في الثامن من شهر مارس الماضي، وبالتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، أطلقت ثلاث منظمات، وهي مركز «تدوين» لدراسات النوع الاجتماعي، ومؤسسة «براح آمن»، ومبادرة «سند» للدعم القانوني للنساء، حملة «ضرورية مش رفاهية»، لتسليط الضوء على مفهوم فقر الدورة الشهرية والتوعية بالمخاطر الناتجة عن عدم استخدام الفوط الصحية.
تفاعل الكثير من الفتيات والنساء مع الحملة التي كان غرضها الرئيسي تسليط الضوء على ارتفاع أسعار الفوط الصحية، وما يترتب على عدم استخدامها من أضرار للنساء. ودونت الكثيرات تجاربهن ومعاناتهن من غلاء أسعار الفوط الصحية تحت هاشتاج «ضرورية مش رفاهية». فيما تعتبر «الهاشتاجات» هي الوسيلة الحديثة التي لجأت لها المدافعات عن حقوق المرأة والجمعيات النسوية خلال السنوات الماضية، في ظل قوة الرقمنة التكنولوجية، والقدرة على استغلال الفضاء الإلكتروني لطرح قضايا متعلقة بحقوق النساء، خاصة بعدما اكتشفنا كنساء بعد أزمة كورونا مدى تأثير السوشيال ميديا، وكيف استخدمت المدافعات والحركات النسوية القوة التحويلية للتكنولوجيا الرقمية من أجل التواصل مع الآخرين وإحداث تغيير اجتماعي.
لماذا تعتبر الفوط الصحية ضرورية مش رفاهية؟
لا تذهب إيمان - وهو اسم مستعار- إلي مدرستها، بعدما تعرضت للتنمر بسبب بقع الدم التي تظهر على زيها المدرسي، لأن عائلتها لا تملك المال لشراء فوط صحية، بعدما أصبحت تكلفة العبوة باهظة. وإيمان هي واحدة من 500 مليون امرأة وفتاة في العالم، منهن 107 مليون امرأة وفتاة عربيات، يعانين من فقر الدورة الشهرية، بينما لا زالت الفوط الصحية تصنف ضمن سلع «العناية بالجسم» في مصر، من دون التفرقة بين السلع غير الأساسية والسلع الضرورية كالفوط الصحية، المدرجة تحت سلع الرفاهيات.
ولأن الكثير من النساء والفتيات لا يستطعن تحمل تكاليف هذه الاحتياجات الأنثوية الأساسية، بسبب ميزانياتهن المحدودة أو عدم توفر المال، تلجأ العديد منهن لاستبدال مستلزمات الدورة الشهرية ببدائل غير آمنة كالجرائد والأقمشة، أو تبديلها بفوط أقل جودة، أو استخدام الفوطة الصحية الواحدة لساعات طويلة لضمان بقاء العبوة لأطول وقت ممكن، وهو ما يؤثر بالسلب على صحتهن وقد يسبب لهن عواقب صحية بالغة الخطورة من الممكن أن تؤدي إلى الوفاة.
وبينما لا توجد إحصائية حول عدد النساء اللاتي لا يستطعن الحصول على منتجات الدورة الشهرية في مصر بسبب ارتفاع الأسعار، طالت هذه المنتجات زيادات هائلة في الأسعار خلال الفترة الماضية، نتيجة الأزمة الاقتصادية.
ماذا يعني فقر الدورة الشهرية؟
يشير المصطلح إلى صعوبة الحصول على المنتجات الصحية المتعلقة بالدورة الشهرية، مثل الفوط الصحية والسدادات القطنية (التامبون)، وهو ما نتج عنه أن العديد من الفتيات لا يستطعن الذهاب إلى المدرسة في أيام الدورة الشهرية لعدم قدرتهن على شراء الفوط الصحية، ويعتبر أحد أسباب تسرب الفتيات من التعليم.
لا زالت الحكومات تتعامل مع الفوط الصحية كسلع عناية بالجسم كالعطور وكريمات البشرة وأدوات التجميل، والتي تعتبر جميعها سلع غير أساسية ويمكن الاستغناء عنها، فيما تتعالى أصوات النسويات وجمعيات الدفاع عن المرأة مؤكدة على أنها من السلع الضروروية التي لا يمكن الاستغناء عنها لصحة السيدات الجنسية والإنجابية، مع مطالبات بإدراجها ضمن السلع المدعومة، أو توفيرها مجانًا من قبل الدولة، لتتمكن النساء غير القادرات من الحصول عليها، ولا تضطر الفتيات والنساء إلى الاستغناء عنها واستخدام البدائل غير الآمنة.
بالقطعة في ديرب نجم
خلال الحملة كانتهناك مبادرات فردية من بعض الطبيبات الصيديات ببيع الفوط الصحية بالواحدة دعمًا للنساء والفتيات المتعسرات ماديًا، بينهن الدكتورة نيرة عفيفي، التي كان لها دور في إطلاق مبادرة بعد الحملة لبيع الفوط الصحية بـ«القطعة» في صيدلية د/ أحمد السعيد نوفل بمنطقة ديرب نجم، لكنها تبقى في النهاية مبادرات فردية.
مطالبات حملة «ضرورية مش رفاهية»
واختتمت الحملة نشاطها بعدة مطالبات مباشرة للحكومة، حتى يكون هناك تدخلات رسمية سريعة لضمان وصول الفوط الصحية لجميع الفتيات والنساء غير القادرات، والوصول إلى حلول تتعلق بفقر الدورة الشهرية في مصر، ووضع سياسات تساهم وتخفف من الأعباء المادية الواقعة على الفتيات والنساء، أهمها:
- على الحكومة المساهمة في خفض أسعار الفوط الصحية باعتبارها منتجات طبية وليست تجارية، وشملها تحت بند الأدوية وتسعيرها على هذا الأساس، بعيدًا عن السلع التجارية الخاضغة لغرفة التجارة والصناعة.
- على الدولة اتخاذ أول طرق الإعفاء الضريبي عن المنتجات المتعلقة بالدورة الشهرية.
- على الجهات المختصة الرقابة على جودة منتجات الفوط الصحية، مثلما تراقب على الغذاء والدواء.
- العمل على خلق شراكات بين الشركات الخاصة المصنعة للمواد المتعلقة بالفوط الصحية والحكومة، تستفيد على إثرها هذه الشركات من إعفاءات ضريببة على المواد الخام المنتجة للفوط الصحية وتخفيض سعر التكلفة.
- توزيع الفوط الصحية على الفتيات والنساء في مكاتب الصحة والمستشفيات الخاصة والعيادات النسائية.
- توزيع الفوط الصحية على الفتيات في المدارس بشكل دوري، وبأعداد كافية تتناسب مع احتياجات الطالبات في المدارس.
- على وزارة التضامن تخصيص مبالغ دعم ضمن معاشات الأسر الأكثر فقرًا لتغطية تكاليف شراء الفوط الصحية.
- توفير الفوط الصحية للفتيات من ذوات الإعاقة بشكل مجاني.