لماذا ينزعج المجتمع من المرأة القوية المستقلة؟

هل سعي بعض النساء ليصبحن قويات مستقلات اختيار أم أنه أحيانًا يكون جبرًا نتيجة ظروف تقع النساء تحت وطأتها؟

فمن هي المرأة القوية المستقلة؟

هي المرأة التي استطاعت تحمل مسؤوليات كبيرة إما في عملها أو في أسرتها أو في محيطها، ولديها ثقة بالنفس، ولا تحتاج إلى الاعتماد على أحد، وتتمتع باستقلالية عاطفية، وتستطيع التعبير عن نفسها بصدق، وقد تكون هذه المرأة متزوجة أو غير متزوجة، مطلقة أو أرملة أو صاحبة عمل، ويري الكثير وخصوصًا الرجال أن هذه المرأة (مسترجلة) أي أن هذه الصفات تخص الرجال دون النساء.

كما تستنكر أيضًا بعض النساء هذا الوصف، ويعتقدن أنه يُحمل المرأة أكثر مما تحتمل، ويطالبها بأن تكون قوية دائمًا، قوية (أكثر مما تحتمل)، ولا تشتكي، ولا تبكي.

في حين نجد الكثير من النساء غيرن هذه الفكرة وأثبتن أنهن قادرات علي فعل الكثير، لأن لديهم طاقات كامنة لم تختبرها بعد وعندما قررت واختبرتها نجحت واستطاعت أن تفعل الكثير. ومع هذا لا يزال مصطلح المرأة القوية المستقلة Strong Independent woman يسخر منه الكثيرون، ويقدره ويعتز به القليلون.

ولكن لماذا تسعي بعض النساء الي التحلي بالقوة والاستقلالية؟

  • أولها رغبة النساء في الاعتماد على النفس وتحقيق الذات، وعدم الاعتماد على الآخرين في تحقيق أهدافها.
  • رغبتها في تحقيق النجاح في حياتها المهنية والشخصية، والحصول على الاحترام والتقدير من المجتمع.
  • الحاجة لتحمل المسؤولية واتخاذ القرارات الصعبة، والتعامل بشكل فعال مع الضغوط والتحديات التي تواجهها في الحياة.
  • كذلك ترغب الكثير من النساء في الحفاظ على استقلاليتها المالية وعدم الاعتماد على الآخرين في تأمين احتياجاتها المالية.

نجد أيضًا بعض النساء يتمردن على الوضع الحالي الذي يقلل من قدراتهم ولا يعطي لهم الفرصة في النجاح والترقي فتقرر هي أن تأخذ فرصتها بيدها حتي تتغلب على العادات والتقاليد المجتمعية البالية.

وعلي الجانب الآخر نجد نسبة غير قليلة من النساء تقعن تحت ظروف أسرية ترغمهن على أن يصبحن معيلات لأسرهن بشكل كامل، بعد أن كانت تساهم بجزء فقط، نتيجة وفاة الزوج مثلًا، أو مرضه، أو أن الزوج قرر أن لا يعمل وبالتالي لا يقوم بإعالة أسرته، فتقوم الزوجة هنا برعاية الأسرة والإنفاق عليها وكذلك أخذ القرارات الواجب اتخاذها، ولا أعتقد هنا أن الزوجة كانت تسعي لأن تكون قوية ومتحملة المسئولية بمفردها وبالتالي فهي غير مرحبة بهذا الدور وتشعر بأنه عبء عليها، ولكن كل هذا حدث نتيجة الظروف التي وضعت فيها. 

أيضًا نجد حولنا الأخت الكبرى التي تحملت مسئولية أخواتها سواء كانوا ذكور أم إناث، لأن الظروف داخل الأسرة وضعتها في اختبار صعب بعد وفاة الأب أو عجزه، فهي هنا تقوم بدور فوق طاقتها كفتاة لها طموحتها في التعليم والعمل، وأحيانًا كثيرة نجد هذه الأخت تضحي بزواجها من أجل رعاية أخواتها والإنفاق عليهم.

ومن ضمن الأسباب أيضًا أن بعض النساء يتزوجن من رجال لا يستطعيون مواجهة المواقف الصعبة التي تعترض حياتهم وتؤثر فيها، فنجد الزوجة هنا تتحمل مسئولية مواجهة هذه المواقف حتي تنجو بأسرتها.

فإذا كان الأمر اختيار من جانب بعض النساء، أو إجبار لنساء أخريات

فالأمر هنا لا يسلم من الفهم الخاطيء من جانب المجتمع (نساءه ورجاله)

فنجد بعض النساء حين يتمتعن بالقوة والاستقلالية يشعرن بأنهن أصبحن الأقوى والأفضل ويستطعن العيش بدون الرجال، ونجد بعض الرجال يشعرون بالخوف والقلق علي صورتهم كرجال وكذلك الخوف من عدم سيطرتهم على النساء.

وهذه الآثار من شأنها أن تحدث الكثير من المشكلات داخل المجتمع.

قد تتعرض المرأة القوية المستقلة للتمييز داخل المجتمع من قبل بعض الناس الذين يرون أنها يجب أن تكون ضعيفة وتعتمد على الرجل، مما يؤثر على توافقها في المجتمع. قد يكون لدى المرأة القوية المستقلة تأثير على حياتها العاطفية، وقد لا تجد الشريك المناسب الذي يتقبل قوتها واستقلاليتها، وهذا يمكن أن يؤدي إلى عزوفها عن الزواج، كذلك كثيرًا ما تواجه بعض النساء القويات والمستقلات تحديات في الحفاظ على التوازن بين العمل والحياة العائلية، وهذا يمكن أن يؤدي إلى توتر وعدم استقرار في حياتها العائلية والاجتماعية.

أيضًا تواجه الكثير من النساء القويات المستقلات تحديات في الحصول على فرص عمل متساوية مع الرجال، مما يشعرهن بالإحباط.

ومع كل هذه التحديات هل تحيا هذه المرأة القوية المستقلة بصحة نفسية جيدة أم أنها تعاني؟

نعم، صحة المرأة النفسية يمكن أن تتأثر عندما تقرر أن تحمل على عاتقها أن تكون قوية ومستقلة ومتحملة الكثير من المسئوليات، خاصة في مجتمعنا الذي لا يدعم بشكل كافي المرأة في دورها كمستقلة وقوية. قد تشعر المرأة القوية والمستقلة بالضغط والتوتر نتيجة للمطالبات الإضافية التي يمكن أن توجه لها، كونها قوية ومتحملة المسئولية، وفي سبيل تلبية ذلك تضحي في أحيان كثيرة برغباتها واحتياجاتها وراحتها وقد يؤدي ذلك إلى انخفاض في مستوى السعادة والرضا النفسي.

أيضًا تواجه هذه المرأة ضغوطًا نفسية إذا كانت تحاول الحفاظ على التوازن بين الحياة المهنية والشخصية، وخاصة إذا كانت تقوم بدور الزوجة والأم، وقد تتعرض النساء اللواتي يسعين للوصول إلى القوة والاستقلالية للتمييز والانتقاد، فتشعر النساء بحالة من عدم التوافق بين ما تريده هي وما يريده المجتمع وهذا يمكن أن يؤثر على صحتها النفسية ويزيد من مستويات القلق والتوتر.

وهنا نسأل ما هي الصورة المثالية التي يحب المجتمع أن يري بها النساء؟!

يفضل مجتمعنا دور المرأة النمطي الذي يتمثل في الاهتمام بالأسرة والمنزل، وحتي مع خروجها للعمل يجب أن تكون أعمال نمطية لا تعلو فيها على الرجل ولا تتساوى معه، وكون المرأة قوية ومستقلة فإن هذا الأمر يمثل إزعاجًا للمجتمع ككل.

وبالتالي يرغب غالبية الرجال أن لا تكون المرأة مستقلة عنه بل يحبها ضعيفة، خاضعة له ولحكمه بل ولأهوائه أيضًا؟

في الحقيقة فإن النسبة الأكبر من الرجال يريدون المرأة ضعيفة، تابعة، ففي استقلال المرأة عن الرجل تهديد لرجولته، وسيطرته وخلق شعور لديه بعدم الأمان، وينبع ذلك الشعور من عدم تابعيتها وعدم احتياجها له، لأن المرأة المستقلة لا تحتاج لمن تتكئ عليه لأنها تستطيع الاعتماد على نفسها أولاً وأخيرًا.

ولا ننكر أن المرأة القوية المستقلة تكون محل إعجاب كثير من الرجال، وذلك لشخصيتها القوية التي تمثل عامل جذب شديد لهم، وعلى الرغم من ذلك كله تبقى للإعجاب فقط، فلا يوجد من يقرر فعليًا الارتباط بها لأنها تمثل تهديدًا لهيبة الرجل وشخصيته بحسب ما يسلم به نسبة كبيرة من الرجال، ولذلك يبحث الرجل عن المرأة الضعيفة التي يستطيع أن يفني شخصيتها في شخصيته والتي لا تقوى أبدًا عن البعد عنه مهما بدر منها، لأنه يعلم مسبقًا بضعفها وبعدم استقلاليتها.

وعلى الجانب الآخر توجد نسبة قليلة من الرجال يقدرون قيمة المرأة القوية المستقلة ويفضلون الارتباط بها، ويرون في قوة شخصيتها واستقلاليتها ميزات رائعة للمرأة التي يريدون الارتباط بها.

وأخيرًا، ستبقى المرأة القوية المستقلة، غير التابعة للرجل، محل إعجاب الجميع، وستبقى أيضًا السهل الممتنع بالنسبة لكثير من الرجال الذين لا يجرؤون على الارتباط بها خشية من ضياع هيبتهم ورجولتهم وفقًا لما تربوا عليه من معتقدات.

فمن الطبيعي أن تكون المرأة قوية ومستقلة ومسئولة كما الرجال، وهي بهذا لا تأخذ من هيبة الرجل ولا تنقص من حقه شيئًا، ولكنها مسئولية مشتركة، الفهم الخاطئ للأمور هو ما يجلب المشكلات، فالناس جُبلت على مفاهيم ومعتقدات معينة ونجد أن الأجيال تتوارثها دون التفكير فيها، فالنساء والرجال لديهم قدرات كبيرة، والصورة تكتمل بالاثنين معًا، هم ليسوا في حلبة سباق ينتظرون من الذي سينتصر على الآخر، من الذي يسيطر على الآخر، نحن في حاجة إلى الفهم الصحيح للأمور، في حاجة إلى تقدير كل طرف للآخر لنطلق العنان للطاقات الكامنة بداخلنا، ونحيا ونحن على توافق بدلاً من العيش في صراع بين ما نريده نحن وما يريديه المجتمع.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة