فقر وقلة حيلة.. حداد على موتى البحر

الهجرة غير الشرعية هي أحد وأهم القضايا المعاصرة والتي تتفاقم لزيادة محاولات البحث عن حياة أفضل ومستوى معيشي ملائم والهروب من تحت أجنحة الأوضاع الاجتماعية المتردية والتي تهدد دائًما حياة الإنسان في وطنه، بالإضافة إلى تزايد معدلات الهجرة بسبب الأوضاع السياسية والأمنية ولتفاقم معدلات الهجرة وإحداثها لعدة مشكلات للدول المستضيفة للمهاجرين، منها خلق توترات سياسية واقتصادية واجتماعية لها، أدى ذلك إلى مناقشة واهتمام بمشكلة الهجرة غير الشرعية على الساحات الدولية.

هناك سؤال دائمًا يطرح نفسه طوال الوقت لماذا يصر الشباب على استمرار السعي للحصول على الهجرة غير الشرعية رغم كافة العقبات والتحديات والمخاطر التي يحذر منها جميع المتخصصين؟

في الحقيقة أن المجتمع المصري مر بالكثير من التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السريعة للغاية فانعكس كل ذلك بالسلب على الأوضاع المعيشية للأسر المصرية، بالإضافة إلى زيادة وتفاقم معدلات الزيادة السكانية، بالإضافة إلى محاولات تطبيق سياسات الانفتاح والإصلاح الاقتصادي وسياسات الاتجاه نحو الخصخصة وبيع القطاع العام، فأدى ذلك إلى توفير العديد من الأيدي العاملة، لذلك نجد أنفسنا في مرحلة متطورة من مشكلة البطالة والتي استحدثت مع الغلاء وارتفاع مستويات المعيشة الهائلة وزيادة معدلات الفقر فقرًا والأغنياء ثراءً، فنتج عن ذلك أيضًا فجوات اجتماعية  كبيرة بين الطبقات، وأدى ذلك إلى عجز المجتمع عن تلبية احتياجاته المواطنين الأساسية في ظل ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الجنيه المصري في ظل ثبات الأجور مع ارتفاع قيمة الخدمات، مع مشكلات الإعلام المفتوح والمعاصر الذي يلعب على زيادة طموحات الشباب والمواطنين في ظل هذا الكم الهائل من محدودية الإمكانات وغياب الوعي والثقافة العامة.

كانت الطبقة المتوسطة تحدث توازنًا هائلًا داخل المجتمع لأنها هي الطبقة السائدة، ورغم ما تعنيه دائمًا من مشكلات وتحديات كانت تسعى دائمًا لمحاولات إحداث ثورة متكاملة في تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة والكرامة، وكل ذلك يحدث إلى الآن رغم تفاقم الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي أدت إلى تفاقم الفجوة بين الأغنياء والبسطاء واختفاء العديد من الطبقات والفئات المجتمعية، فتفاقمت عملية الاغتراب الاجتماعي بين جموع الشباب الذي شعر بالإحباط والضياع وعجزهم تجاه أي محاولات للحلم بحياة مستقبلية ملائمة لهم، فمع اختفاء الأمل نحو مستقبل أفضل في بلادهم ولد معهم حلم الهجرة خارج بلادهم كطوق نجاة لهم في ظل هذه الأوضاع المأساوية التي نعيشها في بلداننا، فمن هؤلاء الشياب من وضع تحت طائلة العصابات التي تتاجر بآلام وأحلام الشباب، في حين أن آباء هؤلاء الشباب لا يملكون المال الذي يمدون به أبنائهم ولكن نرى من يبيع قطعة أرض يمتلكها أو قطع الذهب أو الاقتراض وكل ذلك من أجل تحقيق أحلامهم وطموحاتهم لتحقيق وضع اجتماعي أفضل مثل من هاجروا وسافروا من قبل، فهؤلاء الشباب لم يشعروا للحظة من اللحظات أنهم يعيشون حياة كريمة من كل جانب فدائمًا يشعرون بالتشاؤم الذي يزين حياتهم في ظل ظروف اجتماعية ضاغطة وغير مبشرة.

نجد هؤلاء الشباب يقعون مثل ما ذكرنا في أيدي مافيا السفر غير الشرعي، فيذهبون مسافرين داخل مراكب متهالكة تغرق بهم في وسط البحر فيموت من يموت وينجو من ينجو، وأيضًا الذي ينجو يعيش هناك مطاردًا من قبل السلطات لأنه مسافر غير شرعي، أو يعاد إلى بلده مهانًا، ونحن الآن بصدد جريمة كبيرة ومحزنة للغاية لفقدان عدد من المسافرين غير الشرعيين وغرقهم وسط البحر، ومن نجا من هؤلاء الشباب لم يقبلوا بأي شكل من الأشكال أن يعودوا مرة أخرى إلى بلادهم ويرجع ذلك لعوامل كثيرة منها المستوى الاقتصادي الواضح بين الدول الطاردة والجاذبة للمهاجرين والدور الخدمي والاستثماري الذي يساهم بصورة كبيرة في خلق فرص عمل متميزة في ظل البطالة التي تتميز بها بلداننا العربية، مما أدى إلى زيادة معدلات الفقر والفقر الاقتصادي وانعدام الدخل ومحدوديته بالإضافة إلى فقر معنوي مثل "قلة الحيلة"  وعجز الدولة والمجتمع عن تلبية احتياجات مواطنيه، بالإضافة إلى الكثافة السكانية التي تحصد جميع عوائد التنمية، بالإضافة إلى مشكلات الاغتراب الاجتماعي بسبب الفجوات التي حدثت بين طبقات وفئات المجتمع واختفاء الطبقة الوسطى بعد أن كانت هي السبب الرئيسي في تحقيق التوازن المجتمعي، وانخفاض قيمة الجنيه وتدني أوضاع التعليم والصحة وانتشار المغالاة في ارتفاع تكاليف الزواج والتعليم وانتشار الرشوة والمحسوبية وفقدان العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والتي تتمثل في أبسط الحقوق.

وأخيرًا وليس آخرًا نحتاج إلى وضع استراتيجية للإصلاح الاقتصادي بما يحفظ للمواطن كرامته ويحقق العدالة الاجتماعية، ووضع استراتيجية متكاملة وشاملة في تطوير منظومة الصحة والتعليم بما يتلاءم مع متطلبات العصر، بالإضافة إلى عقد اتفاقيات دولية مع الدول الجاذبة للشباب في توفير عدد من العمالة المدربة والتخصصات التي تحتاجها هذه الدول لكي يصبح سفر شرعيًا من قبل الطرفين، والعمل أيضًا علي تفعيل دور الصندوق الاجتماعي لمساعدة الشباب على إقامة مشروعات صغيرة وتوفير منح للحصول علي قروض بفائدة رمزية لكي يعمل الجميع وننجو بمجتمعنا المتدني  نحو مجتمع أفضل ونتشارك جميعًا مجتمع آمن.

1 تعليق

  1. تحليل موضوعي وشامل
    والحقيقة ان الحكومة فسلت في ادارته فشلا ذريعا لانها كعادتها تديره بشكل امني فقط

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة