الانفصال.. كيف نمر بسلام من هذا الثقب الأسود؟

من بين العديد من التجارب الحياتية التي تشكل وعينا وتصقل شخصياتنا بل وقد تغير شكل حياتنا بالكامل، يتربع الانفصال العاطفي على عرش أحد أكثر هذه التجارب شيوعًا وأكثرها قوة وقسوة، فهو واحد من أقوى المعارك التي نضطر دائمًا إلى خوضها، على الأقل مرة في العمر.

هنا سأقولها بكل قوة: «لا عيب ولا خوف ولا خجل»، نعم، الفراق عندنا نحن النساء هو الخوف الأعظم، والألم غير المحتمل، والحدث الذي يتغير بعده دائمًا كل شيء. نحن نكرس أنفسنا حقًا لإنجاح علاقاتنا، واستنادًا إلى دعائم الحب كحجر أساس نرسم أحلامًا ونشيد بيوتًا ونمهد طرقًا ونكسوها ورودًا، نذلل عقبات ونحاول تجاوز العديد من المشكلات، فنغيّر ونتغيّر، وفي خضم هذه الرحلة الجميلة والشاقة ينسخ عقلنا الكثير من التفاصيل والذكريات، التي نتشاركها سويًا لتتحكم بشكل إعجازي في وتيرة دقات قلبنا.

فهنا ضحكنا وهنا بكينا، وهنا تشاركنا في إنجاز أعمالنا، وهنا مشينا نتحدث عن أحلامنا، عن قوتنا سويًا وتحكمنا في العالم، وهنا رست سفينتنا على شاطئ الاستقرار، الذي تقترب منه النجوم لنلامسها بعبث.

ثم يأتي الانفصال كانفجار كوني مزعزع لكل أمن وأمل نعيشه، ويحدث ثقبًا أسودًا شديد القوة، يبتلع كل هذا العالم الذي بذل في سبيله الكثير والكثير، من الوقت والجهد والفكر والروح. ولأن ثقب الانفصال الأسود يوصلنا إلى منطقة مجهولة معتمة، ومستقبل لا نراه فنحسبه مجهولًا، فمن الطبيعي أن نصاب بحالة من الحزن الشديد وعدم الاتزان والألم الغامر المسيطر على كل شيء، وهو أمر يتناسب طرديًا مع مدة وقوة وعمق العلاقة، فقد يدخل بعضنا في نوبات من الاكتئاب الحاد، وما يصاحبها من أعراض جسدية ونفسية خطيرة، تصل إلى فقدان الأمل وعدم الرغبة في الحياة، حتى أن بعض النساء يجزمن بأن ألم الموت قد يكون أقل وجعًا من ألم الانفصال.

بعد قراءتي للعديد من الأبحاث والدراسات، التي أجريت على نساء سواء فرادَى أو في مجموعات وبفئات عمرية مختلفة، ومعايشتي شخصيًا لكثيرات مررن بتجربة الانفصال، وتحدثن عن مشاعرهن التي تشابهت مضمونًا واختلفت كيفًا، يكون الأهم هو التحدث عن مرحلة ما بعد الانفصال، وكيف نجحن في تجاوز مراحل الحزن والألم وانعدام الثقة، والتعافي بعد فقد الهوية والبدء من جديد، ومن كل هذا وذاك ألخّص إليكِ أهم النصائح:

  1. التقبّل والإدراك هو أول خطوة في طريق التجاوز والتعافي، فالصدمة والإنكار هي الضربة الأولى التي تصيب عقلك من هجمة الانفصال، قبل أن تقتحم جيوش الحزن قلاعك، ولكي تنتصري عليها اسمحي لها بأن تمر بأرضك بلا مقاومة، أن يكون لديك الوعي بأن هذه العلاقة قد انتهت حقًا ولن تعود، ككل شيء قد يكتمل أو ينتهي، فأتمّي التجربة حتى آخرها؛ فأن تتألمي وتحزني وتثوري وتبكي وتعيشي مشاعرك بمختلف تقلباتها، وأن تعبري عنها بكامل وعيك في أحقيتها، هي من أقوى الخطوات في رحلة تجاوزك لهذه المرحلة.
  • ابتعدي تمامًا عنه، في هذه المرحلة بالذات، في البدايات استجمعي كامل قوتك واستحضري طاقات العالم، وابتعدي بأطول مسافة وبأقصى سرعة في الاتجاه المعاكس عن شريكك، لا طرق للتواصل ولا الالتقاء، ولا مجال للمسكنات في جرح لن يندمل، والسفر أو الانتقال لمكان أو مدينة أخرى سيساعدك في هذا كثيرًا.
  • لا تجلدي ذاتك، ولا تسمحي للألم بتحميلك سبب فشل هذه العلاقة، ذكّري نفسك دائمًا بحقيقة هامة، وهي أن أي علاقة مكونة من طرفين وكلاهما مشتركان في مسؤولية إنجاحها أو فشلها. «لست وحدك المسؤولة عما آلت إليه الأمور»، أنا شخصيًا أنصحك بكتابة هذه العبارة لتتذكريها دائمًا.
  • اشغلي نفسك كثيرًا، هل تتذكرين الأشياء التي كنتِ تتمنين وقتًا تجربتها؟، والأماكن التي رغبت في رؤيتها؟ والأصدقاء الذين تشتاقين إليهم؟ هذا هو الوقت المناسب لجميع الأنشطة التي تحبينها وتودين القيام بها، أن تعيشي يومك بين سطور كتاب أو في حديقة أو وسط صخب محبب إليكِ، كفيل بأن يجعل الوقت السيء يمر، والأيام الثقال تمضي.
  • لا تلتفتي لأي شيء سلبي حولك، لا نظرة الشامتين ولا فرحة الحاقدين ولا وصم المجتمع، كوني في هذه اللحظة أنانية تمامًا وفكري في نفسك فقط، كيف تصبحين أقوى وأجمل وأكثر سعادة، ماذا سيساعدك على الصمود والتجاوز والنجاح وبدء الحياة مرة أخرى، لأن الحياة لن تتوقف وتنتظرك.

واعلمي يا عزيزتي أنك جئتِ إلى هذا العالم وحدك، وستغادرين منه وحدك، وبين الحضور والانصراف رحلة بها العديد من المحطات، فخذي كامل فرصك في اختيار من يشاركك محطاتك، ولن تكون نهاية العالم إن فشلتِ، فطالما تتنفسين، هناك محطات مليئة بالمفاجآت السارة بانتظارك.

2 تعليقات

  1. مقال رائع ومكتوب حلو وبشكل محترف
    اول مرة اشوف مقال تقريبا بدون أخطاء املائية وصياغة احترافية جميلة

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة