بعد محاولات عديدة «تداول المعلومات» على طاولة الحوار الوطني

على مدار أكثر من عشر سنوات، وخلال مرات عدة يصل عددها لست محاولات وكثير من المطالبات لإصدار قانون يسمح بحرية تداول المعلومات، يناقش الحوار الوطني في جلسته التي ستعقد يوم الأحد القادم قانون حرية تداول المعلومات.

ومنذ عام 2011، وعقب ثورة يناير، بدأت محاولات عدة لإصدار قانون حرية تداول المعلومات، لكن جميعها باءت بالفشل، كانت أخر تلك المحاولات في عام 2017، إذ شكلت لجنة ضمت أعضاء من المجلس الأعلى للإعلام، ووزير الثقافة حينها عماد أبو غازي، وأستاذة علم الاجتماع هدى زكريا (مقررة اللجنة)، وأعضاء من مجلس نقابة الصحفيين، وممثل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ممثل لمركز معلومات مجلس الوزراء، ممثل الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، لإعداد مشروع القانون الذي قدم في البرلمان لمناقشته وإصداره لكن دون جدوى.

وفي عام 2021، عاد الحديث عن قانون تداول المعلومات، وذلك بعدما  تبنته الحكومة المصرية في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، لكن دون خطوة حقيقة نحو إصدار القانون.

ويعد  حق الحصول على المعلومات وتداولها حق أصيل أقرته عدد من المواثيق الدولية التي صدقت عليها مصر، من بينها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، بالإضافة إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والإعلان الخاص بمبادئ حرية التعبير في قارة إفريقيا.

كما نصت المادة 68 من الدستور المصري الصادر سنة 2014 على الآتي: المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمدًا.

وفي الوقت الذي تمتنع فيه الدولة عن إصدار قانون حرية تداول المعلومات، أصدرت عدد من القوانين تحمل عقوبات بالسجن والغرامة لكل من «ينشر أخبار كاذبة». آخر هذه القوانين، تقدمت به الحكومة إلى مجلس النواب، يتعلق، بتنظيم الهيئة العامة للأرصاد الجوية.

ونص مشروع القانون على أن «يُعاقب بغرامة لاتقل عن 100 ألف جنيه، ولا تزيد على 5 ملايين جنيه، كُل من يرتكب أفعالاً تتضمن تقديم خدمات الأرصاد الجوية بمختلف أنواعها، أو إنشاء أو تشغيل محطات أرصاد جوية أياً كان نوعها، أو مراكز تنبؤات أرصاد جوية، عن غير طريق الهيئة أو دون الحصول على ترخيص منها، أو نشر أي معلومات غير صحيحة خاصة بالأرصاد الجوية أو حالة الطقس على وسائل التواصل الاجتماعي، أو بأي وسيلة من وسائل النشر».

واستخدمت تهمة نشر الأخبار الكاذبة كالسيف على رقاب المعارضين عمومًا والصحفيين بشكل خاص،  فقد تم اتهام العديد من المعارضين والحقوقيين والصحفيين أيضاً بهذه التهمة، ففي عام 2021 حكم على صحفيين حسام مؤنس وهشام فؤاد بالحبس 4 سنوات بتهمة نشر أخبار كاذبة، وذلك قبل أن يتم الإفراج عنهما بموجب عفو رئاسي صدر العام الماضي 2022. فيما يقبع عدد من الصحفيين خلف القضبان لنفس التهمة.

في ديسمبر 2021 أصدرت حرية الفكر والتعبير – وهي منظمة حقوقية غير حكومية- دليلًا للمشرع في إعداد قانون تداول المعلومات، وتضمن الدليل المبادئ الأساسية في التشريعات المتعلقة بتداول المعلومات وعددهم 9 مبادئ أساسية وهم:

1- الحد الأقصى من الإفصاح: ينطلق هذا المبدأ من أن الجهات والمؤسسات العامة يجب أن تفصح عن جميع المعلومات التي لديها، إلا في حالات استثنائية كما يوضح المبدأ الرابع. ولجميع الأفراد والمنظمات الحق في الحصول على المعلومات، دون التقيد بالجنسية أو محل الإقامة، ولا يجب تقييد الحق باشتراط بيان الأسباب التي تدفع الأفراد أو المنظمات إلى طلب المعلومات.

ويقصد بالجهة العامة كل أفرع ومستويات الحكومة ومنها المجالس المنتخبة كالبرلمان والمحليات والجهات التي تعمل في ظل تفويضات رسمية والصناعات المملوكة للدولة والهيئات القضائية والجهات الخاصة التي تتولى مسؤوليات عامة، ولا ينبغي إعفاء الأجهزة والجهات الأمنية والسيادية من الخضوع لسلطة قانون تداول المعلومات. ويجب على الجهات العامة أن تلتزم بصيانة المعلومات والحفاظ عليها وحمايتها من التلف أو الإضرار.

2- الالتزام بالنشر: لا يتوقف الحق في المعلومات على تقديم طلبات الاطلاع إلى الجهات العامة ولكن على هذه الجهات القيام بنشر المعلومات التي تهم الشأن العام بشكل استباقي ووفق مواردها المتاحة. وفي الحد الأدنى، على الجهات العامة أن تفصح عن المعلومات التشغيلية الخاصة بها بما في ذلك أهدافها وهيكلها وسياساتها العامة، والمعلومات المتعلقة بالشكاوى والطلبات، والإرشادات التي تمكن الجمهور من تقديم اقتراحات.

كما تلتزم الجهات العامة ببيان أنواع المعلومات التي تحتفظ بها وطريقة حفظها، وتوضيح المواد المرجعية للسياسة أو الإجراء المتخذ، خاصة في حالة وجود تقييمات للآثار البيئية والاجتماعية والتأثيرات على حقوق الإنسان. ويتم استخدام هذه المعلومات دون قيود.

3- الترويج للحكومات المفتوحة: يجب أن يتم إعلام الجمهور بحقوقهم والترويج لثقافة الانفتاح في الحكومة، وذلك لأن عدم وجو التزام من العاملين بالجهات العامة يضعف من أثر قانون تداول المعلومات. وفي ذلك، يجب أن يتضمن القانون نص على تخصيص موارد كافية للترويج له. ويعتبر استخدام الأدوات الصوتية والمرئية في الدول التي تنخفض فيها معدلات القدرة على القراءة والكتابة أمرًا أساسيًأ. ويجب أن تلتزم الحكومة وكافة الجهات العامة بمجابهة ثقافة السرية والقيام بالتدريبات اللازمة للعاملين بها لكي يساهموا في تطبيق القانون.

4- محدودية نطاق الاستثناءات: يمكن للجهات العامة أن ترفض طلبات الاطلاع شريطة أن تقع في نطاق الاستثناءات، وذلك من خلال أن تثبت الجهة العامة أن المعلومات تفي بمتطلبات الاختبار الثلاثي الصارم، من حيث: «أن تكون مرتبطة بغاية مشروعة، أن يكون الكشف عن المعلومات يهدد بضرر جسيم بهذه الغاية. أن يكون هذا الضرر الجسيم أكبر من المصلحة العامة في الكشف عن المعلومات».

ويجب أن تكون الغاية المشروعة محددة في القانون ومقصورة على المسائل التي اعترف بها القانون الدولي مثل مسائل إنفاذ القانون والخصوصية والأمن القومي والأسرار التجارية والسلامة العامة والفردية وسلامة عمليات اتخاذ القرار الحكومية. وفي حال إثبات أن الإفصاح عن المعلومات يلحق ضرر بغاية مشروعة، يجب التحري فيما إذا كان الإفصاح عن المعلومات يؤدي إلى مصلحة أكبر من هذا الضرر.

5- تسهيل الحصول على المعلومات: كافة الجهات العامة تلتزم أن تنشئ أنظمة داخلية مفتوحة ويمكن الوصول إليها وتكلف مسؤولًا للبت في الطلبات المقدمة لها، وينبغي تخصيص موارد مالية كافية لضمان ملائمة طريقة الإتاحة مثل الفئات التي لا تجيد القراءة والكتابة أو لا تعرف اللغة المدون بها المعلومة أو ذوي الإعاقة. ويجب أن تشمل إجراءات الحصول على المعلومة عدة مستويات، أولها في الجهة العامة نفسها، وفي حال رفض الطلب يتم اللجوء إلى جهة إدارية مستقلة، وإذا تكرر الرفض يتم اللجوء إلى القضاء.

وينبغي أن تكون كل هذه الإجراءات سريعة وتكلفتها أقل ما يمكن، حتى لا تعيق الأفراد عن الحصول على حقهم في المعرفة.

6- التكلفة المناسبة لطلبات الاطلاع على المعلومات: ينبغي أن تعمل الجهات العامة على توفير المعلومات بدون تكلفة، وفي حال لم تتمكن من ذلك فعليها أن تضمن وجود تكلفة منخفضة. وفي حال كانت الطلبات شخصية أو تخدم المصلحة العامة مثل أن يرتبط الطلب بإعادة النشر، يجب على الجهات العامة أن تلغي التكاليف أو تخفضها.

7- الاجتماعات المفتوحة: يمتد حق الجمهور في المعلومات إلى حضور اجتماعات الجهات العامة، للمشاركة في صنع القرار، ويقصد بالاجتماع في هذا الإطار الانعقاد الرسمي للجهة العامة لغرض تنفيذ الأعمال العامة، ومن العوامل التي تشير إلى أن الاجتماع هو اجتماع رسمي هي اشتراطات حضور النصاب وتطبيق القواعد الإجرائية الرسمية للاجتماع.

8- الأسبقية للإفصاح عن المعلومات: يجب أن يشترط قانون تداول المعلومات أن يتم تفسير التشريعات الأخرى، بطريقة تتفق ونصوصه، وأن يتم تعديل تلك التشريعات أو إلغائها، إذا ما تعارضت مع أحكام قانون تداول المعلومات. ويجب حماية الموظفين من العقوبات، في حال أفصحوا عن معلومات مقيدة بالاستثناء، وكان ذلك بنوايا حسنة.

 9- حماية المبلغين: يجب أن يكفل القانون حماية الأفراد من أي عقوبات قانونية أو إدارية أو أضرار ناتجة عن الإفصاح عن المخالفات سواء كانت في جهات عامة أو خاصة، ويجب أن تتسق القوانين الجنائية والمدنية والإدارية والعمالية مع ذلك.

ويقصد بالمخالفات ارتكاب أي جرائم جنائية أو عدم الامتثال للقانون أو الفساد أو سوء الإدارة، فيما يتعلق بأي جهة عامة. وكذلك الأمر في حال التهديدات الجسيمة للصحة أو السلامة أو البيئة.

وخلال الأيام القليلة الماضية، عقدت لجنة الحقوق المدنية والسياسية بالمجلس القومى لحقوق الإنسان، ورشة العمل تحت عنوان «حرية إتاحة تداول المعلومات بين الاستحقاق الدستوري والتحديات».

وأكدت السفيرة مشيرة خطاب رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان، في افتتاح الورشة، أن المجلس يعمل على رفع الوعي بفوائد تمرير القانون الخاص بحرية تداول المعلومات من منظور حقوق الإنسان بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

كما أكدت على أن الديمقراطية الحقيقية هي التي يتاح فيها المعلومات لأن الإنسان لن يستطيع أن يكون رأيًا أو يحصل علي أي حق إلا إذا توافرت له المعلومات.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة