الوصاية..

عندما أنزل الله أحكامه التي تخص المواريث، ومن ضمنها الوصاية على القُصَّر، كان الظرف الاجتماعي مختلف كليًا من حيث كل الأشياء، ظروف العمل والمعيشة في حياة شبه بدائية الحكم فها للقوة والعزوة والقبلية وحكم الذكور، أو ما سمي بعد ذلك بالاستحقاق الذكوري الموروث، وكان لابد أن يكون هناك حكمة من الخالق عز وجل في الأحكام  الخاصة بالحالة الاجتماعية، لأنه من المستحيل أن تقبل القبائل العربية بكل هذة التغيرات الجذرية في حياتهم، وبالأخص ما يخص النساء وسلطتهم الذكورية عليهن، سواء كانت أم أو أخت أو زوجة او ابنه، فأنزل الله أحكامه في النص القرآني بشكل مفصل ومفسر إلى أبعد حد، بل أكاد أجزم أنه لا توجد أحكام مفسرة وتفصلية إلى هذا الحد في النص القرآني إلا في الآيات الخاصة بتنظيم الحياة الاجتماعية بشكل عام والمواريث بشكل خاص.

لكن مع مرور الزمن، ومن فقيه إلى فقي ومن مفتي إلى مفتي ومن سلطة ذكورية إلى سلطة ذكورية دينية، تبدلت الآية، وأصبحت الآيات والأحكام التي في ظاهرها تقليل من المرأة واستنقاص من حقوقها هي المتصدرة للمشهد، وكل الآيات والتفسيرات التي توضح وتنظم هذة الآيات تم دفنها وعدم استخدمها إلا ما ندر.

وبما أننا ذكرنا حكم الذكور واستحقاقهم في تلك الحقبة وما تلاها من حقب فوجب أن نفسر هذا، ليس حكم القوة البدنية والعضلية فقط هو ما كان يميز مجتمع الرجال حينها كي تكون لهم الوصاية الكاملة على المرأة، بل أيضًا اقتصاديًا كان الرجال مسيطرين على كل المعاملات التجارية والاقتصادية، حتى النساء الغنيات في ذلك الوقت كن يستخدمن أزواجهن أو إخوانهن في إدارة مالهم، ولنا هنا مثل واضح وصريح، السيدة خديجة رضي الله عنها الزوجة الأولى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، تزوجت من نبي الله لكي يدير لها شؤنها المالية ومعاملاتها التجارية، إذن فإن الرجال في هذة الحقبة هم المسيطرون على كل شيء، فمن المؤكد حين يقرر المولى عز وجل أن يشرع أحكام خاصة بالمواريث والأموال والتركات وما شابه لتلك الفترة بأن يولي الرجال، لأن دون ذلك صراع ودمار للمجتمع كله ونفور وغضب من الدين الإسلامي نفسه.

هذا حدث من ١٤ قرن ١٤٠٠ سنة! فلننظر الآن!! الوضع تغير تمامًا، المرأة شريك في كل الأعمال والوظائف مع الرجل، من أول الدرجات الوظيفة البسيطة إلى كراسي الحكم في العالم كله. ولو نظرنا في مصر فبحسب آخر الإحصائيات الحكومية للمجلس القومي للمرأة أكثر من ٤٠% من الأسر المصرية تقودها سيدة، إما أرملة أو مطلقة أو مغلوبة على أمرها تحت سلطة زوج تجرد من كل معاني الإنسانية.

فلمن تكون الوصاية إذن اليوم؟

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة