الحنين للطرف الشبحي

أكثر من ٧٠٪؜ من الاشخاص الفاقدين لأجزاء من أجسادهم بعد البتر يتعرضون لألم وهمي في العضو المبتور أو جزء منه، وفي حالات يتعاظم الألم ويصل إلى حد الشعور بالحرق أو بالكسر وألم يصعب تحمله.

لا يقتصر هذا الشعور على الألم فقط، أحيانًا ما يشعر المصاب بمتلازمة الألم الشبحي بحركة الطرف المفقود حركة وهمية تسبب عدم الاتزان والاضطراب.

وفي حياتنا تبتر منا الأشياء قصرًا، أفراد لم نقبل فكره رحيلهم أو حالات عشناها ولم تعد مرة أخرى فيصيبنا الحنين نحو الطرف الشبحي في حياتنا. نشعر بألم غير قادرين على علاجه أو حتى تفسيره، وقد نظل أسرى هذا الحنين الشبحي لغائب لا يعود.

هذا الشعور أره من حولي في مناقشات الأصدقاء يرفضون فكره الاعتراف أننا في واقع ٢٠٢٣ ما زالوا أسرى الحنين الشبحي لواقع ٢٠١١ الذي بتر وانفصل ودفن وحيدًا وبقينا نحن نعاني من الحنين لغائب لن يعود.

يجب أن نفهم هذه الحقيقة ونتعامل معها بكل قوة وحسم. نحن لا نملك إلا محاولاتنا للنجاة، لم يعد شعورنا بالهزيمة يكفي بل يجب علينا أن نعلم بأننا مبتورين مشوهين. لم تكن التجربة رحيمة بنا ولم نكن نحن رحيمين بأنفسنا خلال التجربة، بل أعطيناها ولم نستبق شيئًا، وأصرينا بعد كل طعنة وضربة وهزيمة أن نتماسك ونظهر وجهنا الناجي اللا مبالي رغم خرابنا الداخلي الذي اجتهدنا بكل طاقتنا أن نخفيه حتى سقطت أجزاء من أرواحنا دون أن ندري. أجزاء بترت ولكن حنيننا الشبحي منعنا من أن ندرك واقع خسارتها.

يجب علينا ألا نصرخ في وجه كل من يحاول إخبارنا بواقعنا وتشوهاتنا، ويجب أن نرحم أنفسنا أولًا قبل أي شيء، لأن عند سقوط الوهم وانتهاء خداعنا النفسي ونظرنا إلى داخلنا وإلى واقعنا دون زينة، وعند وقوفنا أمام الحقيقة بكل ثقلها وألمها، سنرى أنفسنا بثقوبها وفراغات أرواحنا، تملأنا الندوب والأجزاء المبتورة.

لن تكون الحقيقة أكثر رحمة من الوهم ولكن على الأقل سنري أنفسنا وهذا ليس بالقليل. نحن ابناء يناير لا يستطيع أحد سلبنا هذه الصفة أيًا كان موقعنا وتحت أي ظرف، ولكن نحن يتامى ومشوهون. هذا هو الواقع خضنا المعركة بكل طاقتنا وانهزمنا، والمهزوم في الواقع لا يشبه مهزوم القصص والروايات الذي يذهب إلى المفاوضات بعد المعركة بكامل أناقته وزيه الحربي، ولا يكفي المنهزم الابتسام ليسلب المنتصر نشوة الانتصار، وإلا لما نقاتل من الأساس؟ يكفينا عندنا الابتسام في وجه من هزمونا فقط؟!

كل اختياراتنا هي اختيارات المهزوم المضطر لا يجب أن تكون الأمثل ولا الأفضل، ولكن يكفينا أن تكون أفضل المتاح من وجهة نظرنا، ويكفي أن نكون صادقين لدينا ما يكفي من الوعي أن نعي أن أيًا منا لا يملك الحقيقة، وأن وحدة الغافل من يظن أنه يملك الحقيقة.

يجب أن ندرك ما فقدنا، وألا نتعلق بماضي بتر من حياتنا وسبقنا إلى القبور، لن يعود ولن يزيدنا حنيننا الشبحي إليه إلا مزيد من الألم والاضطراب. يجب أن نقف أمام مرآة الواقع دون أن نخشى أو نخجل من أن ننظر إلى حقيقتنا المبتورة المشوهة، فمهما كانت قسوتها فهي أرحم من خداعنا لأنفسنا وعدم إدراكنا لتشوهنا.

قبولنا لأنفسنا على ما هي عليه هي أول خطوة لتعافينا من وهم الحنين الشبحي.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة