهيبة التي يتكبدها الروس جراء هذه الحرب العبثية، وإما أن يتخذ إجراءات لعزل وزير دفاعه والمجموعة المحيطة به وبالتالي يظهر في صورة الرئيس الضعيف الذي خضع لابتزاز مجموعة من المسلحين واحتاج لمحاولة انقلاب ليتحرك ضد فساد وزرائه. في كل الأحوال إن ما حدث له ما بعده، وسنرى تأثير ذلك في الأيام القادمة على الجبهة في أوكرانيا أو على الصراع على السلطة داخل روسيا.
اقرأ أيضاً: بعد مرور مائة عام.. تمرد فاغنر يستحضر شبح الحرب الأهلية؟