إعادة وجهة نظر «آه من حوا»

الأيام مثل الثواني كثيرًا ما يشعر المرء بهذه الجملة حين يتقدم به العمر، حين يتفقد صوره القديمة أو يتذكر شيء مضى، ذكرى حزينة أو سعيدة، حين ينظر إلى صور أجداده و يتذكر طفولته الجميلة الدافئة معهم، أو صور والدته في صغرها وهي تشبهه كثيرًا في ملامحها كما يشبهها في طباعها.

مرت أيام العيد ومرت معها ذكرياتنا عن كل شيء، جداتنا وهن ينقشن «الكحك» ورائحة لبس العيد الجديد، وحتى الحدائق التي كنا نزورها ونلهو ونلعب بها، ومسرحية ليلة العيد بالمساء على التلفاز والأسرة جميعها تشاهدها وهي تأكل اللب والفول السوداني، والضحكات المتكررة أمام مسرحية سك على بناتك والعيال كبرت، ولكن بالفعل العيال كبرت وأصبح لكل منا شخصيته وطريقة تفكيره التي تميز كل شخص عن الآخر.

كلها ذكريات جميلة، ولكن كم مرة أعدت تفكيرك ووجهة نظرك في ذكرى أو شيء كنت تحبه كثيرًا في يوم من الأيام، ولكنك كنت لا تراه على حقيقة أمره أو حتى تغيرت وجهة نظرك لنفس الشيء، هذا ما حدث معي، إعادة نظري في شيء ما كان يضحكني في زمن وأصبح يؤذيني في زمن آخر، أهل الفن دائمًا ما يقولون إن صناعة الفن هي للمتعة، ولكن عندما يؤذيك الفن ماذا يصبح حينها!

ثاني أيام العيد وأنا أتفقد التلفاز رأيت فيلمًا كنت أعشقه منذ الطفولة ولم يفشل أبدًا في إضحاكي وإمتاع حواسي، الفيلم بطولة الچان رشدي أباظة ولبنى عبد العزيز واسمه «آه من حواء»، البطلة في الفيلم كانت تعيش في بيت جدها مع أختها الصغيرة، وكما كان الأمر وقتها لا يصح أن تتزوج الصغيرة قبل الكبيرة وإلا سيقال أن الكبيرة أصابتها العنوسة، وكان ذلك عارًا. كانت البطلة متمردة بطبيعة حالها، وكانت تقوم بتطفيش العرسان وترفض فكرة الزواج لمجرد الانصياع لطلبات ورغبات زوجها الذي يتحكم بها ويؤمر وينهي في أمور وشئون حياتها.

وفي مشهد من المشاهد عندما جاء عريس بصحبة والدته ليتقدم لها قالت له: «أنت عايز تتجوزني ليه؟»، ولم ينطق أو نطق ببعض كلمات متقطعة: «لأنها سنة الحياة»، ثم أكملت حديثها: «عايز واحدة تتجوز عشان تتحكم فيها وتطلع عليها عقدك؟»، وبعدها يسرع العريس إلى باب المنزل هو ووالدته.

ثم يأتي البطل وهو دكتور «البهائم» الذي يعمل في أرض بيت جدها، ويعجب بالبطلة الأخت الكبرى التي تقوم بإهانته في كل مرة تراه أو يقابلها، إلى أن تمرض ويستعين جدها بدكتور البهائم ليداوي حفيدته الكبرى، ويعطيها الدواء في مشهد لا ينسى من ذاكرة أي مصري أو مصرية، فيستعين الدكتور باللجام الخاص بالبهائم حول فم لبني عبد العزيز، ويعطيها الدواء بمسدس الدواء وهو نفس المسدس  الخاص بالبهائم أيضًا.

اختلفت هذه اللحظة في نظري تمامًا ولم أضحك مثلما اعتدت، يمكن لأنني لم أشاهد الفيلم منذ سنوات كثيرة، ولكن أول شيء أتى ببالي هل كانوا وقتها يرون المرأة هكذا؟ بهيمة في زريبة وتحتاج إلى لجام حتى تنصاع لرغبات المجتمع كله! تتزوج وتنجب وتطهو وتعمل، ليس لها حقوق، وإن رفضت شيئًا فهناك لجام جاهز يجعلها تنصاع لأي شيء.

أعلم أن أجيال كثيرة تغيرت، وأن المرأة أخذت دورها وحقها الذي تستحقه مع كل جيل أكثر وأكثر، و ما زال العمل جاري على ذلك، ولكن يظل دائما السؤال المطروح إلى متى سنظل نسعى للمساواة في دول الشرق؟ ومتى سنشعر بأننا اصبحنا نعيش في ظل مساواة حقيقية وملموسة مع الجندر الآخر؟ وإلى متى يظل السعي إلى أبسط الأشياء هو أصعبها في دولنا فقط؟!

دائمًا يوجد صوت في داخلي يقول إن التغيير يأتي من المرأة وليس العكس، والحقوق محفوظة إلى أن يطالَب بها، وحق المرأة في أن تعيش من دون أي نوع من أنواع الوصم المجتمعي، وحقها في أمنها وسلامتها من جميع أنواع العنف الذي يمكن أن يمارس ضدها، حتى وإن كان من مرأة مثلها، لأنه حتى الآن هناك ممارسة لعادة الختان في صعيد مصر والأرياف حتى بعد تصعيد جريمة الختان.

وحتى بعد وجود قانون جديد رقم 10 لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 «تجريم ختان الإناث»، ووضع عقوبات مغلظة لكل من الطبيب ومزاولي مهنة التمريض حال إجراء عمليات الختان، لا زالت هناك نسبة نتمنى أن تنتهي وتختفي تمامًا، ولكن المرض الحقيقي في العقول والتغيير يأتي بتغيير العقول والوعي.

أتمني أن يأتي اليوم الذي يُدَرَّس فيه في كل بلدة ومحافظة في مصر مادة لتوعية الفتيات بحقوقهم وحماية أجسادهن وطرق الحفاظ عليها، وكيفية اللجوء وإلى من في حال التعدي عليهن من أي شخص قريب أو بعيد. يمكن الأمل في لحظات بيكون ضعيف عندما يكون الأمل في الأشخاص الخطأ، لكن الجيل الجديد إذا نال حياة كريمة مشرفة بها من التوجيه والإشراف والتوعية ما يكفي نخلق بذلك جيلًا جديدًا قادرًا على الدفاع بقلب كبير عن قضايا المرأة، جيل لا يعرف اللجام.  

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة