التفكك المجتمعي هو حالة من الانهيار في النسيج الإجتماعي، لأنه أصبح يعمل وفقا لعوامل وظروف مجتمعية، سواء خارجية أو داخلية، وابتعد عن تلقائيته. يرجع هذا إلى أن أساس التنظيمات الإجتماعية هي وحدة العلاقة بين الأفراد والمجتمعات. وبالرغم من أن المجتمع مقيد بمجموعة من الممارسات التقليدية والبيروقراطية، إلا أن هذا التماسك العلوي الواضح هو سبب رئيسي للتفكك الإجتماعي. لأن هذا التكامل الرسمي من الأنظمة ينتج عنها حالة من التفكك الإجتماعي الذي يقضي علي التكاملية، ويفرخ عددا كبيرا من المشكلات المجتمعية الخطيرة.
ومن هذا الصدد أؤكد أن حالة التفكك هذه تأتي أيضا من قلة فاعلية المعايير التي ترتبط بالفرد وسلوكه، كعضو أساسي في العملية الجماعية داخل المجتمع الواحد، كما يأتي من عدم استطاعة الإنسان أو الفرد نفسه تنظيم وإدارة شئون حياته، فكل هذا أمر هين بالنسبة للمتغيرات الإجتماعية والثقافية التي تسببت في ظاهرة التخلف المجتمعي، الذي أفرزته عوامل سرعة التفاوت المجتمعي داخل الطبقة الواحدة، سواء من تفاوت ثقافي أو تفاوت مادي، حتي أصبحت غير متوازنة، لذلك ساهمت بشكل كبير وهائل في التوازن القائم بين جوانب الحياة، بما تحمله من ظروف ومماراسات غير قادرة علي أن تحقق النجاح.
التفكك المجتمعي يقوم بنيان دراسته وفقا لعدد من القضايا والأفكار المتنوعة والحتمية، التي توفر بعض المعايير والأسس التي تحكم سلوكيات الأفراد والفئات المختلفة، والتي تظهر مدي توافق هؤلاء الأفراد في إدارة مواقف الحياة والمجتمع المختلفة، وحتمية الإستناد إلي الخلل المجتمعي المصاحب لعملية التغيير الإجتماعي الشامل. فالمجتمع عبارة عن نسق إجتماعي معقد ودينامي، تعمل أركانه في تناسق، لذلك أي تغير لأي ركن من هذه الأركان، يتطلب التوافق والتلاؤم مع بقية الأركان، لذلك ضرورة التكيف والتكافؤ الإجتماعي أمرا مطلوبا لعلاج كافة القضايا المجتمعية، حتي لا يصبح كل ذلك ناقوس لخطر إجتماعي قادم، يزيد من حالة التفكك المجتمعي.
من الضروري أن أشير إلي أن كافة البيئات التي تظهر بها ظاهرة أو مشكلات التفكك الإجتماعي، سواء كفالة أو ظاهرة، هي مناطق ينتشر فيها الجهل والفقر والمرض، وتتبني دائما سلوكيات انحرافية بنسبة كبيرة، بكافة صورها، وهذا فقط كان في السابق والحالي أيضا. أما الآن ظهرت حالة من التفكك المجتمعي داخل فئات متنوعة ومختلفة اجتماعيا وثقافيا وفكريا، بجانب هذه البؤر المنحرفة والعشوائية، ويرجع ذلك لعدد كبير من العوامل، أبرزها التقدم التكنولوجي الهائل الذي نعيش فيه، بجانب التباين المادي الفاحش في طبقة الأثرياء، وبنفس الوقت التفاوت الطبقي بين فئات المثقفين والطبقات الوسطي وأصحاب العلم. ويرجع ذلك أيضا لعوامل اقتصادية يقوم علي أساسها التوازن المجتمعي للكيان والأسرة والجماعة الواحدة، وكل ذلك أشرت إليه سابقا، في مقالي عن ظاهرة الإستعباد الإجتماعي التي نتج عنها مشكلات وعواقب وخيمة جاءت بنا إلي هنا. التكامل والتوازن والتناسق الذي يحتم وجوب العدالة الإنسانية والمجتمعية، أمر حتمي وجوده علي رأس قائمة العلاج التي يجب أن تكون أحد مخرجات الحوار الوطني المنعقد في الوقت الحالي.
ضرورة العمل علي وضع حلول سياسية واقتصادية واضحة المعالم، وتصبح قيد التنفيذ الفعلي وتحت إشراف متخصصين، قادرين علي تفعيل الحلول، للحصول علي نتائج إيجابية واضحة وصريحة، لأن عملية استقرار الأوضاع السياسية والإقتصادية يضمن بنسبة كبيرة عملية التماسك المجتمعي، والقضاء علي التفككات الإجتماعية الموجودة، والتي تتفاقم بمرور الوقت، بوجود هذه الأوضاع وهذه الاختلافات المجتمعية والسياسية والمادية، فكافة الصراعات الثقافية والسياسية واللامعيارية والإنحرافات وازدواجية المعايير التي تنتج عنها أيضا كافة مشاكل التمييز.
ففي النهاية، عملية علاج التفكك المجتمعي هي علاقة متناغمة ومتسقة، فالتكامل في علاجها، ومحاولة تبني نسق واضح من الأسس والقواعد والرؤي المتوافقة والثابتة والمؤثرة لتحقيق نتائج فعلية وملموسة، من خلال القدرة علي التحكم في المشكلات وقدرة استيعابها بحلول متكاملة ومتلاءمة، ومحاولات تأسيس نوع من أنواع التكيف بين التغيرات الإجتماعية والتكنولوجية القديمة منها والحديثة، قائم علي سبل التركيز والإتصال والإتفاق حتي نصل لحلول سريعة، ونتائج ملموسة وفعلية ومؤثرة علي المجتمع، لنسير جميعا نحو مجتمع أفضل ونتشارك مجتمع آمن.
اقرأ أيضا: المحور المجتمعي بين الواقع والمأمول