يوم الأب العالمي.. ذكرى صدمات لا تُشفى

في يوم 21 من يونيو كل عام يحتفل العالم بيوم الأب العالمي تقديرًا لجهوده المبذولة في سبيل توفير احتياجات الأسرة، ودوره في نشأة أبنائه وصناعة ذكرياتهم في الطفولة والمراهقة وكل مراحل حياتهم، لكن على الجانب الآخر أصبح هذا اليوم تذكير لما عانوه بسبب دور الأب المفقود. حيث دون العديد من رواد السوشيال ميديا على صفحاتهم حول ما يفتقدونه بغياب دور الأب في حياتهم، وكيف لذلك أثر ممتد حتى الآن على شخصياتهم واختياراتهم. 

في حلقة مصورة في برنامج "الدحيح" لمقدمه أحمد الغندور حكى فيها عن دور الأب في حياة أبنائه، وما له من دور مؤثر عليهم وخاصة الفتيات منهم، وسلط الضوء على تهميش المجتمع لدور الأب في حياة الأسرة واقتصاره على كونه عائل لها أو مصدر للحماية وهو ما يفسر عدم اهتمام البعض بالاحتفال بيوم الأب كما هو الحال بيوم الأم والتي بدورها تقوم بتأثير أكبر في حياة أبنائها بسبب ارتباط وجودها معهم دائمًا.

عبر البعض في عيد الأب لهذا العام ليس فقط عن افتقادهم هذا القرب من جهته، ولكن ما عانوه من القرب المسموم بسبب العنف المنزلي الممارس على يد بعض الآباء وخاصة في سن صغيرة، وهو الأكثر خطورة في رأيي من غياب الأب مثلًا للوفاة أو السفر أو الطلاق من الأم. حيث تأثير الوجود المسموم على حياة الأطفال بسبب العنف الممارس من الأب أو التخلي عن الأدوار الأساسية مثل الحماية أو توفير الاحتياجات المادية أو دوره كداعم لهم يصنع لهم صدمات لا تُشفى وتظهر تأثيرها بالتحديد في علاقاتهم الاجتماعية بعد ذلك في البحث عن الأمان دومًا أو الشعور بالخطر المحتمل بشكل دائم.

ذكر "الدحيح" في حلقته حصر المجتمع دور الأب في كونه مثال ذكوري جيد لأبنائه وهو ما نفته الأبحاث والدراسات والتي أكدت أهمية القرب والحميمية على سبيل المثال ودوره أيضًا في تطور اللغة التعبيرية للأطفال بسبب الحديث المستمر بلغة مختلفة عما اعتاده الأطفال مع الأم، ودوره الرئيسي في إعداد أطفاله للتعامل مع العالم خارج إطار الأسرة، وإكسابه مهارات كقراءة تعبيرات المنافسين وتبادل الأدوار وتقبل الخسارة وكذلك اكتساب مرونة اجتماعية ومواجهة المواقف الصعبة، وتنمية ذاكرته العملية واكتساب المعلومات وسهولة استدعائها، وقدرته على الانتباه والتركيز والتحكم في النفس بشكل كبير من خلال ممارسة ألعاب خارج إطار السلطة الأبوية، كما أكد على تمضية الأب وقت أطول مع أولاده وخاصة البنات يحميهم من تعرضهم للاكتئاب أو القلق أو كما قال "مجرد حكى الأب حدوتة لبنته في سن صغيرة ممكن يحميها من أمراض زي الاكتئاب أو القلق".

أهم ما ذُكر في حلقة "الدحيح" وما كان له ارتباط وثيق بما حكاه البعض على السوشيال ميديا هو دور الأب كداعم في حياة أولاده، وتأثير غيابه على حياة الفتيات بالأخص وهو ما دفعهم لاختيارات أكثر خطورة في العلاقات بحثًا عن هذا الدور المفقود، حكوا أيضًا عن هذا الشعور باللا انتماء لشيء بعينه بسبب تخلي الأب عنهم وخاصة في المواقف الصعبة أو في توفير الأمان لهم.

وهو ما يدفعنا للتمعن في دور المجتمع في حصر دور الأب كعائل بموجب القانون، حيث لا يحرص القانون على تنظيم العلاقة الاجتماعية بين الأب وأولاده بل يسعى لتوفير لهم النفقة فقط وفي حدود ما يوثقه الأب أو ما يقدمه للمحكمة، مما دفع الأمهات للقيام بدور العائل بشكل مشترك أو كامل لتتغير أيضا شكل العلاقة بينها وبين أبنائها.

كذلك الأشكال النمطية التي فرضها المجتمع للنموذج الجيد للرجل وهو حصره في قدراته المادية "الراجل ميعيبوش إلا جيبه" مما دفع الكثير من الرجال إلى تجاهل دورهم الاجتماعي في تربية أولادهم لحرصهم على توفير احتياجات الأسرة المادية فقط وتحوله لشخص عنيف معهم إذا تعثر في الحصول على الشكل النمطي الذي يفرضه عليه المجتمع ويقيمه على أساسه، حتى يتحول الأب الحاضر الغائب لا يعلم عن أولاده المعلومات الأساسية حتى في تعليمهم أو اختياراتهم الشخصية، وحضوره مقتصر فقط على توفير الأموال المطلوبة.

التأثير الحزين الذي تركه يوم الأب على رواد السوشيال ميديا لتذكرهم صدمات حياتهم بسبب دور آبائهم الغائب أو السلبي والمؤذي، يحكي عن كيف لهذا الأثر الممتد في نفوسهم ندبات لا تُشفى مهما قصد بعضهم الأطباء النفسيين، يظل بعضهم باحثين عن هذا الشعور الآمن والداعم اللذان كان بإمكان الأب توفيرها بحدوتة أو حضن دافئ قبل النوم؟

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة