في واقعة متكررة ينتشر مقطع مصور قصير لسيدة أو فتاة ترقص في مناسبة خاصة، نتابع مؤخرًا صاحبة الفستان الأزرق التي انتشر لها مقطع مصور من فرح صديقتها ترقص رقصًا شعبيًا مميزًا، بدأ الفيديو بالانتشار مع تعليقات بالإعجاب تارة والنقد تارة أخرى، بعضهم وجد فيه من البهجة والسعادة ما نال إعجابه، وبعضهم شعر بالعيب ونقصان الأخلاق لرقص إحداهن بجرأة واضحة.
تنهال التعليقات دومًا حول مقاطع احتفال النساء على طريقتهن الخاصة بالرقص الشعبي، سواء كان بالسب والقذف أو بالوصم والطعن في الأخلاق والشرف أو بالتعليقات المليئة بالإيحاءات الجنسية، وهو ما ساهمت فيه السوشيال ميديا مؤخرًا، حيث أصبح الموضوع يتحول من مجرد فيديو أو مشهد قد ينال كل هذا الجدل حوله من الدوائر المحيطة إلى أبعد من ذلك، لتجد حمادة من كوم الشقافة يود تأديب صاحبة الفستان الأزرق وينهر زوجها أو خطيبها حتى يشكمها بالمصري الصريح.
ظهرت صاحبة الفستان الأزرق في تقرير أعدته جريدة معلقة بأن هذا المقطع سجل لحظة فرحتها بصديقتها، وأن خطيبها قد تركها بعد انتشاره بسبب التعليقات السلبية التي نالها الفيديو من رواد السوشيال ميديا، وهنا نتذكر واقعة المعلمة التي فصلت من عملها وطلقت من زوجها بسبب مقطع مصور لها ترقص مع زملائها في رحلة خاصة، تحملت هذه المعلمة كم من السب والقذف والاتهامات المغرضة بسبب هذا المقطع، ودمرت حياتها بشكل كامل لولا تدخل السوشيال ميديا وقتها أيضًا على الخط الموازي للضغط على وزارة التربية والتعليم لتسترد عملها وتجنب الخلط بين الحياة الخاصة والعمل وبلا بلا بلا.
ولكن حين يأتي بنا الحديث للمقاطع المصورة للنساء في المناسبات العامة والخاصة، يجب علينا تسليط الضوء على نوع جديد من العنف الإلكتروني يمارس على النساء من خلال تتبعهن في حياتهن والقيام بتصويرهن ثم نشر المقطع، ويعد هذا الشق جريمتين مركبتين في القانون المصري إذا تم بدون إذن، فعقوبة انتهاك حرمة الحياة الخاصة في القانون المصري هي الحبس مدة لا تزيد على سنة، وسواء كان هذا الانتهاك بالتقاط صور لهم في مكان خاص، وتمتد العقوبة لتشمل كل من سهل أو أذاع أو شارك في نشر الصور، فيعاقب بالحبس أيضًا مدة لا تزيد على سنة، حيث تعاقب المادة 309 مكرر من قانون العقوبات المبتز بالحبس مدة لا تقل عن عام في حالة التقاطه لصورة أو نشرها بدون موافقة صاحبها، فذلك الفعل في حد ذاته يُعد جريمة متحققة الأركان، كما أن القانون يعاقب على هذه الجريمة سواء لالتقاط الصورة بدون إذن، أو الحصول على الصورة بدون إذن، أو نشرها بدون إذن، فكل شق هو جريمة بحد ذاته.
انتقالًا إلى الممارسة الحديثة التي أصبحت عادة يومية يمارسها بعض الرجال من سب وقذف النساء على وسائل التواصل الاجتماعي وتتبعهن للوصول إلى معلومات عن حياتهن الخاص للإضرار بهن أو وصمهن، وهي ما تسمى بالملاحقة الإلكترونية أو عبر الإنترنت، والتي تؤدي في بعض الأحيان لجريمة أخرى وهي نشر بيانات خاصة أو تهديد وابتزاز إحداهن للممارسات الجبرية دوًنا عن إرداتها.
في كل واقعة شبيهة بصاحبة الفستان الأزرق تقع النساء فريسة سهلة لجموع مصاصي دماء البشر كما أراهم مؤخرًا، ينتهكون ضحيتهم وسيرتها وحياتها الخاصة ويتركونها منتهية إما خسرت كل شيء أو اختفت ولا نعلم لها طريق، أو تظهر نادمة باكية طالبة الغفران حتى ترضى عنها تلك الجموع، على مرأى ومسمع من المجتمع والمؤسسات المعنية والتي بدورها عليها تقديم الدعم للضحية المذكورة والتنبيه والإشارة لتلك الجرائم حتى يتسنى لها اتخاذ خطوات قانونية وهي على دراية كاملة بأن القانون ومؤسسات الدولة وجدت لتحميها لا لتمارس عليها نفس الوصاية، فتقوم بفصلها عن عملها أو حبسها ومحاكمتها لنشر الفسق والفجور.
على مر التاريخ عبرت النساء المصريات عن سعادتهن بالرقص الشرقي، حتى تحول لسبة وإهانة بسبب تلك الأفكار المتشددة والذكورية التي حصرت النساء وأجسادهن في أدوار جنسية محددة، لتتحول أي قطعة ملابس ترتديها أي سيدة هي إشارة جنسية للرجال تحفيزية للهجوم على ضحيتهن ولومها على استفزازهم، كما حولوا كل مظاهر الفرحة والسعادة التي اعتادت نساء مصر على أن تعبر بها، إلى سلوكيات مشينة توصم النساء بها إلى الأبد، وهي الشماعة التي اختارها المجتمع الذكوري اليوم لاستمراره في الوصاية الأبوية على أجسادهن وحيواتهن ومن ثم إحكام الدائرة حول رقابهن.
صاحبة الفستان الأزرق لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة في سلسال ضحايا العنف الإلكتروني والوصاية الذكورية سواء كانت من أفراد المجتمع أو المؤسسات المعنية، ولم تكن أبدًا المشكلة في رقصها المبهج المميز، لكن تكمن المشكلة في أنه إذا رقصت النساء بحرية شعرت الذكورية بالتهديد، ليس فقط عندما ترقص النساء، ولكن إذا عاشت النساء بحرية وأمان دون تهديد فقدت الوصاية الأبوية أحد أهم أدواتها في كل العصور.