ماذا يعرف الرجال عن الدورة الشهرية؟

منذ فترة قريبة التقيت بأحد أصدقائي الرجال، وكان لدينا بعض المهام التي تستلزم التحرك لننجزها، ولما لاحظ عليّ الإرهاق وسمع بعض تأوهات الألم مني – خصوصًا أثناء تحركنا – سألني ما بي؟ فأخبرته بأنني في أول أيام (البيريود) لذلك لا أشعر بالراحة، وكان تعليقه صادمًا لي، عندما قال إنه لم يفهم أبدًا ماذا يحدث لنا أثناء الدورة الشهرية حتى نتصرف بعصبية أو نشعر بهذا الألم، مع العلم أن صديقي هذا يعمل في مجال الأدوية!

هذا ليس فكرًا فرديًا، فقد لاحظت دلالة أكبر في موقف آخر؛ قبل عدة أيام شرفت بحضوري حفل توقيع شراكة بين مركز «تدوين» القائم على دراسة القضايا الخاصة بالنوع الاجتماعي، وبين شركة تعتبر أول علامة تجارية تنتج الملابس الداخلية الخاصة بالحيض داخل مصر، وهي نقلة مهمة سابقة من نوعها في حل العديد من المشكلات التي تواجهها النساء، وعلى رأسها مشكلة فقر الدورة الشهرية وما يتعلق بها من جرائم اجتماعية وأضرار صحية ومشاكل نفسية. المؤسف في الأمر أن نسبة الرجال الذين حضروا هذا المؤتمر المهم لم تتعد 15% أما البقية من النساء، ألهذه الدرجة لا يوجد وعي كافٍ؟ أم أن الرجال في مجتمعنا يعتقدون حقًا أن الدورة الشهرية هي شأننا الخاص نحن فقط النساء؟

فلنبتعد قليلًا عن سطحية المعلومات التي تحصر الدورة في كلمة (عندي ظروف)، أو في تقلب وحدّة مزاج المرأة، أو حتى في (الشنطة السوداء) التي يعطيها لنا الصيدلي في استحياء موروث. إن دم الحيض يرتبط بحياة كل رجل ارتباطًا وثيقًا، منعته العادات والتقاليد والتابوه المجتمعي من الالتفات إليه أو حتى التفكير فيه، رغم تقاطعه معه في كامل مراحل حياته شاء ذلك أم أبى، وسأوضح وجهة نظري فيما يلي.

الدورة الشهرية هي عملية بيولوجية تحدث تقريبًا لجميع الفتيات حين يتجاوزن الحادية عشر من عمرهن، في هذه المرحلة يتغير كامل جسدنا بفعل الهرمونات، المسؤولة عما يحدث في جهازنا التناسلي من تغيرات أو بمعنى أدق تطورات، هنا تبدأ البويضات بالنضوج وتُطلق من المبيض لتستقر في الرحم، فإذا حدث وكانت البويضة مخصبة – نتيجة حدوث عملية جنسية تخصيبية- فإنها تعلق في جدار الرحم وتتحول بعد ذلك إلى جنين، أما إذا لم تحدث عملية جنسية أو تخصيب للبويضة، فهنا تحدث تقلصات في العضلات الملساء لجدار الرحم وتتمزق أوعيته الدموية، وتدفع التقلصات بطانة الرحم والدم والبويضة غير المخصَّبة خارج الرحم عبر المهبل، فيما يعرف بدم الحيض أو ما نقول عنه اختصارًا (الدورة). والآن – قبل أن تراه أمرًا عاديًا أو مدعاة للسخرية- حاول عزيزي الرجل أن تتخيل هذه العملية المؤلمة والمعقدة تحدث داخل جسدك أنت!

إذن، نحن ندرك الآن أن هذه العملية – التي تعتبر الحدث الأبرز لدى جميع الفتيات كونها إعلانًا عن بداية مرحلة بلوغهن- هي شيء طبيعي بل ومؤشر قوي لصحة وكفاءة أجسادهن، وهذه العملية تحدث شهريًا وتبقى مستمرة إن لم يمنع حدوثها حمل أو أي وضع صحي خطير، حتى تبلغ المرأة سن انقطاع الطمث أو ما يسمى بسن اليأس.

ولأن كل رجل توجد في حياته أنثى تشاركه معظم مساحاته اليومية، سواءً كانت أمه أو أخته، شريكته أو ابنته، مديرته أو زميلته في العمل، فيجب أن يكون لديه الوعي الكافي بدوره أثناء هذا الوقت، وما هي واجباته وكيف يتعامل مع المرأة أثناء الدورة الشهرية.

الأب مثلًا، وهو الرجل الأول في حياة كل فتاة وعامود البيت الصغير السعيد، يقع على عاتقه الاهتمام بمرحلة بلوغ ابنته مثله مثل والدتها تمامًا، ففي الوقت الذي يجب أن تتحدث فيه كل أم بصراحة مع ابنتها عن ماهية الدورة الشهرية، وما يحدث فيها من تغيرات هرمونية تتسبب في حدوث تقلبات مزاجية وآلام جسدية، فإن للأب دور أساسي في تخصيص جزء من ميزانية البيت لتوفير المنتجات الصحية، والمسكّنات التي تحتاجها ابنته لتسهل عليها أوقات الدورة العصيبة، هذا الشكل من الاهتمام والوعي يعزز ثقة الفتاة بنفسها أكثر، ويمحي من داخلها أي شعور بالخجل أو الوصم، بل ويمنحها الشعور بالأمان لممارسة أنشطتها بشكل طبيعي.

وبهذه الطريقة يبرز دور الأب الواعي في تقليص نسبة «فقر الدورة الشهرية»، الذي تعاني منه نحو 1.7 مليون فتاة عربية – وفقًا للبنك الدولي- والمتمثل في صعوبة الحصول على المنتجات الصحية المتعلقة بالدورة، ما يدفعهن للبقاء في المنزل أو استخدام بدائل غير آمنة، وعليه تساعد بيئة المنزل الصحية على دعم الفتيات في الانتظام بدراستهن، ويبعد عنهن شبح التسرب من التعليم والتعرض للزواج المبكر.

كذلك الشريك أو الزوج، فكلما كان متفهمًا للحالة الصحية والمزاجية التي تكون عليها المرأة أثناء فترة الدورة، سيمكنه ذلك من تفادي العديد من المشكلات معها، بل إن مشاركته لها في أعبائها كأعمال المنزل مثلًا، أو مفاجأتها بقطعة من الشوكولا، أو محاولة منحها الاهتمام والاحتواء، كفيلة بأن تجعلها في أحسن حالاتها.

أما على مستوى العمل، فأذكر أن إحدى الشركات التي عملت بها كانت تمنح الموظفات إجازة مدفوعة الأجر في أول أيام دورتهن الشهرية، وللأسف عدد قليل جدًا من الشركات في العالم العربي تطبق سياسة عطلة الدورة الشهرية، رغم أنها منتشرة في العديد من دول العالم المتقدم سواء في القطاع الخاص أو العام، وهي سياسة حكيمة منبثقة من الوعي بأهمية وقوة دور المرأة في قطاع العمل، وتمنحها الشعور بالتقدير الذي يجعلها قادرة على بذل كامل طاقتها وبالتالي زيادة إنتاجها.

عزيزي الرجل، الدورة الشهرية ليست سرًا أو عارًا؛ أنا وأنت وكلنا نعلم بحدوثها شهريًا لكل الفتيات والنساء، فتعمّد إخفائها ليس فضيلة، وخفض الصوت بها ليس حياءً، بل أحيانًا الإعلان بها يساعدنا على تجاوزها بسلاسة.. ويساعدك على القيام بدورك فيها.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة